سر العَدواةِ بين الحَماةِ والكنّة..بقلم:يوسف الدعيكي المحامي
تاريخ النشر : 2009-05-26
سر العَدواةِ بين الحَماةِ والكنّة..!!!
* يوسف الدعيكي المحامي
لِمَن لا يعَرف معنى كلمة الكنّة، فهو مُصطلح لغوي عامي دارج يعني زوجة الإبن، أما معنى الحَماة فهو رُبما واضح للكل، ويعني أم الزوج أو أخته، وكثيراً ما سمعنا وشاهدنا قصص وروايات وخُرافات عَن صِراع غريب مِن نوعه تدور رحاه بين أنثيين، وحينما يشتد الصِراع بينهن يحس المرء وهو يشاهدهن وكأنهما أفعتى كوبرا تنفثان سميهما الزعاف لبعضهما البعض، والويل كل الويل لِمَن يقف بوسطهما بتلك اللحظة الرهيبة، فما هو سر هذه العداوة يا ترى..؟!!.. وقبل أن نخوض في سر أو أسرار هذه العداوة العجيبة، وجب علينا أن ننوه إلى أن ليس كل الحمَوات هكذا، ولا كل الكنّات أو الكنائن على نفس الوتيرة أيضاً، والجدير بالذكر هنا أيضاً أن ما يقارب على(80%) مِن حالات الطلاق بين الأزواج تكون أسبابها الرئيسية استفحال هذه العداوة المُستعصية، وهي مُعضلة مُستعصية على الزوج المسكين دون غيره، فهو وحده مَن يقف حائراً بين لهيب نارين، وبين أمرين أحلاهما أمّرُ مِن العلقمِ..فإما أن يقف بهذا الصراع الرقيق الناعم شكلاً، والخشن المُفترس موضوعاً، إلى جانب زوجته وحبيبة قلبه وأم أبنائه، والتي غالباً ما تكون ضحية، وحينها سيخسر أمه ويحل عليه سخطها وغضبها، ومِن تَم غضب الله وسخطه، ويصبح بذلك هدف لسهام ألسنة الناس الحادة المسمومة، لكونه قد تخلى عَن أمه مِن أجل عيون زوجته.. وإما أن يقف إلى جانب ست الحبايب، أمُه الحنون، والتي عادة ما تكون مُبالغة جداً في عداوتها وشعورها وعاطفتها وظنونها وتصرفاتها ومُعاملتها لام أحفادها، وعندها حتماً سيفقد زوجته وقد ينتج عَن ذلك تشرد أطفاله ومِن تم خراب بيته وضياع سعادته وهناءه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. بالفعل إنه صِراع مُرعب ومُخيف وغاية في الإرباك والتعقيد.. نسأل الله تعالى أن يُعفينا وإياكم مِن شره وشروره.. وأن يُجنبنا وإياكم تجربته وحضوره.. ولكي لا أطيل عليكم، دعوني استعرض بكم ومعكم أسرار هذه العداوة، وذلك مِن وجهة نظري، وليس مِن واقع تجربتي والحَمُد لله.. ولعل أكثر هذه الأسرار شيوعاً، وهو ما يكاد يكون معروفاً لدى الكثير مِن المُهتمين بهذه القضية الإنسانية وأبعادها، بأن مرجع هذه العداوة يعود لتعلق الأم الشديد بابنها، وشعورها بأنه قد انتُزع مِنها، وأنها قد حُرمت مِنه، لا سيما حينما يكون وحيدها، وهنا تكون العداوة بينهما قاسية جداً، وغير مُستساغة بالنسبة للكّنة، وذلك لأن هذه الغيرة بالنسبة لها في غير محلها، ولا تجد سبيلاً لصدها، فتقع بذلك الكنّة فريسة سهلة لمضايقات الحَماة المستمرة بمناسبة وبدونها، مع سعيها الدؤوب للتأثير عاطفياً على إبنها بقصد إبعاده عَن التعلق بزوجته وبالتالي عدم اهتمامه بأمه وبطلباتها، وبهذا يبدأ الصِراع العنيف بين غريمتين غير متكافأتين.