ما تشهده حركة فتح من ازمة داخلية، والتي جاءت نتيجة تراكمات سلبية على مدار مسيرتها النضالية، وفساد رافق مسيرتها الثورية، فان هذه الازمة اليوم تهدد وجودها، وتهدد مستقبل العمل الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فتاريخ الحركة الحافل بالنضالات والتضحيات التي قدمتها على مدار ما يزيد على اربعة عقود، ووصول رموزها الى المواقع القيادية لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وسيطرتها على كافة الاتحادات والمؤسسات الشعبية والجماهيرية التي تمثل كافة فئات الشعب الفلسطيني، حيث طرحت نفسها كحركة تحرر فلسطينية تهدف الى تحرير الارض والانسان الفلسطيني وتضمن عودة الشعب الفلسطيني الى ارضه التي طرد منها بقوة السلاح عام 1948، فاكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة وامتدت بين اوساط الشعب الفلسطيني.
الازمة التي تشهدها الحركة اليوم، والتي تتعمق يوما بعد يوم، والناتجه عن خلافات داخلية متعددة ومتنوعة، تتصارع بداخلها تيارات مختلفة لكل منها حسابات خاصة، ناتجه بالاساس عن الفساد المالي الذي رافق الحركة منذ فترة السبعينات، حيث لم تقم الحركة بمعالجة هذه الظاهرة ومحاسبة الفاسدين، الذين وصلوا الى مواقع قيادية تتحكم بالقرارت التي تصدر عنها، الفراغ الذي نشأ بعد فقدان الحركة للعديد من قادتها المؤسسين، والتحولات الكبيرة بسياسة الحركة بكيفية التعاطي والتعامل مع الاحتلال الصهيوني، فهذه الاسباب الذاتية وغيرها، لم تلغي ايضا الدور التخريبي للكيان الصهيوني، الذي استغل سلبيات رافقت الحركة بمسيرتها ليمارس دورا لتعميق ازمتها وتوسيع حدة التناقضات الداخلية بها ساعيا من اجل تصفيتها، فالكيان يدرك اهمية ودور فتح النضالي ودورها الريادي في الصراع، وموقعها القيادي بمنظمة التحرير الفلسطينية وتحكمها بالقرارات الفلسطينية وبالمؤسسات التمثيلية والشرعية، وان تراجع اداء الحركة وشلها هو شل لمنظمة التحرير الفلسطينية على طريق تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
فما حصل بقطاع غزة بتاريخ 14/06/2007 ، وتعيين سلام فياض رئيس وزراء لحكومة طواريء، حيث تركت حركة فتح خارج مواقع ومراكز القرار مستثنيا رئيس السلطة الفلسطينية، الذي ستنتهي ولايته بداية العام القادم، فهذا ما يغضب العديد من قيادات فتح، من خلال استبدالها بحكومة تكنوقراط، والتي تشكل بديل لدورها القيادي، مما صعد الازمة الداخلية بالحركة، حيث تؤكد كل المؤشرات صعوبة اجراء تعديل او تبديل لحكومة سلام فياض، بما يسمح لحركة فتح باعادة دورها القيادي بالسلطة، ناهيك عن اقتراب الفترة الزمنية لنهاية ولاية رئيس السلطة الفلسطينية، حيث تتواصل الجهود الفتحاوية مع قلق فلسطيني عام لتتمكن من تجاوز الحركة لازمتها الداخلية التي تعصف بها وتهدد مسيرتها ومستقبلها وخطها السياسي، وبرنامجها النضالي، ومشروعها الوطني الذي انطلقت على اساسه ، وما زالت الخلافات بين ابناء الحركة ظاهرة على السطح، ورغم كافة المحاولات والحوارات الداخلية التي تشهدها من اجل تجاوز ازمتها الداخلية، وتجنيب الحركة كافة السلبيات التي تنخر بجسمها، تؤكد كل الاخبار حتى اللحظة على صعوبة التوافق الداخلي بين العديد من القيادات الفتحاوية على مستوى الهيئات القيادية، لتتمكن من عقد مؤتمرها الوطني السادس الذي بالتاكيد سيعيد للحركة حيويتها وديناميكيتها، ورغم الضغوط التي تمارس على الهيئات القيادية من اجل عقد المؤتمر السادس للحركة لتجاوز هذه الازمة الا ان كل المؤشرات تؤكد صعوبة تحقيق هذا المطلب حتى اللحظة.
الواضح للمراقب والمتتبع للتطورات على الساحة الفلسطينية، يلمس بكل وضوح تعطيل دور فتح القيادي، على طريق الغائه كليا، من خلال تعطيل مؤسساتها، فعدم التوصل الى اتفاق فلسطيني فلسطيني لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، يعود السبب الرئيسي به الى حجم الخلافات الداخلية بحركة فتح، حيث تسيطر الحركة تقريبا على ما يزيد على 99% من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وهي تشكل اغلبية كاسحة بالمجلس الوطني، فبدون توافق فتحاوي اولا لا يمكن ان يكون هناك توافق فلسطيني اساسا لتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، فالازمة التي تمر بها حركة فتح تعكس سلبيات على كامل الاداء الفلسطيني الشامل وتهدد الانجازات الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، كذلك عكست ازمة حركة فتح نفسها على الفصائل الفلسطينية الاخرى، وبالاخص اليسار الفلسطيني الذي رافق فتح تقريبا منذ انطلاقتها وشاركها المسيرة، وعاش معها الانتصارات والاخفاقات الفلسطينية، فهو غير قادر اليوم على ان يشكل دفعة الى الامام تساهم بمساعدة حركة فتح لتجاوز محنتها وازمتها، غير قادر حتى اللحظة على تجميع قواه ليشكل سندا وحاميا للحقوق الوطنية الفلسطينية، رغم محاولاته الرامية الى تشكيل جبهة اليسار.
الكيان الصهيوني هو الوحيد المستفيد من هذه الحالة التي تمر بها الحركة، وان اضعافها هو اضعاف للنضال الفلسطيني، وتعطيل دورها هو خطوة على طريق تصفيتها وانهائها، فالمطلوب من الحركة وقيادتها وكوادرها وقاعدتها ادراك حجم المخاطر التي تمر بها الحركة في حال عدم ايجاد حلول للازمة التي تمر بها، فتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية يعتمد بالاساس على دور فتح وقدرتها على تجاوز ازمتها الداخلية، وفي حال عدم تمكن الحركة من انجاز ذلك فسيعكس سلبيات كاملة على كافة الاداء الرسمي لمنظمة التحرير التي شكلت بمرحلة من المراحل رافعة للنضال الوطني الفلسطيني والكيانية الفلسطينية التي جمعت كافة فئات وتجمعات شعبنا الفلسطيني ضمن اطارها، كذلك على القوى الفلسطينية الاخرى تقع مسؤولية مساعدة فتح لاخراجها من مازقها وازمتها التي تمر بها، فالكيان الصهيوني يسعى جاهدا على تثبيت شرعيتين فلسطينتين على قطاع غزة والضفة الغربية يستثني منهما حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ، وهذا ما يضع امام كافة القوى الفلسطينية علامات استفهام حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني الذي تم تمثيله من خلال منظمة التحرير الفلسطينية.
جادالله صفا
البرازيل
27/07/2008
انهيار فتح.... انهيار للمشروع الوطني الفلسطيني؟ بقلم:جادالله صفا
تاريخ النشر : 2008-07-27
