العرب في اوروبا ... بين معضلة الاندماج والقصور الذاتي بقلم:ماجد قرمش
تاريخ النشر : 2008-11-22
العرب في اوروبا .... بين معضلة الاندماج والقصور الذاتي ( وجهة نظر )
ماجد قرمش – صحفي فلسطيني – السويد
في ظل الواقع القاتم التي تعيشه المنطقة العربية .... وانعكاسات ذلك على الواقع المعيشي للقاطنين هناك ... تجد ان فكرة الهجرة الى اوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا واستراليا مطروحة بقوة لدى نسبة لا يستهان بها من الشارع العربي ... حيث الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة وكل ما يمكن ان يوفر الامان والاستقرار المعنوي والمادي للانسان ... وعندما تنظر الى طوابير المصطفين امام السفارات الاجنبية في دولنا يذهلك المنظر وتشعر وكأن البلاد على وشك الفراغ من ساكنيها ...
لا شك ان هناك العديد من الاسباب والدوافع التي تدفع المواطن العربي للتفكير بالهجرة .... فمنها ما هو لاسباب سياسية ومنها الاوضاع المعيشية .... الخ .... واذا كان هذا ليس السبب المباشر خلف ما يتناوله المقال ( وجهة النظر ) هذه ، فان ما يدفع لطرق هذا الموضوع والتحدث فيه هو هذا الكم الذي اصبح بالملايين في بلاد المهجر وتلك الطاقات الغير مستغلة ولا ابالغ ان قلت ( الضائعة ) التي غابت عن الوطن وعاشت الغربة والاغتراب حتى في عكس هموم وقضايا مجتمعاتها وفي ثاتيرها المحدود جدا داخل واقعها الجديد لتقديم صورة ايجابية في حدود معينة عن الواقع الصعب لدينا وحجم المعاناة التي تعيشها شعوبنا من جراء السياسات الغير متوازنة لتلك الدول في نظرتها لقضية الشرق الاوسط, وخلق نواة لقوى فاعلة ومؤثرة في تلك الدول تكون مناصرة لقضايانا الوطنية
وعند النظر الى بيانات وتقارير دوائر الهجرة المختلفة في الدول الاوروبية ... تجد ان العدد الاكبر من المهاجرين هم من الوطن العربي ... على ان هذا العدد الهائل تجده مشلولا وغير فاعل ومؤثر في مفاصل اساسية من الحياة السياسية والاجتماعية الغربية ... وتجده منزويا ومنطويا على ذاته ان لم نقل منغلقا داخل تجمعات مشتتة فعلها سلبي وغير ذات جدوى ... فنظرته مثلا للانتخابات البرلمانية في تلك الدول لم تصل الى حدود فهم الحق والواجب المترتب له وعليه وفقا للنصوص القانونية وهامش الحرية التي يتمتع بها نتيجة وجوده في تلك الدول ، وهو الامر الذي ينعكس على حجم في المشاركة فيها ، على الرغم من ان التنوع الثقافي والحرية الواسعة التي يلاقيها اللاجيء في العالم الغربي ... تعطيه حافزا قويا على الانفتاح على تلك الثقافات المتعددة والتأثر والتأثير فيها، وبالتالي تسمح له بطرح قضاياه دون اي قيد او شرط ما دامت في سياق احترام القوانين السائدة وعدم تخطيها ...
والا كيف لنا ان نفسر تنامي النظرة العنصرية في الغرب تجاه العرب والمسلمين في الوقت الذي نجد فيه عدد المقيمين من اصول شرقية في الدول الغربية لا يستهان فيه ...؟؟؟ وكيف نفسر تلك النظرة السوداوية التي يحملها العديدين من الغربيين لصورة الاسلام والمسلمين ... ؟؟؟ مرد ذلك في الدرجة الاولى يعود الى المقيمين من هذه الاصول في الدول الغربية ....
