مِن عجيب خلقه ((الدماغ)) .. بقلم: حميد جبر الواسطي
تاريخ النشر : 2009-03-14
بِسْمِ اٌللهِ اٌلرَّحمَنِ اٌلرَّحيمِ
مِن عجيب خلقه ((الدماغ)) ..
بقلم: حميد جبر الواسطي

وَرَدَ في بحار الأنوار للمجلسي (ج 59 ص 9 – 12) يقول: وَأمَّا الدماغ فخلقه اٌلله سُبحانه ليِّناً دسماً لينطبع المحسوسات فيه بسهولة وَلتكون الأعصاب النابتة منه لدناً (لدن بضم العين لدانة وَلدونة: كان لينا، فهو "لدن" كفلس.) لا ينكسر وَلا ينقطع، وَجعل مزاجه بارداً رطباً لتنفعل القوى المودعة فيه عن مدركاتها، وَلئلا يشتعل بالحرارة المتولدة فيه مِنَ الحركات الفكرية وَالخيالية، وَلتعدل قوة الروح وَالحرارة الصاعدة إليه مِنَ القلب، وَجعل مقدمه الذي هو منبت الأعصاب الحسيَّة أليَن مِن مؤخره الذي هو منبت الأعصاب الحركية، لأن الحركة لا تحصل إلاَّ بقوة، وَالقوة إنما تحصل بصلابة.
وَهو ذو قسمين طولاً وَعرضاً لئلا تشمل الآفة جميع أجزائها، وَفي طوله تجاويف ثلاثة يفضي بعضها إلى بعض تسمى بطون الدماغ، وَهي محل الروح النفساني وَمواضع الحواس وَمقدمها أعظمها، وَيتدرج إلى الصغر حتى يعود إلى قدر النخاع وَشكله.
وَله زائداتان شبيهتان بحلمتي الثدي يبلغان إلى العظم الكثير الثقب الشبيه بالمصفي في موضعه مِنَ القحف حيث ينتهي إليه أقصى الأنف، فيهما حس الشم، وبهما يندفع الفضول من هذا البطن المقدم إلى العظم المذكور وَينزل منه إلى الخيشوم بالعطاس.
وَأمَّا فضول البطنيَن الآخريَن فتندفع إلى العظم المثقب الذي تحت الحنك وَالبطن المقدم هو موضع انجذاب الهواء إلى الدماغ، وَالهواء بعد مكثه في البطون وَتغيره إلى المزاج الدماغي يصير روحاً نفسانياً، وَكثيرا ما يزيد على ما تسعه البطون فيصعد إلى بطون للدماغ تسمى بالتزاريد، وَيستحل فيها إلى المزاج الدماغي وَإلى صلوحه له.
وَالزرد الموضوع مِن جانبي البطن الأوسط يتمدد تارة وَيتقلص اُخرى مثل الدودة، وَيسمى بها كما يسمى هذا البطن أيضاً لأن بتمدده يستطيل هو وَينتظم معه، وَبتقلصه يستعرض وَينفرج عنه، وَالأول حركة الأنقباض، بها يندفع الفضلة وَالثاني حركة الانبساط بها تتأدى صور المدركات إلى القوة الحافطة بتقدير العزيز الحكيم.
ثم إنه تعالى قد جلل الدماغ بغشائيَن: رقيق ليِّن ملاصق [له] وَمخالط في مواضع، وَغليظ صلب فوقه ملاصق للقحف وَله في أمكنة منه، وَهو مثقب، ثقباً كثيرة في موضعيَن عند العظم الشبيه بالمصفي وَالعظم الذي في الحنك لاندفاع الفضول، وَيتشعب منه شعب دقاق يصعد مِن دروز القحف إلى ظاهر يتشبث أولا الغشاء بالقحف بتلك الشعب فيتجافى بها عن الدماغ وَيرتفع ثقله عنه ثم ينسج مِن تِلكَ الشعب عَلَى ظاهر القحف غشاء يجلله.
