"لبنان بيتنا" خطوة أخرى إلى الخلف بقلم :دريد نوايا
تاريخ النشر : 2008-07-28
أحمد العريان في عجلة من أمره، بالرغم من أن أحداً لا ينافسه على "رؤاه"، ابتداءً من "الحلم العربي" وانتهاءً في "لبنان بيتنا"، مروراً بـ"الضمير العربي". فالتهافت على أشده في الفضائيات الناطقة بالعربية، والموجّهة للناطقين بلغة الضاد، ليس على الأعمال الفنية ذات الطابع الوطني، على الإطلاق، ولا حاجة لشرح المنحى الذي تأخذه، لأنه معروف للقاصي والداني.
وعلى الرغم من أن أحمد العريان مشكور على هذا التوجه في عصر الانحطاط العربي الذي لم يشهد العالم العربي له مثيلاً، ربما بسبب وسائل الانتشار السريع الذي حققته تكنولوجيا الاتصال البصري السمعي، لكنني أعتقد بأنه يتسرّع في إنجاز أعماله، على حساب جودة عناصرها الرئيسية.
فـ"الحلم العربي" كان أفضلها، ثم جاء "الضمير العربي" متراجعاً فنياً، وبدا التراجع صارخاً في "لبنان بيتنا".
لقد فقدت الكلمة سحر تأثيرها، وإيقاع وقعها، وغنائيتها، وبدا العمل الأخير على شكل "جوقة" اجتمعت صدفة في بيت أحدهم، وارتجلت "شوية كلام"، بصحبة آلات موسيقية لم تتقن التدريب على العمل، ليبدو العمل من أوله لآخره ارتجالاً غير موفق، ومديحاً ممجوجاً، يستحيل على ذواقة أن يتابعه حتى النهاية.
وإذا استطاع السيد العريان أن يغطي على الكثير من عيوب "الضمير العربي" باستخدامه الأرشيف الوثائقي، العنصر الأول في جذب المُشاهد، مع بعض الكلمات الأقل ابتذالاً، إذا أهملنا بعض المقاطع القليلة المرفوضة، والتي تدل على ضعف ثقافة كاتب الكلمات، كائناً من كان، لم يستطع في "لبنان بيتنا" ذلك بسبب اختيار لقطات لرموز عرفها الشعب العربي بخيانتها، وتوجهها، ومشروعها المكشوف، وقيَّمها بما تستحق، وأصبح مجرد ظهورها على الشاشة مثيراً لقرفه، خاصة حين (تتساوى)، في العمل الفني طبعاً، مع رموز وطنية قدمت الدم دفاعاً عن الوطن وكرامته، وسجلت انتصارات، حاولت رموز أخرى (يتضمنها العمل)، باستماتة أن تحيل هذه الانصارات إلى هزائم، خوفاً على مشاعر الكيان اليهودي الذي مرَّغت المقاومة أنفه بالوحل، وكسرت ثوابته، وحوَّلت لاءاته إلى إذعان وخنوع وانكسار، بالرغم من اعتراف العدو بهزائمه.
هذا العمل، أيها العزيز أحمد العريان، لن يعيش سوى أيام، فأنا على سبيل المثال، لم أستطع حفظ أي كلمة منه للأسباب التي ذكرتها، على الرغم من أنني شاهدته مرتين: الأولى للاطلاع، والثانية ارفع التعب. بينما أمتلئ بالمشاعر الجياشة حين أستمع إلى "وطني حبيبي الوطن الأكبر" و"صوت الجماهير" مثلاً، حتى بعد مرور نصف قرن من الزمن عليها، وهي لمجموعة من فناني الصف الأول في تلك الفترة، وعمالقتهم.
أعلم أنك تتكلف على تلك الأعمال، وأقول إنك بنفس الكلفة، وربما بكلفة أقل، تستطيع أن تقدم أعمالاً أفضل بكثير، حين تختار الكلمة المؤثرة، وتبتعد عن إبراز صور شخصيات أثارت الحروب الطائفية ومازالت، وسلَّحت الميليشيات مستغلة فقر الفقراء وحاجتهم، بعد أن نهبت البلد، وجعلت نصف شعبه تحت خط الفقر، وهجَّرت من هجّرت، ومازالت تحاول مساعدة الكيان اليهودي في القضاء على المقاومة، ونزع سلاحها، في لبنان، كما في فلسطين، وغير فلسطين!!!
إذا كان طموحك أن يُبَث العمل من محطاتهم، بسبب المشاهد التي تبرز زعماءهم بصورة مغايرة لواقعهم، عندئذ تكون قد أخطأت الهدف من العمل. وأود أن أختم بالقول: "العمل الجيد يأخذ طريقه إلى جماهيره دون المرور من بوابات المتسلطين على رقاب الناس، وبائعي الوطن، ومثيري الفرقة بين أبنائه".
27 تموز (يوليو) 2008 المهندس دريد نوايا
www.duraidnawaya.com [email protected]