براكسا أو مشكلة الحكم لتوفيق الحكيم عرض و تلخيص- نعيم عودة
تاريخ النشر : 2009-07-30
براكسا  أو مشكلة الحكم  لتوفيق الحكيم عرض و تلخيص- نعيم عودة


براكسا أو مشكلة الحكم لتوفيق الحكيم
عرض و تلخيص- نعيم عودة


هذه المسرحية كتبها الأديب توفيق الحكيم وخرجت طبعتها الأولى في عام 1939 والطبعة الثانية في 1960.

وقد كتبت على أساس كوميديا قديمة اسمها – مجلس النساء – ومثلت عام 392 قبل الميلاد.

والقصة تكشف الصراع على الحكم منذ قديم الزمان .. الصراع بين الرجال والأحزاب المختلفة وبين الرجال

القادة والفلاسفة .

والخير كل الخير ، أن يجتمع العطف والقوة والفلسفة والحكمة معا لتكوين حكم يتمتع بالمدنية والحرية والاستقرار.



براكسا – أو مشكلة الحكم :

ميدان فسيح في أثينا وقد غمره الظلام الدامس، ويظهر خطّ فضيّ من خيوط الفجر يلمع في الأفق البعيد.

تخرج من أحد المنازل السيدة براكسا تحمل مصباحا في يـد وعصا غليظة في اليد الأخرى.. وترتدي ثياب الرجال. تحدّث نفسها وهي تقول : لست أرى طيف امرأة في مكان الاجتماع ، وقد أوشك الفجر أن يبزغ.

وبعد هنيهة تلمح ضوءا يقترب وتسمع صوتا يهمس : أين براكسا ؟ لقد حان وقت الاجتماع !

ما هي إلاّ دقائق حتى كان المكان يعجّ بنساء يلبسن لباس الرجال ويضعن اللحى المستعارة ، وقفت براكسا خطيبة في الجمع وصاحت : أيتها النساء .. إنّ غايتنا من هذا الاجتماع أن نتسلّم نحن النساء شؤون الدولة،

فالدولة كما تعرفن تسير الآن وكانها ضالّة في بحار عميقة القرار.

فأجابتها جارتها وقالت: إنّ الخبرة تنقصنا ولم يسبق لنا أن خاطبنا الشعب ، وها هم الرجال يقتربون .. تكلمي

يا براكسا .

وقفت براكسا أمام حشود الرجال والنساء ووجهت إلى الجميع خطابا قالت فيه :

إنه ليدمي قلبي أن أرى الفساد وقد دبّ في جسم الدولة كما يدبّ الموت البطيء ، وأرى الدولة قد ألقت بأمورها في أيدي رجال لا يعنيهم من أمر الدولة غير أنفسهم ومن يحيط بهم من الأصفياء. لم يأت رجل استطاع أن ينظر إلى البعيد . وأرى أن نضع زمام الأمر في يـد المرأة .. وليس هذا غريبا.. ألستم جميعا تضعون زمام البيت في يد المرأة ؟


ويهتف الجميع : مرحى .. مرحى! إنّ أخلاق النساء خير ألف مرة من أخلاقنا نحن الرجال.

وتنتصب براكسا وسط الجمع وهي تهتف : انهضوا أيها الرجال ، وانهضن أيتها النساء- سيروا وأنتم تنشدون

أغاني الريف .. تحيا المرأة.



منذ هذا الصباح أصبحت براكسا سيدة قصر الدولة .. وراحت تسير مفكرة ذهابا وإيابا وبجانبها كاتمة السرّ..

وتسمع كاتمة السرّ أصواتا تتجه ناحية القصر .. وتطلّ براكسا عليهم تسألهم ماذا يريدون .. وتسمع الصوت

يردد : نحن أصحاب الديون .. ونطلب منك أن تصدري قانونا يقضي بإعدام كلّ مدين لا يدفع ما عليه فورا.

وتجيبهم براكسا إلى طلبهم .. فيذهبون.

ويقترب صوت آخر من القصر.. إنهم جمهور المدينين يطلبون إصدار قرار يقضي بإعدام أصحاب الديون..

