المماليك طبقة الـرقيق الحاكـمة ‏بقلم:أشرف صالح
تاريخ النشر : 2009-07-05
جرى المصطلح على تقسيم عهد المماليك إلى قسمين ‏وهما:دولة المماليك البحرية (1250- 1382م)، ودولة المماليك ‏البرجية (1382-1517م). الواقع أن المماليك؛ هم الرقيق الذين ‏جلبوا من شبه جزيرة القرم، وبلاد القوقاز، والقفجاق، وآسيا ‏الصغرى، وفارس، وتركستان، وبلاد ما وراء النهر، وبالتالي مثلوا ‏خليطاً من الأتراك، والجراكسة، والروم، والروس، والأكراد ‏بالإضافة إلى أقلية قدموا من الدول الأوربية. وقد تدفق الوافدون ‏من تلك المناطق ومعهم النخاسون على بلاد الشرق، خاصةً مع ‏ذيوع الأخبار عن ثراء بعض القوى السياسية ورغبتها في اقتناء ‏مثل تلك العناصر؛ خاصةً من أظهر موهبة حربية متميزة.

ويقصد بالمماليك الرقيق الذين أصبحوا في حيازة أو ملكية ‏غيرهم عن طريق البيع، أو المبادلة، أو الأسر، أو المهاداة، أو ‏كجزء من الضريبة المفروضة على أحد الحكام التابعين (جزية ‏تدفع سنوياً من الملوك). والرق كان موجوداً بقدم الإنسان على ‏ظهر الأرض منذ أن وجد القوي والضعيف من بني الإنسان فاسترق ‏القوي الضعيف،وأخضعه لسلطانه كي يحمل عنه عبء العمل ‏المضني في سبيل الحصول على لقمة العيش، كما أنه استعمله في ‏مآربه الشخصية.‏

الحروب: ‏
لقد أدت زيادة الحروب بين القبائل قديماً إلى اتساع نظام ‏الاسترقاق، فقد أدرك المنتصرون أن الإبقاء على الأسرى أفضل ‏بكثير من قتلهم، لأنهم إذ لم يقتلوا قاموا بالخدمات المختلفة ‏سواء كانت مستلزمات حاجات القبيلة أو تقديم خدمات للأفراد. ‏ومما يذكر أن الحروب الناشبة بين ملوك التتار نَجَمَ عنها زيادة ‏في تجارة الرقيق. ‏

الفاقـة: ‏
الواقع أن؛ لم تكن الحروب وحدها مصدر الرق بل كانت أيضاً ‏الفاقة (الفقر) من أسباب الاسترقاق، حيث دفعت الفاقة الفقراء ‏من الناس إلى بيع أولادهم بل وبيع أنفسهم في بعض الأحيان ‏تخلصاً من الفقر وضماناً للحصول على لقمة العيش.‏

أدرك فريق من الناس ما للاسترقاق من قيمة اقتصادية ‏فأقبلوا على خطف الأطفال والكبار من بني الإنسان سواء كانوا ‏رجالاً أو نساءاً، ثم باعوهم بيع السلع في الأسواق، والدليل على ‏ذلك أن الأمم القديمة كانت لديها أسواق لبيع الجواري والعبيد. ‏وعندما جاء الإسلام كان الرق موجوداً وشائعاً بين الأمم في الشرق ‏والغرب، ولا يرى فيه الناس بأساً ولا يشعرون نحوه بألم بل ‏اعتبره البعض نظاماً طبيعياً وضروري للمجتمع، وقد وجد الإسلام ‏أنه ليس من الحكمة أن يلغي هذا النظام الذي ألفته البشرية ‏أجيالاً طويلة واعتاده الناس في حياتهم حتى امتزج بطباعئهم ‏ورسخ في نفوسهم. فوجدنا الإسلام لم يحرمه صراحةً ولم ينهي ‏عنه في وضوح ذلك لأنه أدرك طبيعة النفس البشرية التي لا ‏تستجيب بسهولة لاسيما إذا كان هذا النهي أمراً متصلاً بنظام ‏تعود عليه واعتبره من ضروريات الحياة اليومية. وعلى هذا عمل ‏الإسلام على أن ينفذ برفق إلى أعماق النفس البشرية محاولاً انتزاع ‏جذور هذا الداء.‏

