بسم الله الرحمن الرحيم
(( أبو علي إياد ))...... ( عندما يبكي الرجال )
منذر ارشيد
مثل هذه الأيام تعود الذاكرة الى الأيام الخوالي وشكراً لصاحب الفضل الدكتور ناصر جربوع ابو محمد على ما أعطانا من إنتباه وأقسم أني لم ما تذكرت الا بعد ان ذكرني بارك الله به
وكيف لي أن أتذكر والضربات تتلاحق فوق رؤوسنا في الوطن
"فتنة وراء فتنة" والعدو يهدم البيوت فوق رؤوس الأبطال ونحن نتلهى ببعضنا "...
تفجير....ترويع ...توزيع ...تشنيع ....تخوين ...تمزيق
أرى أخي وقائدي ورفيقي أبو علي لو كان موجوداً لبكى "رغم أني لم أره بكى في أي موقف إلا من صرخة قال فيها آآآآآآآآآآآآآآآخ وهو يتألم ألماً لم يطقه رغم رجولته وقوة بأسه وشجاعته التي عبر عنها كما روى أخي عزمي النجار يوم أن أصيب برصاصات في قدمه المصابة وهو يقف شامخا أمام ذهول الشباب المتدربين الحاضرين وهو يقول بكل بساطة
( بسيطة أجت الطوبة في المعطوبه ) وكلها كم يوم وبتشفى
مسحة زور يا شباب عودوا الى تدريبكم بلاش مياصة
ولكني وأشهد الله على هذا فقد قال وبصوت عالٍ ومتألماً آآآآآآآآآآآآآآآآخ
وأقسم أني ما شعرت بفاجعة لحظية كما شعرت وانا اسمع القائد الحر المر القوي وهو يصرخ قائلاً..........( آآآآآآآآآآآآآآخ )
اليكم الحكاية ............................
كنا في اليوم الثاني من معركة الأحراش وكان ابو علي يتنقل بصعوبة في الوديان وسفوح الجبال امام قصف مدفعي طال كل شيء .....حرائق وإنفجارات في كل مكان ....قلعة الربض وهي قلعة تاريخية تُطل على كل المنطقة وهي كما في الروايات كانت قلعة حصينة للصليبين إحتلها صلاح الدين وطردهم منها ليكمل نحو فلسطين
من سقف على ظهر القلعة ويحمل منظار لا بد له ان يرانا حتى لو كل فترى حين نسير في بقعة خالية من الشجر وما اكثر تلك البقع " فكان القصف يشتد ويشتد حتى أننا بتنا رهناء للقدر فقط
كنا نتساعد في مساعدة القائد الهمام حبيب الجميع وتاج رؤوسنا واي واحد كان على استعداد ان يفديه بروحه مئة مرة "على الأقل هذا كان شعوري "
وصلت قذيفة الى ربوعنا فاخذنا الأرض منبطحين تناشرت سنسلة او جدار من الجارة الكبيرة بعد أن وصلتها قذيفة مباشرة " وتناثرت الصخور والحجارة في اطراف المكان " أصيب بعضنا اصابات متعدده "وبعد ان هدأ الوضع صرخ ابو علي وقال قوما يا شباب بسرعة وخلينا نسرع لنتوارى عن الأنظار في الوادي القريب
إقتربت منه ولم أعرفه الا من صوته وانا أقول وينك عمي أبو علي "كانت وجهه معفراً مكسواً بطبقة من البياض وكأن قوة الأنفجارت حولت الصخور والحجارة الى طحين أو شيد " كان الجميع يتفقد كل واحد نفسه
هل أنا سليم ..!! لم أُصب رغم ان كل شيء كان ينهمر على الجميع " بفضلالله لم أكن قد أصبت "
قلت : أبو علي "قال نعم يا غضيب
أمسكت يده لمساعدته للنهوض نهض وأذا بقدمه كانت عالقة بين أحجار كبيرة " قال : إسحبني بقوة " فسحبته فانهال حجر كبير على قدمه ففعص إصبعه الكبير (كان يلبس صندل) فصرخ تلك الصرخة ...آآآآآآآآآآخ
نظرت اليه وأنا أحتضنه وهي اول مرة في حياتي أحتضن شخص وأشعر اني احتضن فلسطين "نظر الي وكانه يعتذر عن صرخته ولكن دمعة طفت من عينه خدعته فقلت أنا أيضاً آآآآآآآآآآآخ ودموعي قد غلبتني
قال: إرفعني يا بنيي وبلاش مصخرة
رفعته فوقف وقال ...أسرعوا يا أخوان اسرعوا قبل ان يعود القصف
توجهنا نحو وادي وقد أصاب منا العطش مقتلاً لم أشهده في حياتي
قال أبو علي : من يعرف مكان فيه بئر ماء
فقال أحد الأخوة يجب ان نصل الى اعلى وهناك طريق يجب ان نقطعها حتى نصل الى مفرق الوهادنة هناك بئر ماء
صرخ رجل من اعلى تلة وقال ...وين رايحيين يا جماعة الجيش كاشفكم
قال ابو علي أسالوه هل معه ماء
فاجاب معي نعم ...معي سعن(أي قربة ) مطرة " فقال له احد الخوة إنزل واعطينا إياها نحن عطشى ...
