تساؤل ...
هل أمست قضيتنا الفلسطينية ( بقرة حلوباً ) !!.
قد لا يفطن الكثير منا لحقيقة باتت واضحة للعيان من أن قضيتنا الوطنية الفلسطينية صار يـُنـظر إليها من قبل ( بعض ) ساستنا وولاة أمور النهي والربط كما يُـنظر تحديداً للمشروع التجاري ، متناسين هؤلاء ( البعض ) أن لا حقّ لهم في الرهان أو المتاجرة برأسمال القضية لأنه وببساطة متناهية ... يمثل عُصارة و زبدة تاريخ هذه الأمة ونضال أبنائها وآلامهم !!.
وقد لا يدرك كثير من أبناء شعبنا الطيب الصابر الصامد المرابط من أن قضيتنا الوطنية قد باتت أشبه ما تكون بنظر هؤلاء ( التجار والمضاربين والمراهنين !!) بالبقرة الحلوب التي تدر لهم دون سواهم لبناً وقشطة برغم جوع وفاقة وعوز وآلام ودموع أبناء هذا الشعب!!.
قد ينبري لي أخ كريم فاضل فيعترض على طرحي هذا ويستنكره جملة وتفصيلاً ... ولكنني أرد عليه بثقة عالية وبضمير واع وأحاججه بالقول والمنطق والحساب أيضاً فأقول ... وما تفسيرك أيها الأخ الكريم الفاضل إذن لما جرى لقضيتنا طوال أكثر من عقد من السنين ومنذ اتفاقية أوسلو المشؤومة تحديداً!؟ ، وما وصفك أيها الأخ الكريم لما أصابها على يدي عدونا من تسويف ومماطلة وخداع وتضليل!؟، ثم أي وصف أكثر واقعية ( رغم قسوته !!) ينطبق على ما جرى لقضيتنا الوطنية غير وصف ( بقرة حلوب !!) من منظار ومنطلق تعامل وممارسات هؤلاء ( البعض ) على أرض الواقع!!؟.
وما دمنا بصدد حديث التجارة والمضاربة ... فما أحرى بنا لو أجرينا عملية موازنة حسابية بسيطة لما جرى للقضية طيلة ذاك العقد أو ما يزيد لمعرفة وتحديد الخاسر من الرابح ، فدونما ريب بإننا سنجد أن ( الخاسر الأكبر ) في هذه الموازنة الحسابية سيتمثل بأبناء الشعب الفلسطيني المرابط والذبيح على الدوام والذي ما تحسنت ظروف معيشته خلالها ، وإزاء ذلك أيضاً ... فمن الطبيعي أن نعرف أن ( الرابح الأكبر ) لما جرى ويجري إنما سيتمثل بالعدو وذلك من خلال ما نراه من اتساع مستعمراته الاستيطانية في أرجاء الضفة وعمليات التهويد المستمرة في مدينة القدس الشريف يضاف لذلك كله ما يمارسه من اجتياح شبه يومي لمدن الضفة وأمام أنظار رجال الأمن الفلسطينيين هناك ورغم أنوفهم ... وبعد كل ذلك سينبري أمامي من يحمل وجهة نظر مغايرة مخالفة لي فيقول ... أنت خاطئ يا أخي ... فالقضية بألف خير وأنها تجري ضمن مساراتها الطبيعية!!.
