كنت أراه في طريقي بشكل شبه يومي .. كان مشيدا على الدور الأرضي ، مهلهلا في مبانيه فاتجه بنظري إليه وتنتابني أفكار معينة ؟.. وامضي في طريقي..وما تزال الأفكار تتزاحم حتى تتلاشى تاركة جذور لها في عقلي ..! لقد تزايدت حالات الإعاقة نظرا لظروف وتداعيات الانتفاضة الأولى والثانية جراء غاز وتكسير وقمع وخوف ورعب أصاب نسائنا الحوامل خاصة .. لم يعد يتحمل أو يستوعب المتطلبات والاحتياجات الملحة لضيق المكان .. وقلة التخصصات لزهد في الإمكانيات المتاحة..
لم يمض على عودتي عام .. حتى أخذت نصيبي من دورة للبطالة لمدة 3 شهور .. فاخترت سريعا قضائها في مركز المعاقين في النصيرات .. لأهداف ما برحت مخيلتي .. كانت تجول في ذهني فكرة إعادة تصميم له .. فالمكان متسع نوعا ما وضائع في مباني لا تؤدى غرضها ..
عرضت الفكرة على مدير المركز .. وأقنعته بان المقترح سيلقى دعما وستجدون جهات عدة لتبنيه ..وفعلا أخذت الموضوع على محمل الجد .. ووضعت التصميم الأولى بعد قياسات دقيقة وقمت بجلب خرائط مساحية وأخرى جوية بمقاييس رسم مناسبة وتكاملت الفكرة على الورق .. وقدمها المدير كاقتراح عاجل وهام إلى جهات عدة .. كانت تتسابق على إحياء وإنشاء ودعم مشاريع مجتمعية في كل مناطق السلطة الوطنية الناشئة حديثا .. مضت قرابة سنتين على الأقل كان قد تم قبولي في عملي الحالي بعد معاناة كبيرة حتى استنفذت طاقاتي كليا.. فالفرج جاء من الله غزيرا متلاحقا حيث وبنفس الأوقات تقريبا جاء إلى مديره مهرولا مستبشرا .. يزف خبر تبنى الفكرة والمشروع .. فرحبت سريعا لاستكمال العمل ونصحت فورا بالتنسيق مع مكتب زميل وصديق لي يحب الخير للمخيم وأهله .. بدئنا في انجاز العمل حسب المواصفات الأوربية للجهات المانحة .. فقد كان المشروع من نصيب اليابان كجهة مانحة.. حتى خرج عملا متكاملا .. وتم الإنشاء والتوسع الرأسي أخيرا فكان صرحا يفتخر به على مستوى المنطقة الوسطى كلها .. ومعلما إنسانيا وجماليا بواجهته التى أخذت شكل زهرة اللوتس لما لها من دلالات معبره .
توسعت وانتشرت خدماته كما ونوعا .. وتضاعفت الوظائف الثابتة فيه وجلهن من الأخوات العاملات والمدربات والمؤهلات .. فاستوعب أكثر من 60 معاقا على مدار اليوم .. بجميع الحالات ومثلهم يتم الإشراف عليهم في البيوت .. وقد تطور ليشمل مجالات رعاية وتأهيل لأنواع من الإعاقات المعقدة في النطق والحركة .. وتم افتتاح مدرسة للصم والبكم فيه .. ومركز إنتاج للخيزران تابع له ويعمل فيه المعاقين أنفسهم .. وآخر للتدريب والتأهيل في النجارة والحدادة .. أي انه تطور بشكل مذهل بفضل القائمين عليه حقا .. من إخوة ومدراء وعاملون.. لقد أصبح يعد من أرقى وأكبر المراكز التعليمية والتأهيلية والتدريبية والتنشيطية والإنتاجية أيضا للمعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة بكل ما تعنيه الكلمات على مستوى قطاع غزة.
مرت ثمان سنوات على هذا الانجاز الإنساني القيم والهام .. كنت بين فترة وأخرى أتتبع أخباره بالسؤال عن العاملين به والعاملات .. فيزيدني فخرا بتطور العمل فيه .
حتى جاء الخبر المحزن والمؤلم على الجميع الذي وقع على كالصاعقة ..!!! لقد تم اعتقال المركز.. نعم لقد تم الاستيلاء عليه في موجة مصادرة وإغلاق المؤسسات الأهلية والمدنية والخدمية في جنون الأيام السابقة الغير مبررة !!.. وتم وضع الجنود كحراس على بوابته وتم إغلاقه ؟؟ .. نعم لقد تم سجنه واعتقاله إلى أجل غير معلوم ؟ متى يعود العاملون ؟؟ متى يعود المعاقين ؟؟ الله وحده أعلم.
لن أتوجه بالاستغاثة إلى أي جهة كانت! ... لن أناشد أي مسئول كان !... واكتفى فقط بتذكير ذوى الأمر والحُكم والنهى في غزة ... إلى دعوات المعاقين وأهاليهم والعاملين والمستفيدين الذين حُرموا من خيره وخدماته ... فهي دعوات تزلزل الجبال في ساعة يستجيب لها الرحمن .. لو يعلمون ؟؟.
إلى اللقاء.
استغاثة معاق بقلم: م. زياد صيدم
تاريخ النشر : 2008-07-31