إلا أنه قد تهدأ ثورة هذا الصِراع وتخف شدته، وربما يتلاشى نهائياً، في حالة ما أنجبت الكنّة حفيداً لحَماتها، وتعلقت الحَماة به، تطبيقاً للمثل القائل(( مَا أعز مِن الإبن، إلا إبن الإبن)) حينها تنقلب العداوة بقدرة قادر إلى محبة ووئام، وكأن شيئا لم يكن، ربما لأن الحفيد قد حل محل الإبن في قلب الحَماة وانشغلت به عَن سواه.. ثم أيضاً هناك سر آخر لهذه العداوة ويكمن في غيرة مِن نوع آخر، فالحَماة بهذه الحالة لا تغار مِن كنتها بسبب التنافس على محبة إبنها، إنما غيرة الحماة هنا مرجعها لسبب ثان مختلف تماماً، يتعلق بطبيعة الحياة وطريقة المُعاملة التي تحظى بها الكنّة والتي لم تتسنى للحَماة الحصول عليها في بدايات حياتها الزوجية، لهذا تمارس الحَماة ضغوطات على الكنّة لكي تشعرها بما كانت تشعر وتحس به مِن غُبن، وتحاول أن تلزمها بأمور وأشياء مُورست عليها مِن قِبل زوجها سنوات عِدة، حتى أصبحت تعتقد بأن هذه الأمور يجب أن تلتزم بها كل زوجة، وحينما لا تستجيب الكنة إلى ما تبتغيه حَماتها، تلقي الحَماة باللوم على إبنها الذي لم يُشبه أبيه في سلوكه وتصرفاته، وتُحملهُ مسؤولية عدم إطاعة الكنّة لأوامرها وطلباتها وعدم التزامها بما تعتقده الكنّة بأنها عادات وتقاليد مِن العيب وربما حرام مخالفتها.وهنا تبرز المُشاحنات والمشاكل التي لا يُحمد عقباها بكثير مِن الأحوال، وقد يكون تصرف الحَماة هذا سببه رغبتها للتخلص مِن عُقد نفسية مُتراكمة أو مُحاولة مِنها للانتقام لنفسها ولو عَن طريق إيقاع الأذى والألم على غير المُذنب بنظرها، وتعتبر هذه الحالة مِن أصعب حالات العداوة لأن منشأها نفسي قد يصعب علاجه والتعامل معه، إلا عَن طريق الفصل بين الحَماة والكنّة، كأن تقيم الكنّة مع زوجها في منطقة أخرى بعيدة عن المنطقة التي تقيم بها الحَماة، وهو حل فيه مِن القسوة ما فيه..أما عَن ثالث الأسرار فيكمن في انعدام شرط الكفاءة، أي أن تكون الكنّة مِن مستوى اجتماعي أرقى مِن المستوى الاجتماعي لزوجها وأهله، لا سيما مادياً، وتزداد الهوة اتساعاً إذ ما كان المستوى العلمي والثقافي للكنّة يفوق مستوى زوجها، وهو ما يجعل الشعور بالنقص والخجل ينتاب الحَماة أمام كنتها، فيخلق عندها نوعاً مِن الضعف اللا مقبول لديها، خاصة إذ ما استغلت الكنّة هذه النقطة لصالحها، مما يُحدث صِراعاً نفسياً لدى الحماة، فيتحول هذا الصراع النفسي مع مرور الأيام إلى كُره للكنّة ورغبة في إذلالها، حتى لا تشعر بأنها أفضل وأرقى مِن زوجها وأهله، وينعكس هذا الشعور سلباً على العلاقة بينهما، وتظهر ملامح السلبية على تصرفات الحَماة اتجاه الكنّة منذ اليوم الأول لوصولها.. وعكس الحالة هذه يشكل السر الرابع لهذا الصِراع الأنثوي الأبدي، وذلك حينما تكون الكنّة وأهلها مِن مستوى اجتماعي أقل بكثير مِن المستوى الاجتماعي للحَماة أو للزوج وأهله، فتصبح الكنّة المسكينة وتمسى على توجيهات وانتقادات حماتها اللاذعة خاصة أمام الضيوف وكذلك بالمناسبات الاجتماعية، والإصرار على تذكيرها بأنها لا تليق بإبنها وليست مِن مستواه، وبأنه ما كان لها الموافقة على هكذا زواج أصلاً، وبالتالي لا تجد الكنّة مِن وسيلة للدفاع عَن نفسِها وعَن كرامتها إلا بمُحاولة استمالة زوجها لِطرفهَا بهذا الصِراع المُر المَرير، حتى لا تخسر حياتها الزوجية، وحينما تفشل في ذلك، لا يعود أمامها إلا أحد خيارين، إما الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع وتُسلم بذلك أمرها لله، إلى أن يقضي الله أمراً كان مقضيا، أو تلجأ للقضاء للمطالبة بالطلاق للضرر.