وَيتوسط أيضاً جزئي الدماغ المقدم وَالمؤخر حجاب لطيف يحجب الجزء الأليَن عن مماسة الأصلَب.
وَتحت الدماغ بَينَ الغشاء الغليظ وَالعظم نسجة شبيهة بالشباك الكثيرة التي القيت بعضها عَلَى بعض حصلت مِنَ الشرايين الصاعدة إلى الرأس مِنَ القلب وَالكبد، وَيخرج منها عرقان فيدخلان الغشاء الصلب وَيتصلان بالدماغ
وَإنما فرشت الشبكة تحت الدماغ ليبرد فيها الدم الشرياني وَالروح فيتشبه بالمزاج الدماغي بعد النضج، ثم يتخلص إلى الدماغ عَلَى التدريج.
وَالفرج التي تقع بَينَ فروع هذه الشريانات محشوة بلحم غددي لئلا تبقى خالية وَلتعتمد عليه تلك الفروع وَتبقى عَلَى أوضاعها.
وَأمَّا الأعصاب النابتة مِنَ الدماغ فسبعة أزواج أولها ينشأ مِن مقدم الدماغ وَيجئ إلى العين فيعطيها حس البصر بتوسط القوة الباصرة، وَهاتان العصبتان مجوفتان وإذا نشأتا مِنَ الدماغ وَبعدتا عند قليلاً اتصلتا وَأفضى ثقب كل واحد منهما إلى صاحبه ثم يفترقان أيضاً وَهما بعد داخل القحف، ثم يخرجان وَيصير كل واحد منهما إلى العين التي مِن جانبه.
وَالزوج الثاني ينشأ مِن خلفِ منشأ الأول، وَيخرج مِنَ القحف في الثقب الذي في قعر العين وَيتفرق في عضل العين فيكون به حركاتها.
وَالثالث منشأه مِن خلفِ الثاني بحيث ينتهي البطن المقدم إلى البطن الثاني وَيخالط الزوج الرابع الذي بعده ثم يفارقه.
وَينقسم أربعة أقسام: أحدها ينزل إلى البطن إلى ما دون الحجاب، وَالباقي منها يتفرق في أماكن مِنَ الوجه وَالأنف، وَمنها ما يتصل بالزوج الذي بعده.
وَالرابع منشأه مِن خلفِ منشأ الثالث، وَيتفرق في الحنك فيعطيه حساً خاصّاً له.
وَالخامس يكون ببعضه حس السمع وَببعضه حركة العضل الذي يحرك الخد.
وَالسادس يصير بعضه إلى الحلق وَاللسان وَبعضه إلى العضل الذي في ناحية الكتف وَما حواليه، وَبعضه ينحدر مِنَ العنق وَيتشعب منها في مرورها شعب تتصل بعضل الحنجرة، فإذا بلغت إلى الصدر انقسمت أيضا فرجع منها بعضها مصعداً حتى يتصل بعضل الحنجرة، وَيتفرق شئ منها في غلاف القلب وَالرئة وَالمرئ وَما جاورهما وَيمر الثاني وَهو أكبره حتى ينفذ الحجاب وَيتصل بفم المعدة منه أكثره، وَيتصل الباقي بغشاء الكبد وَالطحال وَسائر الأحشاء، وَيتصل به هناك بعض أقسام الزوج الثالث.
وَالسابع يبتدئ مِن مؤخر الدماغ حيث ينشأ النخاع وَيتفرق في عضل اللسان وَالحنجرة، وَالعضلات المحركة لأعضاء البدن كلها ينشأ مِن هذه الأعصاب وَالأعصاب النخاعية وَعدد كل ما في البدن مِنَ العضلات خمسمائة وَتسعة وَعشرون عضلاً عَلَى رأي جالينوس..
فسُبحان الخالق البديع.
استراليا – العراق
14 آذار – مارس 2009
[email protected]