من الاشكالات الحادة والجدية التي يوجهها اللاجيء للدول الاوروبية ... تأتي اشكالية الاندماج في المجتمعات الجديدة في المقدمة ... وبقدر ما تشغل هذه المعضلة من حيز ومكان لدى الدول المستضيفة ... فانها تكون الهاجس الاول للاحيء نحو تلك الدول ...لما لهذا الجانب من تأثير مباشر على مستقبل وموضوع هجرة اللاجيء في تلك الدول .... الامر الذي ينعكس وبصورة واضحة على تصرفات اللاجيء ويربكه ويجعله يتصرف الشيء ونقيضه في آن واحد .... . فتراه في الوقت ذاته في حيرة ومتاهة وغير مقتنع بتصرفاته التي تنسحب على ممارساته اليومية تبعا لذلك ... ولاثبات انه قد هيأ نفسه لموضوع الاندماج تجده منهمكا في اثبات ( اوروبيته ) وان كانت في القشور ليقنع نفسه اولا بانه بات مقبولا في مجتمعه الجديد .. وهذا ما ينعكس على وضعه لاحقا في هضم الثقافة الجديدة ... ويؤدي به الحال الى حرق مراحل عديدة لا تترسخ فيها القناعات داخله ....
مما لا شك فيه ان الموروث الاجتماعي ... وهذا الارث الهائل من العادات والتقاليد في المجتمعات الشرقية ... تكون مؤثرة وعاملا حاسما في مدى تقبل اللاجيء لعادات وتقاليد المجتمعات الغربية ... وهي بلا شك عامل ( فرملة ) يحول دون الاندماج السلس في المجتمعات الجديدة التي وفد اليها اللاجيء من اصول شرقية .... وبقدر ما لهذا العامل من اثار مباشرة على الية الاندماج ، فان هناك جانب اخر يعود للتفاوت والتباين، والفارق الموجود اساسا في المستويات الثقافية والعلمية بين الوافدين انفسهم ....
واذا كان الارث الاجتماعي من العادات والتقاليد ، هي السمة العامة التي تيقاسمها جميع اللاجئين العرب من حيث النشأة والتربية والتكوين ....فان هناك بعض التفاصيل في عاداتنا وتقاليدنا ( يأتي ذكرها هنا كمثال وليست حصرا ) .... تكون احيانا مقبولة ومفهومة في مجتمعاتنا ولكنها مرفوضة جملة وتفصيلا في المجتمعات الغربية (وان كنا غير محقين فيها وهي غير صحيحة اصلا ) ... الا انها ترافقنا دائما الى تلك الاماكن التي نقصدها وتجدها مترسخة في اذهان البعض ويعتبر ان التنازل عنها هو الغاء لهويته..... فمثلا تجد ان طريقة التعامل والتخاطب لدينا من الامور التي لا يقر بها الغرب ... لجهة الصوت المرتفع مثلا وحرمة ازعاج الاخرين . وكذلك الوقت واحترامه وتقدير اوقات الزيارات للاصدقاء ... (وان كانت في حدود معينة قد بدأت تأخذ منحى اخر في تعاطينا مع بعضنا وفي الاتجاه الايجابي ) .... الا ان وجودها اصلا يعود الى ارث اجتماعي تختزنه ثقافتنا الشرقية ... ومن هنا ممكن ان نقيس على ما هو ابعد من ذلك لنصل الى الفكرة المترسخة في اذهان الشرقيين حول الانتماء والولاء للوطن ... ونظرة الشرقي لهذا الموضوع وما يترتب على ذلك من انعكاسات خطيرة تحول بينه وبين اسهامه في بناء مجتمعه .... حيث تجد ان هناك نسبة لا يستهان بها ... تنظر مثلا الى الانتخابات البرلمانية الاوروبية من الزاوية التي ترى فيها الانتخابات والاستفتاءات التي تجري في بلدانها الاصلية ... وهو ما يؤثر سلبا على فعاليتها ونشاطها في انضوائها للاحزاب الموجودة في الغرب ، وحتى في قناعتها بالمشاركة في العملية الانتخابية هناك ، مما يساعد على تهميش صوتها وعدم قدرتها في ايصاله الى مستويات متقدمة في المؤسسات التشريعية في العالم الغربي .....
