من الصحراء إلى السجن بقلم: عزام أبو الحمام
تاريخ النشر : 2009-05-20
من الصحراء إلى السجن بقلم: عزام أبو الحمام


صرنا خلال دقائق في بطن صحراء سينا بعد أن قطعنا الحدود بعد منتصف الليل،،ثمة شيء تغير،أمر رهيب وقع دون أن ندركه تماماً،، صار ظلام الصحراء أكثر حلكة مما كان في صحراء النقب، ربما أضواء الحدود كانت تعطي ذلك الانطباع، ربما الإحساس الجديد برحلة التيه التي لم تتضح لنا حتى هذا الوقت،،،بل كان البطلان الأزرق والأحمر كفا تماما عن الصراع ، كأنهما يستشعران صراعاً من نوع جديد، على حلبة جديدة لا يدركان أركانها بعد. فقد اشتد الظلام على الجميع.
كانت خيوط الفجر قد بدأت بالتمدد وشرعت بسرعة بتمزيق الغلالة السوداء الضخمة التي كانت تلف صحراء سيناء إلى أن صارت الغلبة للخيوط البيضاء الشفيفة، فصار بوسعنا مشاهدة وجوه بعضنا بعضا بعد أن كنا نتمايل ونتهامس كالأشباح في ظلام دامس.
* * *
انتظرنا حتى بزوغ شمس سيناء فاستبان لنا من بعيد الطريق الواصل إلى مدينة العريش ، وصار بوسعنا مشاهدة السيارات الذاهبة إلى مدينة العريش، تركنا المسدسات والراديو ومعهما منظف الأسنان ومقص الأظافر وشفرات الحلاقة لدى الدليلين اللذان قَدِما مَعنا من فلسطين وتبادلنا وإياهم القبل ثم صارالبدوي سلامة بتوصية من الدليلين والحاح من سعدون . كان واضحاً من رطن ألســنتهم الذي لم أفهم منه إلا بعض الكلمات القليلة أن ثمة صلة قربى بين سلامة والدليلين، ، وصلنا العريش صباحاً بعد أن استقل ثلاثتا مركبة عابرة امتلأت بالركاب القادمين من منطقة الشيخ إزوَيِدْ في شمال سيناء الشرقي ، كانت المركبة تقل أكثر من خمسة ركاب ينحشرون في صندوقها الخلفي الضيق بوجوه واجمة لا حراك فيها كأنها لجثث أموات، فحشرنا أنفسنا بينهم فصرنا كحزمة حطب قديم ذرتهُ الرياح الرملية فأصابه الجفاف ، شرعتْ شمس مدينة العريش بتسليط أشعتها الجافة على رؤوسنا ، بدا سعدون أكثر توتراً ظنا منه أن الناس كلهم يراقبونه ويشيرون لنا بالبنان قاتلين : أمسكوهم ، أقبضوا عليهم، دخلوا الحدود بدون أختام ،،إنهم جماعة أبو الليل وسلامة المهرب،،. بدأت العدوى تنتقل إلى قاسم الذي كان يقاوم هذه الهواجس،،،، وَلجَا مطعما في وسط المدينة التي تشبه القرية وابتاعا ساندويتشات فول وطعمية بناء على رغبه سعدون الذي تُجبرهُ قرحة المعدة على طلب الطعام في ظروف غريبة، رمى سعدون إلى صاحب المطعم بعشرين جنيهاً فيما ثمن الطعام أقل من جنيه واحد ، كان سعدون قد استلم رزمة من الجنيهات المصرية من قِبلِ شقيقهِ الذي يعملُ في التنظيم أيضاً لغرض استخدامها في مصر حين الضرورة ، احتج قاسم مُعللاً الأمر بأنه سيثير الانتباه لهذا الكرم الحاتمي في غير محله ، توتَر الجو أكثر بين الرفيقين حينما شرعتْ شمسُ الصباح الصحراوية تصبُ لهيبها على الرؤوس. فيما كان البدوي سلامة يفاوض سائق مركبة البيجو البيضاء لتوصيلهما إلى القاهرة حيث ستستغرق الرحلة حوالي ست ساعات.