بدأ الإسلام بالحرب التي تعتبر أكبر مصدر لهذا النظام، ‏فخير الناس إذ ما دفع لهم عدد من الأسرى بأن يمني عليهم ‏بالحرية أو يقبلوا الفدية، وقد ضرب الرسول (صلى الله عليه ‏وسلم) المثل العملي الرائع في ذلك، حيث اتفق مع أسرى موقعة ‏بدر لكي يشتري الأسير منهم حريته عليه أن يعلم عشرة من ‏المسلمين القراءة والكتابة. ليس هذا فحسب بل جعل الإسلام عتق ‏الرقيق كفارة من الخطأ سواء كانت تلك الأخطاء خاصة بالإفطار ‏عمداً في شهر رمضان، أو كفارة عن اليمين،تلك الأخطاء التي ‏كثيراً ما يتورط فيها الإنسان. ويضاف لذلك أن الإسلام حث على ‏رعاية الرقيق، فقد أوجب الرسول (صلى الله عليه وسلم) حسن ‏معاملتهم، فيكفي للعتق أن ينطق به السيد ولو كان مكروهاً أو ‏مخموراً. كما أن الآمة(العبد من النساء) التي كانت تنجب من ‏سيدها ولد تنتفي عنها صفة الاسترقاق وتصبح حرة ولا يجوز ‏لسيدها أن يبيعها أو يهبها ولا تورث لغيره بعد مماته. كما أن ‏المولود يصبح حراً ولا تجري عليه قواعد الرق. وهكذا يتضح أن ‏الإسلام حاول القضاء على الرق والإقلال منه وكرهَّ الناس فيه وفي ‏تجارة الرقيق. ومما لا شك فيه أن حدة الاسترقاق قد خفت ‏بموقف الإسلام عما كانت عليه ولكن ظلت موجودة بصورة أو ‏بأخرى في عدة أمثلة (أدلة) نعرضها فيما يلي: ‏

أولاً: الخلفاء العباسيين ‏
كان الخلفاء العباسيون أول من أكثر من شراء الرقيق من ‏الجواري والعبيد واتخذوا منهم خدماً لهم وجنداً للدولة، فكان ‏الجواري يعملن في القصور ومنهن المثقفات والمغنيات والراقصات ‏والخادمات. أما العبيد فكانوا يعملون حرساً خاصاً يدافعون ‏وبالأحرى يدفعون أذى الأعداء، كما كانوا يعملون جنداً للدولة ‏ولهم من الهيبة والقوة موضعاً. وكان هارون الرشيد أول من غَالى ‏من الخلفاء العباسيين في العناية بالجواري عناية ملحوظة، كما ‏كان ابنه المأمون أول من استكثر من شراء المماليك ثم سار على ‏دربه الخليفة المعتصم الذي قام بإستخدام فرق من التركمان لتدعيم ‏سلطانه ولمساعدته في أمور الدولة، ولعل مرجع استخدامه لهذا ‏العنصر هو قلة ثقته بالعرب ولأن أمه كانت تركية الجنس ولهذا ‏فقد أكثر من شرائهم من أسواق الرقيق وأنشأ لهم مدينة خاصة ‏بشمال بغداد وهي مدينة سامراء (أو مدينة سر من رأى) وذلك بعد ‏أن ضايقوا الناس. وقد نجح هؤلاء المماليك الأتراك في إضعاف ‏النفوذ العربي والفارسي، بل وانتزعوا السلطة من أيدي الخلفاء ‏أنفسهم فيما بعد. ‏

ثانياً : الدولة الطولونية ‏
كان أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية أحد أبناء ‏هؤلاء المماليك الأتراك فأبوه طولون كان من الأتراك الذين يقيمون ‏بين بلاد تركستان وسيبريا. وقد أكثر أحمد بن طولون بدوره من ‏شراء المماليك الأتراك والديالمة (من سكان بحر قزوين) وغيرهم ‏حتى بلغ عددهم أكثر من أربعة وعشرين ألف من الأتراك وأربعين ‏ألف من السود، وسبعة آلاف من الأحرار المرتزقة.‏

ثالثاً: الدولة الإخشيدية ‏
سار محمد بن طغج الإخشيد على نهج أحمد بن طولون، ‏فقد جعل جيشه من الأتراك ومن الديلم، والدليل على ذلك أن ‏كافور الإخشيد الذي ألت إليه سلطة البلاد بعد أن قام بالتخلص ‏من أبو القاسم أنوجور ومن أخيه علي بن الإخشيد كان من الرقيق. ‏