حين وصفت قضيتنا بأنها أمست كالمشروع التجاري في نظر البعض من ساستنا وأصحاب القرار ، فإنني تالله ِ( بكسر الهاء ) ما أنكرت لهم فترة نضالهم ( السابقة !!) ، كما ولا تجنيت عليهم بما قلته ... غير أنهم بممارساتهم وعنادهم وإصرارهم وتمسكهم بنهجهم الذي ساروا عليه وأصروا وكابروا فيه فإنهم قد اعتبروا قضيتهم وكأنها ( بقرة حلوب ) ومنذ اتفاقيات أوسلو ، وبذا ففي موازنة حسابية بسيطة أيضاً سنجد إنهم ما فتئوا هم والعدو ( على حد سواء !!) يمارسون حلباً منظماً للقضية كل على طريقته الخاصة ... فـ ( حـَـلـْب ) رجال أوسلو تمثل بعدة خطوات وممارسات جاءت كبادرة حسن نية والتزام حميمي بها فإنصبت تحديداً في تتويج وترجمة بنود وتفاهمات اتفاقية أوسلو وما تلاها من تفاهمات جرت في مؤتمر انابوليس على أرض الواقع كتحجيم عمل المقاومة وزج رجالها في المعتقلات الفلسطينية بحجة مقاومة التطرف والإرهاب ومناهضة وعرقلة العملية السلمية ، غلق جمعيات خيرية إنسانية بحجة تجفيف منابع التطرف ، فكان مكافأة تلك المواقف والممارسات استمرار وصول المساعدات الغربية للسلطة ( شرط ) ديمومة مسلسل المفاوضات العبثية معهم وعلى أساس ( أضغاث أحلام ) نثرها بوش الصغير والتي اعتبروها في حينه خياراً استراتيجياً لإقامة الدولة الفلسطينية المزعومة ، هذا كما يجب أن لا ننسى بأن نضيف عليها مؤخراً إثر أحداث غزة اشتراطات أمريكا والدول الغربية الأخرى بعدم التلاقي والتحاور والجلوس مع حركة حماس مما تسبب ذلك في تأخر الحوار الوطني رغم وجود الرغبة الصادقة للقاء ولم الشمل من قواعد وكوادر طرفي الخلاف !!... وأما ( حـَـلـْب ) العدو لضرع القضية الفلسطينية فقد تمثل بترسيخ أقدامهم في مدن ضفتنا الغربية ، تقطيع أوصالها بكتل من حواجز خرسانية قضمت مساحات من الأرض لا يُستـَهان بها لصالح العدو وأطماعه ، توسيع رقعتهم الجغرافية والسكانية من المستوطنات الصهيونية يضاف لذلك تهويد مستمر و بوتائر متصاعدة وسريعة لمدينة القدس الشريف هذا ولا يفوتنا ذكر ما بدء بطرحه مؤخراً من فكرة مشروع تبادل أرض بأرض ... وكتحصيل حاصل لعمليات ( الحلب ) المستمرة ، ومما ذكر آنفاً ، فإن ( رأسمال ) القضية المتمثل بالثوابت الوطنية وسقف مطالب السلطة بات يندثر وبشكل واضح للعيان ويؤكل تدريجياً بفضل هذه الممارسات والسياسة قصيرة النظر للسلطة !!.
أن أخطر ما في الموضوع هو تشبث ( مفاوضنا الفلسطيني ) بخيار التفاوض مع الطرف الصهيوني دون أن يضع في حساباته ( كما يفعل عادة مستشارو رئيس فريق التفاوض في العالم المتمدن والمتحضر ) أكثر من خيار بديل استراتيجي أو تكتيكي له ليستعمله كورقة ضغط يُلَوّحُ بها أمام خصمه عند الحاجة كي يجبر خصمه على التنازل والتقهقر والتراجع عن بعض مواقفه المتشددة ... فكان ( وكتحصيل حاصل لعدم وجود الخيار البديل والبصيرة النافذة ) أن ساهم هذا التشبث بهذا الخيار الأوحد باندثار تدريجي لرأسمال القضية الفلسطينية وذلك من خلال عناد وحنكة وتسويف العدو وتدليسه وفرضه لسياسة التنازل القسري التدريجي لسقف مطالب المفاوض الفلسطيني!!.