* * *
انطلقت سيارة البيجو الطويلة إلى القاهرة، كان قاسم يرفض مرافقة البدوي لنا إلى القاهرة، كان ذلك سببا آخر من أسباب التوتر بيننا،،،جلس البدوي حذاء السائق وجلست أنا وقاسم في المقعد الخلفي، كان بوسعي مشاهدة البدوي وهو يناغي السائق ويتبادلا الابتسام وأسمعهما يتراطنان بلهجة غريبة لم يسبق لي وان سمعتها لا في المخيم الذي ولدت وترعرعت به ولا في السجن حتى، كان زميلنا في السجن من قبائل بئر السبع يتحدث برطنة قريبة من هذه الرطنة،،لكنها أيضا تختلف عنها كثيرا،،، ربما كانا يخططان لأمر غير محمود ، من يدري! ، كل شيء وارد عندي،،، أو لعلهما فَرحانِ لفوزهما بهذه الصفقة الرابحة التي حققت لكل منها مبلغا ماليا مجزيا لم يكن يحلما به في ذلك اليوم ،،،
صِرنا نُواجه نِقاط تفتيشٍ على طول الطريق إلى القاهرة، كان وجود البدوي في المقدمة علامة آمان جيدة، لعل قاسم الآن يعترف بصحة موقفي الذي أصررتُ عليه أثناء نقاشنا في مدينة العريش، كم هو عنيد هذا الرفيق الذي خبأه لي القدر،،، بدا لي قاسم في تلك الساعة مستهترا بعواقب انكشاف أمرنا في الوقت غير المناسب. كأنه يحسب نفسه في قريته أو في قرية رام الله.
* * *
بدأت المركبة تلجُ بنا شوارع القاهرة المزدحمة، بدا لي سعدون أكثر توتراً من ذي قبل، كأنه يتوجس خيفة من كل شاردة وواردة،،،كأنه يحسب نفسه في المعتقل الإسرائيلي حيث الشك والريبة هما ثقافة سائدة يغذيها السجانون بمهارة تُزعزعُ يقينَ الأسير في كثير من الحالات،، أنا لن أكون ملزما بذلك فقد تعودت في الجامعة على الوضوح ،،، انتبهتُ لوجود الحمامات العامة حذاء الشارع قرب مجمع المركبات العامة، طلبتُ من السائق التوقف لهنيهة ريثما نتمكن من غسلِ وجوهنا المغبرة وشعورنا المرملة، رفضَ سعدون ذلك وفضلَ البقاء في السيارة، الآن صار بوسعي القولُ أنني غسلتُ وجهي بماء النيل وأكلتُ عيش وطعمية ،،، أديني طعمية يا عم حسنين،،،فين الكوشري يا بت يا حسنية ،،، أحسست بحالة انشراح قليلا بعد أن غسلت وجهي بالماء،،،صرتُ أتذكر المسلسلات المصرية التي تشبعنا بها في ذلك الوقت،،،. لسوء الحظ ليس لدينا مشط للشعر حيث بدا لي الآن أكثر أهمية من المسدسات التي بقيتْ في الصحراء في ذمة الدليلين . كان شعر سعدون مضحكاُ وهو ينفر إلى الأعلى كأسلاك معدنية متضاربة أو كإبر القُنفذ بفضل الرمل الصحراوي فوق وجهٍ مدورٍ ولكنه مُجعلكٌ منتفخٌ كرغيفِ خبزٍ لم ينضج بعد، فيما كان شعري بعد تمليسه بالماء كقبعة عتال سوداء قادمة من العصور الوسطى. وعلى كل الأحوال فأنا أسمر البشرة أستطيع الذوبان في الوجوه المصرية كما تضيعُ حبة الكستناء في كيس من الحبات الأخرى،،،
* * *
ودعنا البدوي سلامة والسائق بدون قُبلات ولا مصافحة وسط القاهرة التي تَنغلُ بالناس نَغلاً ، وأستقلينا سيارة جديدة بدأت تدورُ بنا في شوارع القاهرة بحثاً عن شارع "عدلي" حيث حددتْ لنا الخطة ذلك العنوان، بعد أكثر من ساعة بدا لنا السائق غير ذي صلة بالقاهرة، نفذ صبر قاسم وهو يصيح في السائق:
- أنتم أيها السائقون، يا بني عَجَل، أينما كنتم، تَدعونَ المعرفة بكل شيء ولا تعرفون شيئاً،،، تسأل الناس في الشارع عن السفارة التي تقدم للناس أذونات السفر لفلسطين المحتلة، إنك تبحث عن سفارة إسرائيل إذن ، ولا تفرق بينها وبين مكتب فلسطين الرسمي .