رابعاً: الفاطميين ‏
سار الفاطميون أيضاُ على هذا المنوال فأكثروا من استخدام ‏المماليك لأنهم كانوا في حاجة ماسة إلى تدعيم الجيش من أجل ‏تثبيت أركان الدولة، بل ويسهل عليهم هذا الجيش ما اعتزمه ‏الفاطميون من مد سلطانهم على بلاد المشرق. وقد كان جيشهم في ‏بادئ الأمر مكون من المغاربة حيث كانت الخلافة في بلاد ‏المغرب، ثم أضافوا إليه عندما انتقلوا إلى مصر الأتراك والأكراد ‏والمغاربة. ‏

خامساً: الأيوبيين ‏
بعد أن انتقلت السلطة من الفاطميين إلى الأيوبيين ، سار ‏الأيوبيون على نفس النهج فأكثروا بدورهم من شراء المماليك ‏الترك، وشيدت لهم الثكنات بجزيرة الروضة على يد السلطان ‏الصالح أيوب (المماليك البحرية). وقد نجح هؤلاء المماليك في ‏النهاية في الاستيلاء على الحكم وتأسيس دولة خاصة بهم في عام ‏‏648هـ / 1250م.‏

سادساً:المماليك
كانت سياسة السلاطين المماليك تقوم على الإكثار من ‏شراء المماليك، فقد سار قلاوون على نهج بيبرس في إدارة شئون ‏البلاد، وكانت سياسته قائمة على الإكثار من المماليك، فاستقدم ‏منهم الكثير حتى يكونوا عوناً له ولأولاده من بعده في تثبيت ‏عروشهم. وقد بذل قلاوون الأموال الكثيرة في شرائهم وأحسن ‏إليهم ونهاهم عن التعرض لشعبه بسوء، وقد بلغ عدد هؤلاء ‏‏(12000) مملوك وهذا عدد كبير لم يجمعه عدد من السلاطين من ‏قبله. وقد سار السلطان الناصر محمد بن قلاوون على سياسة أبيه ‏في الإكثار من شراء المماليك الذين اعتمد عليهم في حروبه ‏ومحاربة أعدائه، وقد أنعم عليهم بالملابس الفاخرة والعطايا ‏والأرزاق الكثيرة، وذاع أمر إغداق السلطان الناصر على مماليكه في ‏غير مصر من الأقطار حتى تشجع تجار الرقيق على جلب أعداد ‏كبيرة منهم، وكان الآباء يتصارعون لبيع أبنائهم إلى هؤلاء التجار ‏أيام السلطان الناصر لكي يحصلوا على المميزات والعطايا التي ‏تنوعت في عهده.

كانت الغالبية العظمى من جماعات المماليك الذين جلبهم ‏الأيوبيون وسلاطين المماليك من بعدهم إلى مصر،تأتي من شبه ‏جزيرة القرم وبلاد القوقاز والقفجاق وآسيا الصغرى وفارس ‏وتركستان وبلاد ما وراء النهر، فكانوا خليطاً من الأتراك والروم ‏والروس والأكراد، فضلاً عن أقلية من مختلف البلاد الأوربية. ‏وكان تيار الوافدين من أولئك الجناس بصحبة تجار الرقيق لا ‏ينقطع بسب ازدياد حاجة السلطنة إلى اقتناء المماليك وبالتالي ‏استخدامهم في الجيش. كذلك كان ثراء دولة المماليك من الأسباب ‏التي أدت إلى اجتذاب أعداد كبيرة من أجناس متعددة إلى مصر، ‏هذه الأعداد الكبيرة كانت الأساس الذي ارتكزت عليه دولة ‏المماليك والتي استمرت على مدى قرنين ونصف من الزمان. ‏

