لست منسلخا عن الواقع ..لذلك ..أنا متشائم ..بقلم : حسان نزال
تاريخ النشر : 2008-07-29
لست منسلخا عن الواقع ..لذلك ..أنا متشائم ..بقلم : حسان نزال


لست منسلخا عن الواقع ..لذلك ..أنا متشائم ..بقلم : حسان نزال
*****************************************


لست صاحب رؤية تشاؤمية ، لكنني لست مُنسلخا ًعن الواقع ، لذلك ...وفي المدى المنظور ..أنا متشائم .. لأن الواقع يشي بذلك ، يوما بعد يوم يَضمُر البعد الوطني لنضال شعبنا وينحرف مسار حركتنا التحررية عما وُضع لها من أهداف ...تغيرت الأولويات وتبدلت بنود الأجندات ...ويمكن أن يتبدل ترتيبها بين عشية وضحاها .....حسب الأهواء والمصالح والميول .....
يسألني صديق صدوق ...لم هذا الواقع ..اقتتال داخلي على خلفيات سياسية واجتماعية وفصائلية ..وأحيانا بلا خلفيات واضحة بل لغرض في نفس يعقوب ..وتنفيذا لأجندات أخرى ...
لم نكن على هذا الحال حتى في ظل الاحتلال ...يقول الصديق ....؟؟!! فلماذا .....
لم يعد هناك اعتبار لا لوحدة الدم والمصير ...ولا لحُمرة الدم الفلسطيني ولا لـ( من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ))...ولا لدم الشهداء ولا أنـّات الجرحى ولا تأوّهات المعتقلين ....كما يقول المثل ..(الطايح رايح) ....