- لا أمال يا أفندم،،، أنا أعرفها يا عم لكن صبرك عليَ يا راجل .الله.
الله ، قالها السائق بتذمر وعصبية هو الآخر بعد أن أعياه السؤال والتعب والدوران في شوارع القاهرة المزدحمة بالناس والسيارات لأكثر من ساعة ، وكأن السائق نفسه بدأ يمل هذه المهمة فعيلَ صبرهُ هو الآخر.
ظللتُ أخشى من اندفاع قاسم وتصرفه مع الناس وكأنه سائح خمس نجوم،،،من أين لي بهذا الرفيق المزعج؟ يحسبُ أن كل الناس يجب أن ينصاعوا لرغباته ومزاجه الغريب.

أخيراً وبشقِ الأنفس وصلا إلى "شارع عدلي" حيث ثمة تمثالاً برونزياً ضخماً يرفع ذراعه إلى الشرق ، ربما كان تمثال أحمد شوقي أو سعد زغلول يمد يده إلى بغداد حيث تمثال الرصافي يرفع يده هو الآخر نحو الغرب،،،تأمل قاسم التمثال بدهشة وانطلقا إلى البناية المشار إليها في الشارع ، كانت الشمس قد غاصت خلف البنايات العالية فتركت سماء المدينة صفراء قاتمة ، كان بالإمكان ملاحظة سيارة الشرطة التي تحرس الموقعين المتقابلين، مكتب فلسطين، ثم الكنيس اليهودي في الجانب الآخر. وكان بالإمكان – وبطرف العين – ملاحظة الشرطيين الساهمين خلف المقود فيما السيارة رابضة في دخلة فرعية.
* * *
جاء مسؤولان من مسئولي المكتب بعد أن استدعاهما فراش المكتب الذي يلبس الجلابية المصرية، ولا يتحدث غير اللهجة المصرية الفصيحة. قدم الواصل الأول نفسه ب" أبو محمد" وجلس خلف طاولة عجفاء في حجرة ليس فيها ما تحب العين أن تقف عنده، فتح الراديو المثبت بجانب النافذة ونظر إلى الخلف ثم همس: صوت الراديو سيشوش على أي تنصت قادم من الخارج، وعلينا التحدث بصوت منخفض، ثم بدأ يسألنا أسئلة من وكيف وماذا ولماذا وأين ؟ بدأ سعدون بالتجاوب السريع، احتج قاسم على ذلك وخاطب سعدون ناهياً إياه عن الاستجابة لجهة غير مخولة حسب زعمه، بدأ جدل ونقاش مع الرجل الكهل الأسمر البشرة كبير العينين ومربوع الجسـد. واضطر هذا لعرض بطاقته الرسمية " جهة العمل : قطاع غربي " وهي الكلمة السحرية التي ستجعل سعدون أكثر تجاوباً مع الرجل، في هذه الأثناء وصل المسؤول الآخر، رجل أربعيني عريض المنكبين، مربع الرأس، واسع العينين أيضاً لكنه يتميز ببشرته الأقرب للبياض، وهو يبدو أكثر أهمية من الكهل الأسمر نظراَ لتغير نبرة صوت الأول بعد وصول الثاني. جلس الرجل الأبيض البشرة وطفقَ يداعبُ حبات سبحته في يده اليمنى ثم راح يطلق أسئلة جديدة فيما بقي الأول خلف المكتب يستمع ويتدخل أحيانا بينما عيناه تتلاعبان في كل الاتجاهات كذبابتين تائهتين، صار الجو مشحوناً بالعصبية فيما ظل الرجل الأبيض البشرة متثاقلا وواثقاً من موقفه المستفز للشابين، وقف قاسم في هذه الأثناء محتجاً ورافضا الإدلاء بأي معلومات وهو يقول :
إن العرف التنظيمي يمنع تقديم أي معلومات لغير المسئول التنظيمي المباشر.
قال له الرجل الذي ما تزال يده تلاعب حبات السبحة الخمرية اللون:
- ما شاء الله وتحفظ أيضا القانون،،،فاكر نفسك في محملة.