وللأسف الشديد هذا ما يحدث بأغلب الحالات، والحقيقة ليس لهاتين الحالتين مِن علاج، إلا الصَبر والدُعاء ومُحاولة تقريب وجهات النظر بين الحَماة وكنتها..أما عَن خامس الأسرار والمتمثل في الكنة المُدللة أو دلوعة أمُها والتي لا تحرك ساكنا إلا بمشورة أمُها التي عادة ما تُقحم نفسها وأنفها بكل صغيرة وكبيرة بحياة إبنتها وشؤونها الزوجية الخاصة جداً، الأمر الذي يؤثر سلباً على علاقتها بزوجها ومِن تم بحماتها أم زوجها التي حينها تميط اللثام عَن وجهها القاسي المُكفهَر إزاء كنتها وتصوب نحوها ونحو أمُها فوهات مدافعها الكلامية وانتقاداتها الرشاشة والتي تتحول تدريجيا إلى صِراع لا يطاق، لا ينتهي إلا إذا تخلت الكنّة عن دلعها واعتمدت على نفسها، و تركت أم الكنّة، ابنتها وزوجها في حالِهما وأوصت إبنتها خيراً بزوجها وأمه .. ثم السر السادس، ويتمثل في تواجد الكنّة ضمن عائلة بها بنات (أخوات الزوج) ويكبرنها سناً ولم يحالفهن الحظ بالزواج، عندها ستكشر الغيرة عَن أنيابها الحادة، خاصة حينما يشاهد نها وهي ترتدي أجمل الثياب، وتضع زينتها وتخرج مع زوجها لتتمتع معه بأجمل أيام العمر وأحلاها، فهن هنا لن يسمحن لها بأن تتصرف كما يحلو لها أو كما يجب أن تتصرف المرأة المتزوجة حديثاً، بحجة أن هذه التصرفات لا تليق بسمعة العائلة، وهذه الحجة ما هي إلا ذريعة تحجب وراءها غيرة عمياء، ونظراً لحساسية الموقف وخصوصيته، تحدث مُصادمات بين الكنّة وبين حَمواتها، وبطبيعة الحال فإن الحماة الأم تقف مع بناتها وتتعاطف معهن ولو كُن على غير صواب.
