رجل مثير للشفقة ترجمة:رمضان جربوع
تاريخ النشر : 2009-01-24
روبرت فيسك: السكرتير المثير للشفقة!
عندما سألت أمين عام الأمم المتحدة، ألم يحن الوقت لمحكمة جرائم حرب؟ ..
قال السيد "بان" : ليس من صلاحيتي أن أطلق محكمة جرائم حرب!
كم هي مثيرة للشفقة هذه الإجابة!
صحيفة الإنديبندت البريطانية/ 19/1/2009، ترجمة رمضان جربوع/

كان الأمر لفلفة، كان تخريفا، إيقاف إطلاق نار إسرائيلي فقط على شرف الرئيس باراك أوباما حتى يتاح له حفل تنصيب نظيف وزاعق والعالم كله، يشاهد شوارع واشنطن في التلفزيون، بدلا من أن يرى ركام ودمار غزة!

"كوندي" ومعها السيدة "ليفني" توصلتنا لاتفاق جديد لمراقبة الأسلحة، بعد اجتماع طاريء، لم يشارك فيه "عربي" واحد، .... "بان كي مون" رحب بالهدنة المؤقتة واثقا من نجاحها!

العظام الطيبون تنادوا واجتمعوا في "شرم الشيخ". حماس لم يستشرها أحد، وهو ما أدى بالطبع إلى بعض التجاعيد في الخطة، أولا، وقبل أن تعلن "حماس" عن إيقاف إطلاق نارها، قذفت صواريخها على إسرائيل، أثبتت بأن هدف إسرائيل الأول من الحرب – أي إيقاف الصواريخ – فشل فشلا ذريعا، ثم قامت القاهرة بالتغاضي عن الصفقة المعقودة قائلة بصرامة: لا أحد سيضع على أرضها أجهزة مراقبة إليكترونية، كذلك لم يقم أي "قائد" أوروبي من الذين حضروا، باقتراح يفيد بأن الناجين من ضحايا الحرب يمكن مساعدتهم إذا ما تفضل الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بإنهاء حصارهم المانع للطعام والوقود عن غزة!

بعد أن قتلت المئات من النساء والأطفال، إسرائيل أصبحت الآن: الرجل الطيب! ... لأنها أوقفت إطلاق النار بصفة أحادية، والذي من المؤكد أن حماس ستخرقه. ولكن السيد أوباما سيشعّ وجهه بالابتسام الثلاثاء، يوم التنصيب .... ألم يكن هذا هو السبب، الذي جعل إسرائيل، بالرغم من كل شيء؛ تريد هدنة؟

الاحتجاجات المصرية قد تكون مجرد مسرحية – الولايات المتحدة أنفقت العام الماضي 18 مليون دولار لتدريب رجال الأجهزة الأمنية على كيفية إيقاف تهريب الأسحلة إلى غزة، وحيث أن أمريكا تنقذ اقتصاد مصر من الانهيار، وتتغاضى عن الفساد في نظامها وتواصل دعم حسني مبارك، فمن الأكيد أن "حلا وسطا" سيخرج على السطح!

"حماس" تعرضت مخالبها للتقليم هي أيضا، فلقد تكفل عملاء إسرائيل في غزة بإعلامها بمواقعها وعنواين المساكن والمخابيء، حكومة غزة الآن، لابد أنها تتسائل إذا كانت ستستطيع القضاء على الجواسيس يوما ما.
حماس كانت تتوهم بأن "ميليشيتها" تماثل حزب الله – وهذا خطأ جسيم في التقدير- وبأن العالم سيهب لنجدتها. العالم (وليس قادته من أشباه الطواويس) شعر بالتعاطف الفائق مع الفلسطينيين، ولكن ليس مع رجال حماس المتشائمين، الذين قاموا بانقلاب في غزة بسنة 2007، قتل فيه151 فلسطيني.
وكالعادة ظهر علينا رجال الدولة الأوروبيين فاقدين الإتصال والتواصل مع مشاعر الذين انتخبوهم، بدرجة لا أمل فيها!
لقد تم نسيان التاريخ، صواريخ "حماس" كانت أصلا نيتجة للحصار المفروض على الطعام والوقود؛ إسرائيل اخترقت هدنتها المعلنة بيومي 4 و 17 نوفمبر، لقد تم نسيان أن "حماس" فازت بانتخابات 2006، تم النسيان على الرغم من أن إسرائيل قتلت العديد من الذين فازوا!
لن يجد صانعي السلام في شرم الشيخ الكثير من الوقت للتمعن في مدارس الأمم المتحدة التي استهدفتها إسرائيل وأحدث مجزرة في المدنيين بداخلها.

يا له من شيخ مسكين، "بان كي مون"، لقد حاول إسماع صوته ... قبل إيقاف إطلاق النار، قال بأن القوات الإسرائلية تصرفت بطريقة "مقرفة" ويجب "معاقبتها" على عملية القتل الثالثة في المدرسة ... يا له من أمل! .. عندما وصل إلى بيروت صرح بأنه حاول الاتصال بوزيرة خارجية إسرائيل ليشكو لها، ولم تتح له المكالمة.
لقد كان أمرا مثيرا للشفقة، سألت أمين عام الأمم المتحدة، ألم يحن الوقت لمحكمة جرائم حرب؟ ..
قال السيد "بان" : لست أنا الذي يقرر إطلاق محكمة جرائم حرب، عدد قليل من الصحافيين اهتموا بسماع ما يقول الرجل، أما موظفيه، فلقد قاموا بسرعة بطي علم الأمم المتحدة من على المنضدة، لقد حان الوقت فعلا. أعيدوا لنا "عصبة الأمم" ... لقد صفحنا عن كل شيء!
ما لم يلاحظه أحد، لا من العرب ولا من الإسرائيليين ولا حتى القادة الأوروبيين المنتفخين، هو أن اجتماع شرم الشيخ الليلة الماضية، كان متوافقا مع العيد التسعون – يوما بيوم- لاجتماع باريس في سنة 1919 فيما عرف بــ "مؤتمر السلام" بعد الحرب العالمية الأولى، وهو الاجتماع الذي تمخض عن وضعية الشرق الأوسط "الجديد" ... من أحد بنود الاجتماع كان وبكل بساطة "رسم حدود فلسطين". ثم تبع ذلك معاهدة "فيرساي" .. ونحن نعرف ما حدث فيها، ما بقي ...مجرد تاريخ ... أحضروا لنا الأشباح هيا!
[email protected]