الفريق عبد الجبار شنشل: قامة عالية مثل نخل العراق بقلم:هشام عودة
تاريخ النشر : 2008-11-07
الفريق عبد الجبار شنشل: قامة عالية مثل نخل العراق
هشام عودة


تكاد لا تذكر سيرة الجيش العراقي في الستين عاماً الاخيرة، الا وذكر معها عسكري ظل اسمه عبد الجبار شنشل الذي قدم نموذجاً كبيراً للعسكري المنحاز لقضايا وطنه وامته.

منذ الملك فيصل الثاني وحتى الرئيس صدام حسين، والفريق اول الركن عبد الجبار شنشل لم يغادر ثكنته العسكرية، حيث ظل "جندياً" في جيش العراق، الذي صار اسمه "جيش الامة" من خلال مشاركته في كل المعارك القومية الكبرى التي سجل فيها ابو المثنى صفحات مشرقة في تاريخه المهني والشخصي والوطني.

يعرف العقداء الاربعة الذين قادوا ثورة صار اسمها لاحقاً»ثورة رشيد عالي الكيلاني« عام 1941 ضد الاستعمار البريطاني، كما يعرف الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه في حركة »الضباط الاحرار« الذين قادوا ثورة تموز، 1958 وتم على اثرها اعلان الجمهورية، كما يعرف الرؤساء عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف واحمد حسن البكر الذين وصل ثلاثتهم الى القصر الجمهوري عبر بوابة المؤسسة العسكرية، ويعرف الرئيس الشهيد صدام حسين وعدنان خير الله وسلطان هاشم وعدد كبير من قادة الجيش العراقي الذين ابلوا بلاء حسناً في الدفاع عن راهن الامة ومستقبلها في المعارك المصيرية الكبرى، حيث ظلت قامة ابي المثنى عالية مثل نخيل العراق.

يكاد الفريق اول الركن عبد الجبار شنشل، الذي يقف اليوم على عتبة التسعين من عمره، لا يعرف لنفسه حياة خاصة، خارج اسوار المؤسسة العسكرية وثكناتها وتقاليدها الصارمة، وظل على مدى اكثر من ستين عاماً وفياً لاختياره في تحديد مسار حياته الكريمة.

في العقود الاخيرة من القرن الماضي، كان ابو المثنى حاضراً في مقدمة المشهد العسكري، خاصة عندما لبس العراق كله »الكاكي« دفاعاً عن البوابة الشرقية للوطن العربي في وجه الاطماع الفارسية، وكان حضور الفريق اول الركن عبد الجبار شنشل ورؤيته ونظرته العسكرية الثاقبة، كفيلة ببث لاطمئنان في نفوس الناس، وهم يعرفون ان ضابطاً كبيراً بمواصفات هذا الرجل يقف في مقدمة الصفوف.

تميزت علاقته بالرئيس الشهيد صدام حسين بالمحبة والتقدير المتبادل، فقد قربه الرئيس، الذي كان يعرف معدن الرجال جيداً واكرمه، وظل هذا القائد العسكري الكبير عراقياً كبيراً، وعربياً كبيراً.

اسم الفريق الاول الركن تعدت شهرته حدود العراق، وصار اسماً يحظى بالتقدير والاحترام، في الجيوش العربية التي تدرب عدد كبير من ضباطها الشجعان تحت يديه، وتخرجوا من مدرسته العسكرية وفي هذا اعتراف بقدرة الرجل ومكانته في الوجدان الشعبي والعربي.

منذ احتلال العراق يعيش ابو المثنى، الذي غالبه المرض، في عمان، بعيداً عن شوارع بغداد وبيوتها واهلها، وربما تمنى في داخله، لو عاد الزمن به ليكون على رأس المقاومة التي ادمت ظهر العدو، لكن الرجل مطمئن ان الذين يقودون مشروع المقاومة الباسلة في العراق، هم ابناؤه واحفاده وتلامذته الذين تدربوا جيداً على يديه في اعرق المؤسسات العسكرية العربية، وربما يعرف ابو المثنى اسماءهم واحداً واحداً.

الذين عجزوا عن مواجهة الرجل بفكره وصلابة موقفه وعلو قامته في ميدان المعركة، تجرأوا على جدران بيته في بغداد، لكنهم نسوا ان فتيان بغداد الذين قرأوا سيرة الفريق اول الركن جيداً، سيدافعون عن بيت قائدهم وتراثه الشخصي، مثلما يدافعون عن وجه بغداد، الذي لن يكون الا عربياً.