سامحيني يا ابنتي .... سامحينا يا رانة...بقلم : حسان نزال
تاريخ النشر : 2008-08-01
سامحيني يا ابنتي ....   سامحينا يا رانة...بقلم : حسان نزال


سامحيني يا ابنتي .... سامحينا يا رانة...بقلم : حسان نزال
**********************
(1)
منذ أسابيع لم اصطحب ابنتي (نسم) معي الى جنين ...آخر مرة كانت نهاية العام الدراسي المنصرم ...أواخر أيار ....يومها أمسكتْ عند دوار المدينة بكلتا يدي عندما رأت رجال الشرطة متأهبين هناك ...تلمّست لخوفها عذرا ...وبهدوء وحنو ...همست في أذن أحدهم أن يسلم عليها ...مداعبا ، واصطحبها الى النصب التذكاري وسط الدوار بين زملائه حيث أخذت لها صورة (( وسط العسكر )) وأعتقد أني أزلت بعض خوف يتحصن في قلوب أطفالنا كلما رأوا لباسا عسكريا ...
كان الوضع اليوم مختلف ، والعسكر غير العسكر .....وأنباء الاستعداد لمنع مسيرات حزب التحرير في ذكرى تقويض الخلافة الإسلامية تتناقلها الألسن ....، تراجع رجل أمن عن طلب بطاقاتنا الشخصية عند مدخل المدينه بعد أن لم ير في الحافلة أية ملامح لمن يبحث عنهم وأتاح لنا مواصلة السفر .....كان سوق المدينة وعلى غير العادة يغص برجال الأمن ...وكان انتشارهم يشير الى حالة استنفار واستعداد ..
لم تتعود (نسم) على ذلك في المدينة ....وهي لا تنسى أنها أخذت صورة فوتوغرافية مع رجال شرطة بالأزرق السماوي وليس بالكاكي والهراوة والكلاشنكوف ..... وكم تمنيت أن لا تورطني بأسئلتها ...لكنها مثلما تعودت لطمتني متسائلة :
ــ ما ذا يفعل هؤلاء يا أبي ...( وليش واقفين في كل محل ) ......
قلت لها كاذبا ...
ــ خشية أن يدخل اليهود الى جنين يا نسم
ــ وهل هؤلاء جيشنا ؟
ــ نعم جيشنا يا نسم ...
ــ وهل جيشنا أقوى من جيش اليهود يا أبي ؟
ــ مممممم ..نحن أقوى من اليهود يا ابنتي ..
أصدقكم القول تحاشيت النظر اليها.... وقلبت نظري بين الوجوه الجادة والعيون المنغرسة في كل زاوية علني أجد وجها أتوسم فيه تفهما أو آخر أعرفه فألقي في وجه سؤال نسم ....
لكن عيناي اصطدمتا بهراوات وبنادق مرقمة ...20 ....69 ....
********************************

ماذا أقول لنسم يا أستاذ محمد ...فقد باغتني سؤالها ...
قلت لأستاذ صديق قرب الدوار ....
ــ قل لها أن لا تسأل مرة أخرى ...وإذا لزم غيـّر الطريق ....
وبلاش من صلاة الظهر في جنين اليوم ....
لكنها ستكتشف أنني أكذب فقد ورطتني بإجابة كاذبة..وستغني لي أغنية (( مو قلتلي يا بابا أنه الكذب حرام ..وإنه الي بيكذب يا بابا الله بيزعل منه )) ...وسأضمها محاولا قضم الموضوع ودفنه في أعماقها التي لا تنسى ....
**********************
لو سألت نفسي ...من هو أحق بإحياء مناسبة أو فعالية ما ...حزب يدعو لنشر فكرة ...أم فرقة تدعو لترك التدخين من خلال الرقص على دوار مدينتنا ...؟؟!! ...أم أن المنع هنا ...والسماح هناك ...حرية رأي .....؟؟!!!!!!!
**********************
مساء أمس وبعيد صلاة المغرب كانت ثلاث دوريات تطوق مقبرة شهداء جيش العراق هنا على تخوم مدينتنا ....كانت هادئة تأخذ قارعة الطريق ...لا تضايق أحدا ...ولا تضيء حتى كشافاتها ...وكل من أنخدع بوجهتها قال : قد تكون قوات خاصة أمامها في قباطية ...
ــ لن تدخل الآن ..قلت لمحدثي ...فالثانية عشرة لم تدخل بعد ...ومنذ إعادة الانتشار تقريبا يلتزمون بالوقت المحدد ...