وهنا تجد ان الاكثرية من الوافدين الى الدول الغربية ومن اصول شرقية .... مشلولة عن العمل سواء على الصعيد الوطني ام على صعيد وجودها في الدولة المضيفة ... وهي تلك الفئة التي تعتمد في الاساس على الدعم الحكومي وما تؤمنه الدولة المضيفة من ضمانات للمقيمين وحاملي الجنسية فيها ... حيث تجدها مصطفة في نهاية الشهر لقبض مستحقاتها من الدولة ... وهي بذات الوقت غير معنية وبعد حصولها على الاقامة في المساهمة باي شيء تجاه المجتمعات التي اوتها وامنتها ... وتجد قسما منها يمارس كافة اشكال المحرمات في الدولة ويتاجر بالممنوعات ويعمل في السوق السوداء للتهرب من الضرائب وهي بالمناسبة الجريمة الاولى في الغرب . ... وتنظر الى الدول الاوروبية على انها البقرة الحلوب وان هذا الشكل من التعاطي هو الذكاء يحد ذاته ... فهي بذلك منزوية على ذاتها وموقفها سلبي من المجتمع الذي تعيش فيه وتجدها مبدعة في خرق القوانين والالتفاف عليها ... وذلك بسبب ان هدفها الاول والاخير هو الكسب المادي بغض النظر عن الطريقة التي يتم استحصاله فيها ...
اما الثانية والتي يتصف افرادها بالمغالاة في تزمتهم بحجة انهم قيمون على الدين ... وطبعا بعد ان يكون الشخص منهم قد عاش التناقضات الداخلية بكل تجلياتها قبل حصوله على الاقامة .... (وهي الاكثر اساءة بالمناسبة ) والتي تتناغم وترتبط بالفكر التكفيري الذي وصلت به الامور لتكفير مجتمعاته نفسها ... وهو ذات الفكر الذي دفعت دولنا وشعوبنا اكلافا باهظة من ممارسات تياراته اللامسؤولة ... والتي تم استغلالها بابشع الطرق والتبريرات للاساءة للشرق والعرب.... وهو بادراكه لهامش الحرية المتاح له في الغرب وبمجرد حصوله على الاقامة فانه يعود الى عقده القديمة بعد ان يكون قد نسفها جميعها في القترة السابقة من لجوئه ... فتجده مندفعا نحو اقامة ( الخلافة ) في بلاد ( الكفر ) كما يحلو له ان يسميها .... وتكفير اهلها والدعوى لسبيهم وهتك عرضهم ... وينصب من ذاته قائما على شرع ( الله ) في بلاد ( الفسق والمجون ) ... ولا بد ان يردهم الى صوابهم ....!!!
والفئة الثالثة تجدها تتكون ممن يحاول القطع التام والنهائي مع ماضيه ... ويكون متفاخرا بذاته في تحطيم صورة بلده ووطنه امام الاوروبيين ... وهو بذلك يلعب دورا سلبيا جدا في تعزيز فكرة الاوروبين والغرب تجاه نظرتهم للشرق ومدى تخلفه ... وتجده مبالغا في التجريح ومن اصحاب فكرة تصدير الديمقراطية على الطريقة الغربية ولو بالعصا والدمار لبلاده......ويكون سعيدا جدا عندما يتزايد العداء للشرق في الدول الغربية ..
وبكل تأكيد هناك تجمعات تفخر بانتمائها وتدفع باتجاه عكس الصورة الايجابية ... وتجدها مجهدة نفسها في تعزيز وتعميق اواصر التآخي بين مجتمعاتها الجديدة ومجتمعاتها الاصلية .... وفاعلة في اوساطها ولها سمعة طيبة ... ومنتجة وتتبنى قضاياها وتعمل على تخفيف معاناة شعوبها ....
من كل ما تقدم تجد ان تنامي النظرة المعادية ... وصعود القوى اليمينية والعنصرية في هذه المجتمعات ... تجد ما تستند اليه من واقع ما تلمسه وتعايشه ، وهذا ما يزيد في حجم المعاناة التي تواجهها المجموعة الاخيرة يفوق حجم امكانياتها وطاقاتها ... فهي بالمقابل تناضل على العديد من الجبهات وفي آن واحد .... وفي الوقت الذي تجد ان واجبها تجاه قضاياها يفرض عليها العمل الدؤوب والتواصل مع الاخر ... فانه في ذات اللحظة تواجه موقفا محرجا من جراء النظرة التي ترسخها باقي الفئات الاخرى تجاه الموضوع ذاته ....
majedqormosh@yahoo,com