أعتقد أنه لم يكن لنا ما نقتتل عليه ولا ما نتسابق لتحصيله في ظل الاحتلال....هيئات عملنا الوطني كانت خارج الوطن ..ونحن نحبو اليها سرا ونرضى بأقل قليلها ....لأنها ليست غاية بل وسيلة لغاية كبرى ..تحرير الوطن ...كان الاحتلال يعين رؤساء البلديات تعيينا مثلا ..لذلك لا قتال على رئاسة بلدية ...كان الاحتلال يسمح لزيد ويمنع عبيد ...لذلك لا تحميل مسؤولية لأحد ...
أما وقد وقعنا في فخ السلطة ..ارتشفنا بعض رضابها ...ونفخنا منها جيوبنا وابتنينا عمارات وقفزنا الى مناصب ورُفعنا الى مدراء ومسؤولين ...فقد أصبح لنا ما يستحق أن نقتتل من أجله ...دفاعا عن مكتسبات منحتنا اياها السلطة ، ومراكز لم نحصلها بجهدنا ولا اكتبسناها بكدّنا......
على هذه الأرضية يفهم اقتتال (الفئات ) الاجتماعية ...أو الطوائف ...علنا نستطيع إسقاط معنى الآية (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما ...فإن بغت إحداهما على الأخرى ....)) هنا لب المشكلة ...من الذي يقررــ بنزاهة وموضوعيةــ تلك الطائفة التي تبغي ...الكل ضحية وهو المعتدى عليه وصاحب الحق عندما يتعلق الأمر بهذه الآية ..لذلك على الجميع ــ حسب رأيه ــ (مقاتلة الفئة التي تبغي )
ثم من يقرر أيـُنا أحق بهذا المكسب أو تلك الدرجة أو ذاك المنصب ....أليس باب الاجتهاد مفتوح للجميع .بلا ..إذن كل يغني على ليلاه ..كل يدعي حب ليلى ويدعي وصلا بها ...وهي ليس يعنيها الوصال وفي معظم الأحيان ...لا يلقى احد بالا لليلى بل ...لثوبها الجميل ...وحدائقها الغناء وثمار بساتينها الخضراء ...وكما قلنا ( الطايح رايح )
ذات مرة (والأمر يعود لحوالي عشرين عاما ) كشف صحفي فلسطيني مقدسي قيام مدعين باستدراج زوجات أو أمهات أو أخوات شهداء ومعتقلين الى مخازن للمواد الغذائية في القدس بقصد إعطائهن مساعدات مخصصة لهن كعوائل شهداء وأسرى ...وهناك تعرضت كثير منهن لاعتداءات وقحه ..كتمت بعضهن خوفا ..وكشفت أخريات شجاعة ..وتبين أن (( المغاوير)) كانوا يتصيدون ضحاياهم صبيحة الجمعة ...حيث الحركة ضعيفة والناس في استراحة واستعداد لصلاة الجمعة ......كشف الأمر وفضح المغاوير على صفحات الجرائد ونشرت صور ..و...و ....فرّ الأوغاد ...
لم يعد الأمر كذلك ......ولم يسد القصاص العادل بعد ...كثيرون سرقوا أموال الشهداء والبيوت المهدمة ...وكثيرون استجلبوا أعطيات لشعبهم استقرت في جيوبهم ...وكثيرون اعتلوا مناصب لا يستحقونها ...لذلك وجب عليهم القتال ..حفاظا على مكاسبهم المادية والمعنوية ....ووجب عليهم السعي لقنص المزيد من الفرص.......
من يـُتح له الإطلاع على شركات وأسهم وامتيازات كثير ممن يقفون على الشاشات مزمجرين والزبد يتطاير عن جوانب أشداقهم يعي لم يقاتل هؤلاء ..وتنتابه حالة من الحسرة على الضحايا الذين تستغل عواطفهم وقد يبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم....ينجرون لراتب ..أو.. عصبية تنظيمية أو... قبلية ...يرفعون سيوفهم في وجوه إخوة وأهل فيكون جزاؤهم (القاتل والمقتول في النار )
حدثني مهندس صديق قال …كنت مشاركا في مشروع توأمة بين مدينتنا وعروس البحر (حيفا ) أيام ربيع أوسلو ….دفعتني العواطف الجياشة والانتماء الوطني الصادق …معتبرا أن في الأمر منفعة لمدينتي ونافذة لي ولأهلها على (مدينتي الأخرى )كذلك ..المشروع ممولٌ من جهة أجنبية ….ولم يخطر ببالنا أن نطالب براتب شهري ..ذلك أننا كنا بحمد الله نعمل في مكاتبنا الخاصة ….، استمر المشروع طويلا تبادلنا الزيارات ونفذت عندنا مشاريع هامة …وانفض عقد الشراكة مع بداية الانتفاضة ….ولما قـُصف مبنى مهم في جنين ودمر بطائرات أف 16 …تطايرت الأوراق والسجلات وانتـُشل كثير منها من بين الأنقاض …ليقول بعضها إن الممول كان يدفع (لمهندسي المشروع ) المشرفين عليه خمسة آلاف دولار شهريا …تقبض ويوقع واحد من (المغاوير) على سند القبض بدلا من مستحقيها…ويدسُّها في (حسابه )…..أما الموظف الصغير الذي كان عليه تمرير الأمر وحفظ السجلات ( وتنقيحها ) فقد اعترف بأنه تقاضى خمسة آلاف دولار من مجموع الأشهر التي مُرِّرت …مقابل صمته …..باع دنياه وآخرته بدنيا غيره وبخمسة آلاف دولار …والمغوار …مساهم فعال في شركات …(وطنية )فاعلة ...وواحد من (بناة ) المشروع الوطني الفلسطيني....
الأمر لا ينطبق على لون دون آخر أو جهة بعينها ...لا ..فبريق السلطة خادع ...ومن حرم منها دهرا أراد أن يعوِّض حرمانه بـِعصر ...ومن تسنمها دون وجه حق …خشي أن تبلغ العدالة غايتها سريعا فاستعجل النهب ….أما الضحايا ..فهم فعلا ضحايا ..أمرهم عند الله فيما يخص علاقتهم بربهم وفيما يخص مآلهم هناك …أما في الدنيا …فالواجب يحتم أن يعي الإنسان قيمته ..وأن يعي أنه ليس ملك أهوائه فقط …هو مسؤول عن نفسه ومآلها لذلك أن تنتحر فأنت تقتل نفسا …وأن تحافظ على جسدك وروحك فأنت تحيي نفسا كذلك ..ولسنا ننسى قيمة من يحيى نفسا ومآل من يقتلها …
*****************************

كل حر شريف يتفق على أن الأيادي التي أزهقت الأرواح أخيرا في غزة هي أياد خارجة عن كل عرف ..وطني كان أم ديني ….سواء أكانت حمساوية أو فتحاوية أو احتلالية أم مغرر بها ,,,,,ألخ ..هي تخرج من كل ذلك ولا يشرف أي مرجعية وطنية أو دينية تبني نهجها أو مباركته أو حتى تجاوزه وعدم استنكاره ، وكشفها وتعريتها واجب الجميع …ومن يتستر أو يتهرب مشارك بطريقة أو بأخرى ، ومن يظلم دون وجه حق أو يوجه تهم بلا أدلة هو موقد لنار الفتنه متخبط لا يعي ما يفعل ….