وقف الجميع وقد سيطر التوتر تماماً وبدا أن عراكاً بالأيدي على وشك الوقوع ، علا الصراخ ونسي الجميع حكاية الراديو وأجهزة التصنت المحتملة، حضر رجل ثالث ستيني العمر تبدو عليه علامات الوقار وتجارب الحياة فساعد على تهدئة المناخ،، قالوا له : اسمع يا أبا السعيد،، هؤلاء المجنونان يعتقدان أن بإمكانهما الخروج والذوبان في القاهرة وهم لا يعرفان شيئا منها،،لعلك تساعدنا في إقناعهم أننا نعمل لمصلحتهم ونحترم النظام في البلد،، وعلينا الآن استدعاء رجال الأمن المصري احتراما للاتفاقيات السياسية وقواعد السلامة .
بعد لأي وجهدٍ جهيد، تقبلَ الشابان الأمر على مضض ، وجرى تسليمهما الأمانات التي كان الرجل الأسمر قد حجزها في مكتبه وهي بعض المبالغ المالية بالدولار والجنيه المصري، وجواز سفر،وأحضرَ لهما العشاء المكون من الكباب الملفوف بجريدة الأهرام، كان من اليسير مشاهدة رسومات الأهرام بالخط الأحمر على رأس الصفحة وقد تفشت فيها بقع الدهن،،،وقبل متصف الليل بقليل حضر الضابطان المصريان بناء على اتصال مسئولي المكتب، قدما أسميهما الصريحين، العقيد م. طنطاوي، والرائد حسام. كان العقيد طنطاوي دمثاً يصعب عليك تصديق أنه رجل أمن، أسمر البشرة رفيعاً كأنه الممثل احمد زكي أيام شبابه، فيما كان حسام واسع الوجه أقرب للاحمرار، عيناه واسعتان وبياضهما غالب، وشديدتا التصويب ، ظل صامتا لكنه بدا ماكراً كثعلب، فيما عينا العقيد كانتا أكثر هدوءاً وسكينة.
لم تطل فترة المجاملة، فقد أنطلق الضابطان ومعهما الشابان كأصدقاء إلى سيارة الضابطان الرابضة أمام المبنى، وما هي إلى دقائق حتى كان الجميع في مبنى يشبه القصور القديمة ، إنه مبنى محاط بالشرطة والعساكر يخيمُ على أسواره الحجرية العالية صمت جنائزي تقطعه بين الفينة والأخرى أصوات محركات سيارات داخلة وأخرى خارجة من الباب الرئيسي حيث يقف الحراس المسلحون، إنه مبنى أمن الدولة في اللازغلي في أحد ضواحي القاهرة.
كانت أول جلسة تحقيق أقرب إلى أن تكون جلسة استماع ومجاملة، لم يكن في مكتب المحققين ما يلفت الانتباه أكثر من صورة معلقة في الجدار خلف الضابطان،، صورة الضابطان يتوسطهما أبو عمار ببذلته الخاكية وكوفيته المرقطة وثلاثتهم يرسمون ابتسامات هادئة بينما أعينهم مصوبة إلى عدسة المصور،،، كأن الصورة التقطت في المطار على ما يبدو من الخلفية،،،كان وقع هذه الصورة لطيفا في نفس الشابان، فذكرهما أنهما الآن أمام أصدقاء وليس أمام محققين معادين،،
* * *
في المساء التالي، لم نشاهد المحققين، قضينا اليوم والليل نلعب الورق ونتبادل الحديث مع عدد من نزلاء الزنزانة،،،لقد أخذنا قسطا جيدا من الراحة ونحن نتقلب على البطانيات الرقيقة في أرضية الزنزانة، ثم أشعلنا الكثير من السجائر التي جلبناها معنا من مكتب المنظمة،، في هذا اليوم تصرفنا كسياح كرماء، إذ دفعنا للحارس أموالاً كافية لشراء كباب وكفتة وسجائر لكافة نزلاء الزنزانة السبعة ، وفي المساء الثالث جرى استدعائنا من النظارة التي تقع في الطابق الأول للبناية، أستدعيَ أولاً، وعاد بعد ساعة مرتبكاً ينفضُ يديه ، وقد انقلبَ وجههُ الأبيض إلى اللون الأزرق، وجرى فصله عني حيث وضع في زاوية الحارس في مدخل الزنزانة بحيث انقطع الاتصال بيننا ...وما هي إلا دقائق حتى تم استدعائي شخصيا ، ثمة تغير غير مفهوم هذه المرة، الحراس المكلفون بمرافقتنا قاموا بوضع القيود في أيدينا، وقاموا بتعصيب أعيننا فكان من الصعب صعود الدرج للطابق الثاني لولا مساعدة الحارس،،