إن دراسة المماليك تحتم علينا التعرض لتجار المماليك ‏الرقيق والدور الذي لعبوه في جلب المملوك، فقد كان تجار الرقيق ‏بمثابة همزة الوصل بين الموطن الأصلي للمملوك وبين الدولة ‏المملوكية. وقد لا نكون مبالغين إذا ذكرنا أن الواحد منهم كان ‏بمثابة السيد الأول لهذا المملوك لأنه أول من قام باقتنائه وشرائه. ‏والراجح أن هؤلاء التجار كانوا أغراب وليسوا من أهل البلاد ‏لاسيما أن أغلبهم كانوا يحملون لقب الخواجة الذي يعني على ‏حد قول القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى" أنه من أكابر التجار ‏من العجم أي الفرس. ولكن من الصعب علينا في كثير من الأحيان ‏تحديد أوطان بعض هؤلاء التجار وذلك لقلة المعلومات التي ‏وصلتنا عنهم من المصادر المملوكية، فقد جرت العادة ألا تشير هذه ‏المصادر إلى أسم تاجر من تجار المماليك إلا في حالات نادرة،مثل ‏أن يكون قد أحضر بعض المماليك الذين استطاعوا فيما بعد أن ‏يشغلوا أحد الوظائف الهامة من الوظائف المملوكية، حتى إذا ‏ذكرت المراجع اسم تاجر المماليك فأن إشارتها له كثيراً ما تكون ‏موجزة لا تفيد كثيراً في التعرف على أصل وموطن هذا التاجر، بل ‏كثيراً ما تشير المصادر إلى اللقب وفي الغالب الاسم دون الاهتمام ‏بالبلاد التي جاء منها هذا التاجر. وإن كان هذا لا ينطبق على ‏فئة معينة من الرقيق الذين كانوا في خدمة الدولة المملوكية والذين ‏أمدتنا عنهم المصادر المملوكية بالعديد من المعلومات الهامة. ‏

ومن أمثلة تجار المماليك الذين يحملون أسماء عربية أو ‏تركية أو فارسية نذكر الخواجة محمود الذي قام بجلب السلطان ‏الأشرف قايتباي، والخواجة محمود شاه الذي أحضر السلطان ‏المؤيد شيخ، والخواجة خليل الذي جلب الأمير جهركس ‏‏(جاركس) بن عبد الله الخليلي، والخواجة سالم الذي قام بجلب ‏يلبغا السالمي، والخواجة جوبان الذي قام بجلب رفيق السلطان ‏برقوق؛بركة بن عبد الله الجوباني. نلاحظ في هذه الحالة أن ‏المملوك نُسب إلى التاجر الذي اشتراه، لكن هناك أسماء كاملة ‏لتجار الرقيق ذكرتها لنا المصادر المملوكية وتبدو على درجة كبيرة ‏من الأهمية بالنسبة لدراسات الدولة المملوكية. ومن هؤلاء ‏الخواجة عبد الواحد بن بدال الذي جلب الأمير أقبغا عبد ‏الواحد - مقدم المماليك السلطانية في عهد السلطان الناصر محمد ‏بن قلاوون- وذلك نسبةً إلى تاجر المماليك الذي قام بجلبه وهو ‏عبد الواحد بن بدال. ولدينا أيضاً؛ الخواجا فخر الدين عثمان بن ‏مسافر الذي جلب السلطان برقوق وأبيه إلى الديار المصرية والذي ‏كان على حد قول المؤرخ ابن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة ‏‏"لا يعرف العربية نالته السعادة لجلبه السلطان برقوق وأصبح من ‏أعيان المملكة". ومما يذكر أن السلطان برقوق كان إذا لاقاه قام له ‏وأكرمه، وكان لا يرد له شفاعة ويعطيه ما يطلب وهذا دليل على ‏الولاء لتجار المماليك.

الجدير بالذكر؛ أن هؤلاء التجار لعبوا دوراً هاماً في ‏التاريخ المملوكي، فتشير المصادر إلى مجد الدين إسماعيل بن ‏ياقوت السالمي "تاجر الخاص" ؛وهذا مصطلح من المصطلحات ‏الشائعة في العصر المملوكي ويعني المكلف بجلب المماليك للسلطان، ‏وهذا المجد كان يعمل لحساب السلطان محمد بن قلاوون، وكان ‏عربي الأصل، وجاءت شهرته من الدور الذي لعبه لتوثيق ‏العلاقات بين الدولة المملوكية ودولة مغول فارس إبان عصر ‏السلطان الناصر محمد، فقد لعب دوراً هاماً في الصلح بين السلطان ‏الناصر و القان بن سعيد (أبي سعيد ملك التتار) حيث انتظم مجد ‏الدين اسماعيل في سفارته وحسن سعيه فازدادت وجاهته عند ‏الملك أبي سعيد ملك التتار والسلطان الناصر. وتذكر المصادر ‏المملوكية أنه من بين الشروط التي وضعها السلطان الناصر السماح ‏بشراء المماليك من مملكة أبي سعيد وكذلك السماح لمجد الدين ‏بالإقامة هناك.‏