وإذا قبلنا جدلاً بوجهة النظر التي اعتبرت ضمناً أن القضية الفلسطينية باتت مشروعاً تجارياً بالنسبة لرجال أوسلو!!... أليس من المنطقي بالتاجر الشاطر والفطن وصاحب البصيرة النافذة أن يمسك بسجل حسابات منظم ليدون فيه إيراداته ومصروفاته كي يستخرج أرصدته بين الحين والآخر ليعرف ما حققه من أرباح !؟، ثُم ... وإن سلمنا جدلاً بأن تاجرنا ( الشاطر !!) قد أمسك فعلاً سجلاً حسابياً دَوّنَ فيه الإيراد والمصروف حسب الأصول المتبع ... أما ظهر لديه من خلال أرصدته تلك أن خسارة فادحة قد لحقته لاسيما وان المشروع التجاري يعتبر فاشلاً تماماً إن لم يحقق إيراداً جيداً خلال أشهر معدودة من بدء تنفيذه فما بالكم وأنه بدء به منذ أكثر من عقد من السنين!؟، ثم ... وإن كانت نتائج تدقيق حساباته تشير إلى خسارة ما قد لحقته في مرحلة ما ... أليس من الطبيعي والحالة هذه أن يحدد حجم خسارته وأن يبحث في أسباب تراجع مشروعه التجاري كي يتمكن من تصحيح هفوات وزلات له كانت سبباً في تراجع ذاك المشروع!!؟، هذا بالتحديد ما يفعله التاجر الشاطر ، فهل بربكم ان مفاوضنا الفلسطيني ( شاطراً ) في إدارته لمشروعه التجاري ذاك ... ( أم ماذا )!!؟، سأجيبكم على ضوء المعطيات والنتائج إنه ... ( أم ماذا )!!.
لقد خسرنا الكثير حين انتقلنا من حالة الاستنفار والمقاومة إلى حالة التفاوض ( غير المجدية والمحسوبة ) والترقب والانتظار ... حيث جلسنا نحن أبناءَ القضية وأصحابَ المصلحة الحقيقية وأيدينا على خدودنا نترقب وننتظر بشغف ما ستؤول إليه مرحلة مفاوضات السلطة مع العدو ، كما ورحنا أيضاً ننتظر بشغف وعلقنا الآمال طوالاً إلى ما ستنعكس النتائج والمعطيات عن حالة التهدئة مع العدو في غزة ، ولكن الحقيقة تقول بأن انتظارنا هنا وهناك إنما يعتبر مرحلة من مراحل العبث السياسي غير المجدي والقاتل للقضية رغم أن حركة حماس قد حققت بعض المكاسب حين أبعدت وبشكل وقتي اجتياحات العدو لكنها في الوقت ذاته قد أخطأت في حساباتها حين لم تدخل الضفة في اتفاقية التهدئة !!، وحين أقول أننا قد انتقلنا من خانة الجهاد والمقاومة إلى خانة التفاوض والعبث السياسي فإنني لم أتجن على طرف بعينه ولم أقل ذاك بطراً أو انتقاصاً من الحقيقة أو تشويهاً لها ... حيث كانت النتيجة أن انقلب شعبنا من حالة الاستنفار والقتال إلى حالة من التراخي والانتظار لأمل زرع في عقولهم فصدقه البعض وتعلق في قشته كالغريق، فلا في غزة شاهدنا المعابر وقد فتحت أبوابها على مصاريعها لينفذ ما نص عليه اتفاق التهدئة مع العدو إلا من فتات وكماليات ما نستخدمه هناك ، كما وما عدنا نرى حالة الاستنفار والاستعداد الشعبي في مدن الضفة والتي كنا عليها أيام الانتفاضتين أو بعد انطلاق شرارة ثورة العاصفة من فتح عام 1965 والتي التفت الجماهير الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وفي الشتات حولها كما وأحست جماهيرنا العربية على امتداد وطننا العربي ببدء مرحلة جديدة وانتقالة نوعية من مراحل الصراع العربي الصهيوني!!.