فتح الباب، وقام الحارس بدفعي داخل الحجرة دفعاً، وعلى الفور باشر الضابط بالصراخ بعصبية قائلا:
- إيه يا ابن الوسخة،،لماذا لم تقدموا لنا رواية حقيقية أمس، لماذا تكذبون علينا، لماذا؟هل نحن يهودا في نظركم ً!؟ وكان في هذه الأثناء يمسك بتلابيب قاسم وبهزه هزا عنيفاً، فيما قاسم يصيح هو الآخر، لا..لا، ليس لدي رواية أخرى، متشتمش ، أنا قلت كل ما لدي، ولا أعرف شيئا آخر،،،
- لا،،أنت تعمدت تقديم معلومات مضللة عن المسئولين في الخارج، وعن الذين ساعدوكم في الدخول إلى سيناء، من هو أبو الليل وأبو سلامة دهَ،،، إحنا ما نتكلشي أونطا،،، إحنا عارفين انك تكذب،،،
بعد جولة من الصراخ تخللها بعض الشتائم، قال قاسم ، اكتبوا في أوراقكم ما شئتم،،، هل ترغبون أن أقول لكم أننا على اتصال مع أبو عمار وأنه هو الذي نظمنا وكان يأتينا كل ليلة،،،صاح الضابط حسام بينما عيناه تكادان تنفران من محجريهما:
- اسمع يا ولا،،، سيبك من الألمنضا يا فالح،،، ثم رفع يده وهمَ بصفع قاسم إلا أن الضابط الآخر حال دون ذلك بمد يده لتعترض الصفعة ، ثم توجه إلى قاسم قائلا:
يا ابني،، ما خلاص،،إحنا اتفقنا إننا أخوان، أنت فاكرنا مش حريصين على فلسطين زيكوا وأكثر،،،يا بني انت متعرفش حاجة عن مصر، أبو عمار يعرف، بُص، أهه أبو عمار لو كانت الصورة تتكلم لتكلم كثيرا عن مصر يا ابني،،،ثم ألا تعرف أن إسرائيل ولاد الوسخة يبعثون لنا الكثير من الشباب بحجة النضال وهم جواسيس؟ إنت فاكرها سايبة؟
انتهت جولة الصراخ والتهديد والوعيد. ونمنا الليلة الثالثة في الزنزانة، لكن هذه المرة دون أن يفصلوا بيننا.
* * *
في الصباح التالي، كانت سيارة السجون تقف أمام المبنى وكان الحراس المسلحون يسحبون قاسم وسعدون المقيدان بالكلبشات إلى السيارة البيضاء فيصعدانهما سلم السيارة، يتقدم رجل عسكري بنجمة واحدة ويقول للحارس:
- خذ بالك يا عسكري، دول أوراقهم حراسة مشددة، أي حركة تضرب بالمليان،،مفهوم.
- حاضر يا أفندم.
ثم يتأكد الضابط من إحكام غلق باب السيارة قبل أن تنطلق السيارة في شوارع القاهرة حيث ظلت تسير وتنعطف مرة يساراً ومرة يمينا فيما كان السجينان يتأرجحان وسط السيارة التي تشبه الزنزانة وأيديهما مكبلة معاً ، ولولا الماسورة المعدنية في سقفها لسقط السجينان عدة سقطات ،
بعد مسيرة حوالي ساعة في شوارع القاهرة، كانت السيارة تقف والأقفال تدور فيما صوت جلبة العساكر هنا أكثر منها في مبنى أمن الدولة الذي غادرناه قبل قليل، فتحت الأبواب ونزلنا درجات السيارة بمساعدة العسكري ، أستطعت قراءة العنوان على جانب الباب الرئيس " مركز أمن خليفة للترحيلات".
صاح الضابط الذي يرافقنا:
أنت فين يا حضرة الصول متولي ، إنت فين ي خويَا. تعال استلم ،،أنا مستعجل.
حاضر يا فندم حاضر، جاهز يا خوي ، إديني أوقع لك ، خلاص اعتبرني استلمت،،بالسلامة يا خويا بالسلامة.
تمام يا أفندم، تمام.
20 أيار / يوليو2009
وإلى حلقة أخرى قادمة.
[email protected]