وتجيبهم براكسا إلى طلبهم .. ثمّ تصدر براكسا قرارا يقضي بتعيين صديقها – هيرونيموس – قائدا عاما للجيش

ليخوض المعركة ضدّ الدولة المجاورة .

وتقبل براكسا على الفيلسوف أبقراط تسأله لماذا أبطأ عليها في تقديم التهنئة .. فيقول الفيلسوف :

اليوم ، الشمس تغمر الكائنات بالنور وأنت تغمرين القلوب بالفرح. إنّ كلامك عسل في جوف نحلة يخرج

عذبها شهيا. ويدقّ الباب .. يدخل هيرونيموس صائحا : أهل مقدونيا عادوا إلى استفزازنا وسندخل الحرب..

تفزع براكسا من ذكر الحرب ، فيقول القائد : آه .. أتقرين بأنك ضعيفة ؟ فيجيبه الفيلسوف : ليس هـذا

ضعفا، ولكنه رقة مزاج. فيزجره القائد ويشير إلى سيفه، ويكمل حديثه: إنك يا صديقتي لا تصلحين للحكم،

لقد أفسدت أمور الدولة بضعفك وتخبطك في القرارات .. إجلسي بجانب هذا الفيلسوف ، أنتما مقبوض عليكما.

يدخل عليهما السجّان بقليل من الماء وكسرة من الخبز ويقول: هلمّ إلى الوليمة! فيقول الفيلسوف : آه !!

لقد جاء العهد الذي تسمى فيه الأشياء بغير أسمائها. ويسأل الفيلسوف السجان : هل لك أبناء أيها السجان؟

ويجيب السجان بالأيجاب. فيقول الفيلسوف : وأين هم ؟ ويجيب السجان : في الجيش . ويسأل الفيلسوف:

أترى الناس راضين عن هذا العهد؟ فيجيبه السجان : صه ، صه إني ذاهب.

ويتجه أبقراط إلى براكسا مقيدة بالسلاسل : كيف تجدين صديقك الآن !! فتنفجر براكسا صائحة : إنه وحش

إنه وحش. ويدخل هيرونيموس عليهما سائلا: فيم كنتما تتحدثان؟ كنتما تتآمران عليّ إذن ! فيقول الفيلسوف:

هذا السؤال لا يدهشني منك.. لأنك لن تعرف الحقيقة أبدا.. فيجيب القائد: أعرف الحقيقة .. إنها كلّ ما

وقع في قبضتي، كالحقيقة التي تملأ مخلب النمر في الغابة ، هي القوّة أيها الفيلسوف. فأنا النظام وأنا الحاكم وأنا القاضي ، لن يفتح أحد فمه بصياح أو هتاف .. انقضى عهد الأحزاب والخلافات .. انقضى.. وخير للشعب أن يموت بيد البطولة من أن يموت بيد الضعف والفوضى.

قالت براكسا : أتسمي حكمي فوضى ! إقض بيننا أيها الفيلسوف . فقال أبقراط : لقد كنت تحكمين بمفردك،

وأنت بمفردك اسمك الفوضى.. وانت أيها القائد تسيطر وحدك .. وأنت وحدك اسمك الهمجية . فقال القائد:

مماذا تقول ايها الفيلسوف المخرّف ؟ أتريد أن تحكم أنت وحدك ؟ أم أن تشاركني في الحكم؟ فقال أبقراط:

وأن تكون معنا براكسا.

فقال القائد: نحن الثلاثة !!

أجاب الفيلسوف : نعم .. نحن الثلاثة، وثلاثتنا معا اسمنا- المدنية -.


هذا ما ينبغي أن يكون .. يجب أن يسير أحدنا إلى جانب الآخر دون أن يطغى على الآخر ، لا بدّ من أصبع

تحرك خيوطنا الثلاثة وتعرف سرّ التأليف بيننا وتلعب بنا لعب الساحر بالتفاحات الثلاث ، ينثرها ويجمعها

فوق يده دون أن تتصادم أو تلمس إحداها الأخرى.

انتهــــــــــــــــــت