أولاً لأنهن بناتها، وثانياً مُراعاة لشعورهن وإحساسهن المجروح بسكين العنوسة والحرمان، وبذلك يشب لهيب الصِراع التي لا سبيل لإطفائه إلا بأمرين، إما أن يتزوجن أخوات الزوج أو أن يجد الزوج للكنّة بيت آخر مُنفصل عَن عائلته..أما عَن سابع الأسرار فيكمن بالكنّة المستهترة والتي لا تقيم وزناً لزوجها ولا لكرامته وسمعته، والمُهملة لواجباتها المنزلية والأسرية، فهذه الكنّة كثيراً ما تتعرض لهجمات ساحقة مِن قِبل حَماتها، قد تنقلب مع مرور الأيام إلى صِراع عنيف يقضي على الأخضر واليابس وينهي حياة زوجية، كان أساسها بالأساس هشاً.. ثامن هذه الأسرار، يكمن بالكنّة المتسلطة المتعجرفة، سليطة اللسان قوية الشخصية، وهي ما يطلق عليها بالعامية( عيشة رجل ) وهي عادة ما تكون امرأة سادية، تتلذذ بإذلالها لزوجها وإظهاره أمام الناس بمظهر المغلوب على أمره، المطيع لها ولأوامرها ورهن بنانها، وهي حالة بالتأكيد لا ولن تروق للحَماة، التي تقهرها رؤية فلذة كبدها وهو على هذه الحالة المُهينة المُذلة، فتحاول الحَماة المسكينة هنا جاهدة أن تنتصر لإبنها وتنقذه مما هو فيه وعليه، ولكن بأغلب الأحيان لا تفلح في ذلك،لأن الكنّة تكون قد أحكمت الطوق تماماً حول عنق زوجها، وبالتالي ليس أمام الحًماة إلا التسليم بالأمر الواقع أو النجاة بنفسها والابتعاد عَن ما قد يحدث لها مِن أمور شاهدنا وقرأنا عنها الكثير.. والسر التاسع يتلخص بالكنّة( العاقر) التي لا حظ لها بإنجاب الأبناء، ومع ذلك يرفض زوجها أن يتزوج عليها أو أن يطلقها ويتزوج بغيرها، ربما مِن فرط تعلقه بها وحبه الشديد لها أو قد يكون احتراماً لها ولمشاعرها ولمشاعر أهلها، إلا أن رأي الحَماة بهذه الحالة كثيراً ما يكون مخالفاً تماماً لرأي إبنها، فينشأ عَن ذلك صِراعاً ولو خفي بينهن، وللأسف لا ينتهي صِراعهن هذا إلا إذا تزوج إبنها بامرأة ثانية أو حدثت معجزة وأنجبت كنتها أو انتقل أحدهم إلى جوار ربه..
ثم السر العاشر وربما الأخير مِن وجهة نظري، وهو يتعلق بمسألة الخوف مِن الفتنة، فتنة جمال الكنّة، وهذه العداوة مصدرها عدة أمور مِنها مبالغة الكنّة بإظهار جمالها ومفاتنها خصوصا لدى خروجها للعمل وللمناسبات الاجتماعية، ومِنها غيرة الحَماة على سمعة إبنها وكرامته وهي حقيقة غيرة مُستحبة وفي محلها، فالمرأة الجميلة غالباً ما تكون محط أنظار وإعجاب الجميع، ربما لندرة الجمال لدينا، ومِنها أيضاَ ضُعف شخصية زوجها، ومِنها كذلك وجود فوارق بين الزوج وزوجته الفاتنة، إما بالعمر أو حتى مِن حيث الشكل والمظهر، كأن يكون الزوج قبيح المنظر.



حينها تخشى الحَماة كثيراًً على كنتها مِن شراك الذئاب البشرية التي يسيل لُعابها لمجرد رؤيتها لامرأة فارعة الجمال مثل( نور أو لميس)، خصوصاً تلك الذئاب التي لها وسامة( يحي أو مُهند)، وهنا يكون لخشية الحًماة سبباً ومعنى، ويصبح لا هَم لها إلا مراقبة تصرفات وتحركات وسكنات كنتها، التي تشعر بأن حماتها كاتمة على أنفسها، فينتابها الضجر والملل، فترغب في التمرد ولكنها تصطدم بصخرة صماء إسمها الحَماة، فيبرز بينهن صِراعاً غير معلوم النتائج، وليس له مِن حَل إلا التزام الزوجة الجميلة لبيتها وإطاعتها لربها وزوجها، ولا تخرج منه إلا بصحبة زوجها أو مع حماتها ا.. وهذا ما أراه وأعتقده، والله أعلم بأن هذه هي أهم أسرار أرق وأنعم وأقدم العداوات وأغربها على الإطلاق، ولله في خلقه شؤون.