لم تحمل الريح المفردات ..وإذا بالآليات تزمجر وتشغل لوّاحاتها ...وتدور دورة كاملة الى الخلف باتجاه برقين ...حيث باغت مدنيون مطاردا طالبين منه إشعال سجائرهم قبل أن ينقضوا عليه مستدعين الدوريات الهادئة عند مقبرة شهدائنا ...
**********************
(2)
رانة نزال ...صوت شعري .....مقيم خارج الوطن ...قرأته مرات ..وجعلت في مفضلتي بعض قصائده ...وبحثت مرة عن نسب هذا الصوت ...علني أفاخر به وأتعصب له ..عله يكون من هنا ...من هناك ...لم أفلح .....
أمس الأول كانت رانة في رام الله توقع ديوانها الجديد ...برفقة الفنان الفلسطيني (( كما قرأت برفقة نسم قرب دوار المدينه هذا الصباح)) ...فراس نزال؟؟!!! ...فراس نزال ...وما علاقته بـ .. رانة نزال .....يا إلهي ...حكاية أسماء ستتكرر ...ثم ها (عايد عمرو) يكمل في (الحياة الجديدة ( لهذا انحاز مرتين لـ(رانة نزال ) ، مرة لكونها (دوثانية ) اللغة التي يجمعها المتسع من تلاقي وتمازج (سهل عرابة) و((سهل مثلث الشهداء)) الفاتح بحنينه على قباطية الزيتون والبرتقال والذهب الأبيض ..)
إذن أنت قبطاوية يا رانة ... قبطاوية الوجه واليد واللسان .....كم قلت لأسماء إنك ((مخولة )) وكانت تفاخر بذلك وإن في سرها .....
ــ من هي رانة نزال أخي أبو علاء ...قلت لقريب التقيته عصرا في خطبة صديق في حي البساتين في جنين ...ضحك مُنتشيا ...
ــ لا تعرفها يا حسان ؟؟!!
كل ما في جعبته من دلالات الاستنكار حمّلها لسؤاله ...هو أديب كذلك ..وكرّر لي قصته أكثر من مرة مع أبي عمار والقذافي في حفل تخريج فوج عسكري هناك في ليبيا ..وكيف استطاع أن يرسم بريشة شاعر وخلال دقيقتيه المتاحتين له وقتذاك لوحة جمعت قائد الفتح وقائد الفاتح ....وما بينها الا ألف الصمود ...كما قال ...
ــ لا تعرفها يا حسان ...هي ابنة ..أخي ....
ـــ يا الله .....كم أنت غريب يا حسان الآن ....رانة مصطفى أحمد صادق نزال ...ولا تعرفها ...... أي غربة جمعتنا معا ....وأي شتات فرقنا ...هذا هو حصاد هجرتنا ...وهذا هو حصاد رحيل أهلنا ...لكنها عائدة لتتنشق من جديد نسائم ( مهرون ) وتستظل فيء زيتونة رومية هنا وتحني كفيها بتراب قباطية الأحمر ..وتتزنر بغصن دالية يتقاطر عسلها شفافا نقيا كما نبض رانة ...المولودة هناك بعيدا في الطائف سنتان بعد احتلال مسقط راس والدها مع بقية وطنها ...والمتجذرة كشجرة الكينا التي تزين مدخل بيت أهلها وأحبتها هنا ...تلك الشجرة التي ارتاح تحتها مشيعو الشهداء مرات ومرات... في قيظنا الذي لا ينتهي ...كما ارتاح تحتها الحداؤون والسحيجة في زفة كل عريس تلقي عليه ظلها وأمومتها التي تمتد كل يوم ...
إذن هي رانة التي خـُدِعتُ بما كتبته عنها ذات يوم بعضُ صحافتنا العربية من أنها (( شاعرة أردنية مقيمة في البحرين )) هي شاعرة قبطاوية مقيمة بين حروف مفرداتها الممتدة عبر هواء البحرين الى المشرقين ...هي صاحبة (( فيما كان )) ثم ..(( مزاج أزرق )) .... وأخيرا ...(( بيت العين )) ...أما عن اسمها الأدبي ....( جيتان) فسأترك لها أن تجيب عن السؤال قريبا ..وهنا تحت فيء شجرة الكينا في قباطية ....
إذن وجب لك الاعتذار يا رانة ....وها قباطية تنشر لك ظلال زيتونها مرحبة بك .....1/8/2008