وتجد الإشارة هنا؛ إلى أن لقب "تاجر الخاص" الذي كان ‏يحمله مجد الدين السالمي يعني أنه كان يشغل وظيفة محددة ‏واضحة المعالم، فهو تاجر مماليك السلطان المعروف بتاجر ‏المماليك، وهي وظيفة كانت تتطلب من صاحبها ليس فقط السفر ‏من أجل شراء المماليك وإنما أيضاً مراقبة هذه التجارة الهامة ‏والإشراف عليها. لذلك كانت لهذه الوظيفة غالباً " أمير عشرة " ‏وهي مرتبة حربية يكون في خدمة صاحبها عشرة مماليك. ويفهم ‏من المصادر المملوكية أن وظيفة " تاجر الخاص" شغلها أشخاص لا ‏ينتمون إلى تجار المماليك بصلة مثل إبراهيم القرني الذي ورث عن ‏أبيه هذه الوظيفة،وكانت هذه الفئة من تجار الرقيق (النخاسين أو ‏باعة العبيد) معفاة من الضرائب والمكوس حتى تلك التي كانت ‏تدفعها صغار التجار.

أما بالنسبة لمصير الرقيق بعد شرائه وجلبه إلى القاهرة ‏بواسطة تاجر المماليك، فقد ضنت علينا المصادر المملوكية بالكثير ‏من المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، وكل الذي نعرفه ينحصر فيما ‏ذكره المؤرخ المقريزي في كتابه "الخطط" فقد أشار لسوق السيوفيين ‏فيما نصه "فيجد السالك على يمينه خان مسرور وحجرتي رقيق ‏ودكة المماليك بينهما ولم تزل موضعاً لجلوس من يعرض المماليك ‏الترك والروم ونحوهم للبيع إلى أوائل الملك الظاهر برقوق ثم بطل ‏ذلك". وخان مسرور مكان في شارع المعز لدين الله الفاطمي، وكلمة ‏خان فارسية الأصل بمعنى دار أو منزل،وقد استخدمت منذ أقدم ‏العصور الإسلامية للدلالة على ذلك البناء الهندسي الذي يتكون ‏من العديد من الحجرات المحاطة بفناء مكشوف يتضمن غالباً ‏طابقين: الأرضي يحتوي على إسطبلات للدواب (الخيل والبغال ‏والحمير) وحوانيت؛ أما الأدوار العلوية فكانت مقسمة إلى مساكن. ‏ويحدثنا المؤرخ ابن إياس أن السلطان قانصوه الغوري أنشأ سوقاً ‏بالقرب من خان الخليلي يباع فيه الرقيق وأبطل السوق الذي كان ‏يباع فيه الرقيق في شارع المعز لدين الله الفاطمي.

وبالرغم من أن؛ المصادر المملوكية شحيحة بصدد أسواق ‏الرقيق، فإنها عوضتنا بمعلومات كثيرة بشأن الجهات التي كانت ‏تزود السلاطين بالأموال لشراء الرقيق وهي:‏
-بيت المال
-مصادر أخرى ممثلة في الأشخاص والأفراد
يعتبر بيت المال في مقدمة هذه الجهات، فقد جرت العادة أنه بعد ‏وفاة أحد السلاطين أو عزله عن منصب السلطنة فأن المماليك ‏الكتابية وهم المماليك الذين لم يكونوا انتهوا من دراستهم في ‏الطباق وبالتالي لم يكن تم عتقهم، بعض هؤلاء المماليك يُرسلون إلى ‏بيت المال ليقوم السلطان الجديد بشرائهم. فقد أشار المؤرخ ابن ‏تغري بردي في كتابه"النجوم الزاهرة" أن السلطان الأشرف ‏برسباى اشترى ما يزيد على (200) مائتين مملوك من تركة ‏‏"الظاهر جقمق وابنه المنصور عثمان". ويفهم من المصادر المعاصرة ‏أن عملية الشراء كانت تتم في حضرة القضاة والثمن المدفوع يوزع ‏على ورثة السلطان الراحل، ومثال ذلك؛ في عام 873هـ عقد ‏السلطان الأشرف قايتباي مجلس للقضاة لشراء مماليك الظاهر ‏خشقدم،وقيل أنه اشترى (500) خمسمائة مملوك. وبعض ‏السلاطين اشترى المماليك بأسعار زهيدة، ومثال ذلك؛ عندما ‏اشترى السلطان قايتباي مماليك السلطان خشقدم، فقد دفع ثمناً ‏بخساً وقيل أنه أضر بورثة السلطان الراحل، وقد اِقترح وكيل من ‏السلطان الراحل لتقييم عملية بيع المماليك الكتابية من جديد. هذا ‏ما ذكره ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور" حيث طمع قايتباي في ‏حق أولاد خشقدم ولم يدفع لهم نصيبهم. ‏

