دون التشكيك بوطنية أحد، لكنني أشكك بالثقافة التي يدعون بقلم:أيمن الدقر
تاريخ النشر : 2009-02-05
أيمن الدقر
عندما يدور الحوار حول الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني بدءاً من تاريخ نشوئها المشبوه، وتحولها إلى دولة مزعومة، قامت على جثث الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، يكون الحوار في أغلب الأحيان حامي الوطيس، خاصة إن كان المحاور يختلف مع المقاومة الوطنية الفلسطينية، والخلاف بين بعض المتحاورين الذين نشاهدهم بشكل يومي على شاشات الفضائيات، بين مؤيد للمقاومة ومعارض لها يعود لأسباب عدة، منها:
المؤيدون لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، من أجل إقامة دولة فلسطين، وإقامة القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، والدفاع عن حق عودة اللاجئين إليها، وعن كل ما يعيد للفلسطينيين حقوقهم المسروقة، هؤلاء يكونون غالباً مطلعين على حقيقة القضية الفلسطينية وتاريخها، ولذلك يتحدثون عن المقاومة كحل بديل عن السلام الذي لم تلق له (إسرائيل) بالاً، منذ العام (1948) وحتى هذه اللحظة.
أما المعارضون للمقاومة فينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: يجهل حقيقة القضية الفلسطينية، ويرى أن من حق (إسرائيل) أن تعيش بسلام إلى جانب الدول العربية، ومن شدة جهلهم، فهم لا يرون أن (إسرائيل) لا تدع الدول التي تشاركها في الحدود أن يعيشوا بسلام، ولا يرون فيها دولة معتدية، أو مغتصبة لأرض لا تملكها.
القسم الثاني: فهم المتآمرون، والمتصهينون، الذين يرون في دفاعهم عن (إسرائيل) تحقيقاً لمصالحهم الضيقة، وقد يرتكبون جرم الخيانة إن طلبت الصهيونية منهم ذلك، وهم يعرفون تمام المعرفة تاريخ القضية الفلسطينية، ويبررون مواقفهم، باعتبار (إسرائيل) أمراً واقعاً يجب الاعتراف به، لكنهم في نفس الوقت لا يرون أن من حق الفلسطينيين إقامة دولتهم، إلا وفقاً للشروط والنوازع الصهيونية، ويرون في المقاومة حماقة.
مع خلاف وجهات النظر هذه، رغم وضوح خطأ، أو خيانة رافضي المقاومة، يمكن أن نترك هؤلاء جانباً كون مواقفهم جلية كالشمس، متصهينة أو جاهلة كما أسلفت.
إلا أنه من غير المبرر أن ينبري بعض المثقفين، وخاصة بعض المؤدلجين منهم، أو من يدعون اليسارية، أو الليبرالية، أو العلمانية، لشتم (إسرائيل) والمقاومة الوطنية معاً، معتبرين (إسرائيل) دولة معتدية، وأن المقاومة الوطنية مسبباً لدمار لبنان، ثم غزة، معتمدين في برهانهم على وجهات نظرهم المؤدلجة، التي لا مكان لها أصلاً في زمن الحرب، فيعلنون بأنهم لا يؤيدون المعممين سواء كانت عماماتهم سوداء أم بيضاء!! فيربطون الإيديولوجيا بمواقفهم من المقاومة، دون أن يتوقفوا ولو للحظة واحدة مع الذات فيبحثون عن نقاط لقاء بينهم وبين المقاومة، ويرمون نقاط الخلاف لوقت آخر، ولنا أن نسأل بعض هؤلاء:
هل يرون في دمار (فرنسا) إبان الحرب العالمية الثانية، حماقة فرنسية؟
وهل دمار مدن قناة السويس في عدوان بورسعيد 1956 كانت حماقة مصرية؟
إن كان كذلك، فليسمحوا لنا أن نسألهم، إن كان جميع ما سبق يوصف بالحماقات، فكيف تتحرر الشعوب إذاً؟ فقد يفيدوننا من علمهم وآرائهم المغلقة، التي لا يستفيد منها إلا أعداء الحرية التي يدافعون عنها، وإن كانت ثقافة المقاومة قد ولت كما يدعي البعض، فأي ثقافة حلت محلها؟ ثقافة الهزيمة، أم ثقافة الحوار كما يدعون؟ وفي الحالة الإسرائيلية المتمثلة باللاحوار، واللاسلام، بماذا نستبدل ثقافة المقاومة؟ وما وظيفة إيديولوجياتهم إن لم تنعكس حرية على الشعوب التي تعتنقها؟
ليس دفاعاً عن العمامة مهما كان لونها، وليس تشكيكاً بوطنية بعض الذين يرون في أنفسهم مثقفين، لكن الشك بالثقافة التي ترى الانتماء السياسي أو الفكري أو المذهبي أو الطائفي أكبر من الانتماء الوطني.