وأتساءل اليوم في الشأن الفتحاوي من منطلق اعتبارها كبرى الفصائل وأقدمها وصاحبة التاريخ والأمجاد... أين موقع فتح العاصفة اليوم في خارطة الصراع العربي الصهيوني وأين عطاء أبنائها وكوادرها هذه الأيام قياساً بفترة ما قبل أوسلو !!؟، أقولها للأسف الشديد والألم يعتصر فؤادي ... فتح اليوم ليست كفتح ( العاصفة ) أمس حتى لتكاد أن يطوي النسيان تلك المشاهد الرائعة التي رسمتها حركة فتح يوم كانت ( عاصفة ) مدوية فتصبح مجرد أحداث وعبر وقصص بطولة وتضحية وإباء وفداء واستشهاد بفعل عبثية نهج المفاوضات من جانب وتحجيم طاقات كوادرها من جانب آخر!!، وإزاء ذلك كله وما نشهده اليوم من تمزق وتشتت وتناحر ... أعود لأتساءل بصراحة تامة وليغضب من يغضب لقولة الحق من جديد ... هل غُيـّبـَت إرادة الشعب الفلسطيني إزاء ما نراه اليوم وما يجري في ساحته ومشهده وعلى أرضه !؟، أين دوره وأين حراكه وأين تفاعله وأين إرادته التي كانت لا تلين!؟، ما لي أراه وقد تلبسه الوجوم إزاء ما يجري له ولقضيته !؟، ولم ( فتح ) وهي كبرى فصائل المقاومة وصاحبة الشرارة الأولى والتاريخ النضالي المشرف ما عادت ( فتحاً ) التي عرفنا عطاءها وخبرنا نضالها وعنفوان رجالها والتي هزت مشاعرنا وأرعبت العدو وهزت فرائصه لحين ما قبل انطلاق قطار أوسلو!!.
واستبق من سينبري لي ليرد عليّ قائلاً والمرارة تملأ فمه وفمي ... بأن فتحاً التي عرفناها وعشقنا نهجها واستبسال رجالها قد غُيبت بعد اتفاق أوسلو وعُطـِّلَت طاقاتها حين سرقت من بين أيدينا وجمدت أوصالها وذابت في سلطة راحت تبحث عن وهم إقامة دولة فلسطينية ضمن رؤى أمريكية وقياسات صهيونية ، غير أنني أعود ثانية والأمل يملأ صدري لأرد فأقول ... بأنني لا أخشى على فتح ... فهي صاحبة تجربة نضالية وإرث تاريخي بطولي حافل كما وأن جذورها تمتد في أعماق هذا الشعب المكافح ، ولذا فلابد وأن يكون هناك من بين رجالها وشبابها وكوادرها من يأبى سكينتها ويرفض خطفها ويأنف تحجيم دورها!!، وسيأتي اليوم الذي أسمع أصوات هؤلاء الرافضين لسياسة نهج المفاوضات تلك ليعيدوا فتح العاصفة إلى سكة مسارها الطبيعي من جديد !!؟.
أنا مدرك تماماً كما يدرك الكثير من أبناء شعبنا الأبي والمرابط بأن تاريخ فتح وأمجادها قد استغل من قبل بعض رجال السلطة في مآربهم الشخصية بعد أن أوقعوها في فخ كبير يعرف باتفاق أوسلو ، فانغمس هؤلاء ( البعض ) بتأسيس سلطة فلسطينية انحرفت عن أهدافها الوطنية حين راحت تسعى من أجل حماية "إسرائيل " حسب اتفاق أوسلو، كما وأدرك تماماً أن القضية الفلسطينية برمتها قد تم اختزالها لتصبح ممثلة بحركتين اثنتين هما فتح وحماس ... فما أن دخل الصراع بين هاتين الحركتين حتى أصاب شعب فلسطين الشلل والجمود!!.
تلك حقيقة علينا أن ندركها ونعترف بها قبل فوات الأوان!!، فيا تجار مشروع القضية ويا من يرون القضية كأنها بقرة حلوب ... أعيدوا حساباتكم لتدركوا وتتداركوا أخطاءكم وخسارتكم ... قبل فوات الأوان!!، فالعدو لا يرحم ... والزمن كالسيف إن لم تقطعه قطعك ومزقك ... وأجيالنا القادمة لن ترحمكم حتى وإن كنتم ساعتها في قبوركم!!!.
سماك برهان الدين العبوشي
عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب
[email protected]
تساؤل ...هل أمست قضيتنا الفلسطينية ( بقرة حلوباً ) !!! بقلم:سماك برهان الدين العبوشي
تاريخ النشر : 2008-07-30