ومن جهة أخرى؛ تخبرنا المصادر التاريخية بمعلومات ‏وفيرة عن أسعار المماليك، وبصفة خاصة أولئك الذين احتلوا ‏المراكز المرموقة في الدولة المملوكية، فنجد في بعض الأحيان ‏إشارات عن الأسعار التي دُفعت في شراء المماليك الذين نجحوا في ‏الوصول لمرتبة كرسي السلطنة وهذه الأسعار تنقسم إلى ثلاث فئات ‏‏:‏

أسعار باهظة (مرتفعة)‏
تتحدث أغلب مصادر هذا العصر عن لقب الألفي وهو لقب ‏أطلق على السلطان المنصور قلاوون وذلك نسبةً إلى قيمته، فقد ‏اشتراه أستاذه الأمين علاء الدين بألف دينار وقد ارتفعت قيمته ‏لحسن سيرته. وهناك مثال ثاني؛ يشير إليه المؤرخ السخاوي في ‏كتابه "الضوء اللامع" حيث أن السلطان المؤيد شيخ قام بشراء ‏الأمير يشبك بألف دينار، كما يذكر المؤرخ الذهبي أن الأمير ‏فارس الدين أقطاي تم بيعه أيضاً بألف دينار وإن لم يطلق عليه ‏لقب الألفي. ‏

أسعار متوسطة
أما عن السعر المعتدل للملوك زمن السلاطين المماليك، فعلى ‏الرغم من أن المصادر المملوكية عُرفت بمادتها الغزيرة فإننا لم نعثر ‏إلا على ثلاث حالات من العصر الجر كسي تساعدنا على التعرف ‏على سعر المملوك إبان القرن التاسع الهجري/الخامس عشر ‏الميلادي.فيذكر المؤرخ ابن إياس في كتابه "بدائع الزهور" في ‏أحداث عام 839هـ أن السلطان قايتباي قد بيع ضمن جماعة ‏كبيرة من المماليك بسعر (90) دينار للفرد الواحد. ويشير المؤرخ ‏ابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة" أن السلطان خشقدم ‏اشترى من أحد التجار مائة مملوك كل مملوك بـ (200) دينار، ‏ويبدو أن هذا السعر كان مرتفعاً مما جعل المؤرخ ابن تغري بردي ‏يبدي دهشته في هذا السعر الذي دفعه السلطان لشراء المماليك.‏
ويذكر نفس المؤرخ أن السلطان قايتباي قام بشراء المماليك ‏الظاهر خشقدم،كل مملوك بسعر يتراوح ما بين (25-30) دينار، ‏ويعتبر هذا السعر من الأسعار الزهيدة. وبناءاً على ذلك يمكن ‏القول؛ أن السعر المتوسط للملوك كان يتراوح ما بين (50-70) ‏دينار للملوك الواحد. ‏
‏ ‏
أسعار زهيدة ‏
ومن الإشارات الواردة بالمصادر المملوكية عن الأسعار ‏الزهيدة،أن السلطان الظاهر بيبرس تم بيعه بمدينة دمشق بمبلغ ‏‏(800) درهم وذلك لبياض إحدى عينيه.

‏ وتلك كانت لمحة عن المماليك أو طبقة الرقيق الحاكمة ‏وأصلهم كأرقاء يباعون في الأسواق على أيدي التجار الذين ذكرتهم ‏المصادر المملوكية على أساس أهميتهم، من حيث أنهم همزة ‏الوصل بين الدولة والموطن الأصلي للمملوك الذي كان يُنسب إلى ‏التاجر الذي اشتراه،كما كان يُنسب أيضاً لسعره الذي بيع به إذا ‏كان مرتفعاً. ‏