فقال : يطلع احدكم وياخذها ولكن يدفع لي مئة دينار
بعد جدال وافقنا
صعدت اليه وأخذت قربة الماء منه دون ان أدفع له فلساً .....!!!
نزلت وناولت أبو علي القربة ففتحها وعبأ غطائها وهو بحجم كشتبانان أو نصف فنجان سادة صغير " وبدأ بتوزيع الماء بالتساوي على الجميع (خمسة عشر مقاتلاً) وشرب آخرهم .....للصدفة وكانه كان يقدر كمية الماء حتى انه عندما شرب لم يبقى فيها نقطة ماء
نظرت اليه وقلبي يتمزق ومددت يدي إليه ...فدُهش وقال شو يا غضيب إنت ما شربت ...قلت .........لا
قال يخرب شرك ما أهبلك طلعت الجبل وانزلت وما شربت ...!!!
سرنا وأصبحت بعد أن كنت مساعداً لأبو علي في تعكزه على كتفي " اصبحت شبه معاقاً لا اقوى على السير " فأرسل الله دابة سارحة والرب راعيها تجر حبلها الذي على ما يبدوا انها قطعته من شدة فزعها جراء صوت الأنفجارات الضخمة
فأركبوني على ظهرها وأنا في حالة يُرثى لها " وصلنا الى مفترق طرق وجلسنا في ظلال شجرة خروب تحمل قرونا كثيرة بيضاء اللون "وبدون ان أفكر تناولت قرنا ووضعته في فمي وحاولت إمتصاصه وإذا به يجعل ريقي كا لغراء فالتصق لساني بحلقي وبدات اشعر بالأحتضار بعد أنقطاع النفس حيث ُ أغلق مجرى التنفس تماماً
صرخ أبو علي بالأخوان ولكم أخوكم بيموت اخلقوا الماء ولكم إبحثوا
أقسم بالله العظيم ياإخوان ومن لا يصدق فهو حر ..........لم يجدوا في البئر نقطة ماء وقد تم تجفيفه عن عمد " كما قيل مؤخراً
وإذا بدابة تمر يقودها فلاح من أبناء المنطقة وعليها جالوني ماء مليئين
فأحضروا لي الماء وبدأوا بتنقيطع في فمي حتى إستعدت وعيي
سرنا في طريقنا والقصف قد توقف . وتوجهنا نحو وادي بين بلدة تسمى فارة
(اليوم اسمها الهاشمية ) والوهادنة " وسلكنا الى طرق ملتوية توصلنا الى الأغوار
حتى وصلنا الى المغارة المشؤومة
وكما ذكرت لكم في مقال سابق كان السيناريوا الأليم والدامي الذي قضى خلاله ألشهيد البطل ابو علي إياد رحمه الله
كان بطلاً صنديداً محباً لأخوانه متفانياً مخلصاً رجلاً شجاعاً يشهد له كل من عرفه وسمع عنه ...وأعود لقول يا ليتني قضيت معه على ان اشهد ما يحدث هذه الأيام
خاصة في غزة هاشم بلد البطولة والقادة والشهداء
وما يحدث في دنيا الوطن كيف يتم تحقير النضال وهذا الأستخفاف من قبل أشخاص
لا يعون حجم ما يقترفون بحق أخوة لهم كانوا وما زالوا على استعداد على ان يضحوا بأرواحهم من أجلهم لو جمعهم الله في موقف يحتاج الى التضحية
وأقول لهم سامحكم الله
ولكن الحمد ل لله أولا وأخيراً وهو صاحب الحياة والموت .............ولا اعتراض على قدره
منذرارشيد
أبو علي إياد ، عندما يبكي الرجال بقلم:منذر ارشيد
تاريخ النشر : 2008-07-29
