الأديب إبراهيم خليل إبراهيم ... كاتب الوطن
-1-
مدخل:
عرف العالم العربي تغيرات مست كل البنى المجتمعية ، الشيء الذي أدى إلى اندثار قيم وسلوكيات ، أو تطورها أو تقلصها، وظهور أخرى جديدة. فتغيرت مجموعة من المفاهيم من جملتها المواطنة والوطنية والانتماء. واكبها انفتاح ثقافي متعدد الآليات والوسائل، جعل المفاهيم السابقة تغلفها شعارات غيرت رؤى الفرد.
وشبابنا بما أنه في سن قابلة للاحتواء، والتأثير الفكري، والإيديولوجي، حيث تتأثر مواطنته، وانتماؤه ووطنيته، فهو في حاجة إلى قدوة، وإلى نماذج وطنية يتخذها نهجا ومنهجا، ومثلا يحتدى.
والكاتب والأديب والباحث المصرى .. العربى يعي هذه المسألة، ويدرك خطورتها. لذا هو يؤمن بالنموذج الوطني، وإحياء الرموز التاريخية، لأنه يعتبرها الوسيلة التي تحصن الشباب ضد أي مشوش على وطنيتهم، وانتمائهم.
وأمام هذه التغييرات التي مست العالم، انتشر نوع من القلق في عالمنا العربي، خوفا من انهيار القيم، وتغير السلوكيات، واعوجاج في الاتجاهات والمواقف.
والأستاذ إبراهيم خليل إبراهيم يعرف أن بلده مصر عرف بدوره تغييرات مست لحمته الاجتماعية. مما أثر على تركيبته الاجتماعية. فأدى ذلك إلى الاستعانة بوسائل كثيرة لحماية قيمها، ومواطنة مواطنيها، وجعلهم يتوافقون مع التطلعات الوطنية.
<< والمفهوم الحديث للمواطنة يعتمد على الإنفاق الجماعي القائم على أساس التفاهم من أجل تحقيق ضمان الحقوق الفردية ، والجماعية. كما أن المواطنة في الأساس شعور وجداني بالارتباط بالأرض وبأفراد المجتمع الآخرين الساكنين على الأرض. وهي لا تتناقض مع الإسلام لأن المواطنة عبارة عن رابطة بين أفراد يعيشون في زمان ومكان معين، أي جغرافية محددة، والعلاقة الدينية تعزز المواطنة>>( ذ. الصاقوط محمد، المواطنة والوطنية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2007، ص: 8).
ويؤكد الأستاذ محمد الصاقوط ، أن الوطن في اللغة – كما جاء في لسان العرب- يعني المنزل الذي يقيم فيه الإنسان. وانه في الاصطلاح يعني: قطعة الأرض التي تعمرها الأمة.
و<< الوطنية تأتي
بمعنى حب الوطن patriotisme في إشارة واضحة إلى مشاعر الحب ، والارتباط بالوطن، وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية.
أما المواطنة citizenship ، فهي صفة المواطن، والتي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية، ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية.
وتتميز المواطنة بنوع من ولاء المواطن لوطنه وخدمته في أوقات السلم والحرب. والتعاون مع المواطنين الآخرين عن طريق العمل المؤسساتي والفردي الرسمي ، والتطوعي في تحقيق الأهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من اجلها الجهود ، وترسم الخطط ، وتوضع الموازنات>>( المرجع نفسه، ص: 14).
ماذا تعني المواطنة؟:
المواطنة انتماء إلى أمة أو وطن ما. كما يعتبرها علماء الاجتماع نوعا من العلاقات الاجتماعية القائمة بين الفرد والدولة. وهذه العلاقة تتطلب الولاء، والحماية والذود، والدفاع. كما ستوجب عنها الواجب والحق، اللذان ينظمهما القانون.
ويعتبرها بعض النفسانيين:<<شعورا بالانتماء والولاء للوطن، وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الاساسية، وحماية الذات من الاخطار المصيرية>>(هلال، ( فتحي)، و آخرون، تنمية المواطنة لدى طلبة المرحلة الثانوية بدولة الكويت، الكويت، مركز البحوث التربوية والمناهج بوزارة التربية، 2000).
وكحصيلة أساسية يعتبرا لأستاذ محمد الصاقوط المواطنة:<< عضوية كاملة ، تنشأ من علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب، والدفاع عن البلد. وبما تمنحه من حقوق كحق التصويت، وحق تولي المناصب العامة في الدولة>>( محمد الصاقوط، المرجع السابق، ص: 15).
وهذه النظرة الحديثة لمفهوم المواطنة يتشابه مع المنظور الإسلامي لهذا المصطلح، حيث يؤكد سالم علي القحطاني ( التربية الوطنية ، مفهومها، أهدافها، تدريسها، مكتب التربية العربي لدول الخليج، رسالة الخليج العربي، ع66، 1998)على :<< ان مفهوم المواطنة من المنظور الإسلامي هي مجموعة العلاقات ن والروابط واللات التي تنشأ بين دار الإسلام وكل من يقطن هذه الدار، سواء أكانوا مسلمين أم ذميين، أم مستأمنين>>.
ويرى الأستاذ رضوان أبو الفتوح في كتابه( التربية الوطنية: طبيعتها ، فلسفتها، أهدافها، برامجها، المؤتمر الثقافي العربي الرابع، القاهرة، جامعة الدول العربية، 1960) ان المواطنة والشعور بها لها أربعة مستويات، هي كالتالي:
1- شعور المواطن بالروابط المشتركة بينه وبين مواطنيه.
2- التمسك بالماضي والحاضر، والإيمان بالمستقبل، والاعتزاز بذلك.
3- الشعور بالانتماء للوطن، والإحساس به.
4- الاندماج في الشعور العام الوطني.
وإذا ما حاولنا المقارنة بين المواطنة والوطنية، نجد أن الوطنية شعور إنساني ، يعبر عن الحب للوطن، والإخلاص له، والتفاني في خدمته، والاعتزاز به، وبتاريخه، وماضيه، وحاضره.
إنها نوع من التوحد مع الأمة، ونوع من التقديس للوطن. وهي – كما يقول الأستاذ الصاقوط- الإطار الفكري النظري للمواطنة، أي ان الوطنية فكر وشعور، وأحاسيس نبيلة، والمواطنة ممارسة عملية، وعمل حقيقي من اجل الوطن، وممارسة للحقوق والواجبات.
ويرى كثير من الباحثين في مجال التربية الوطنية أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أول من وضع المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة المسؤولة، كما تنص على ذلك صحيفة المدينة المنورة، التي تعرض مبادئ مهمة لفكرة المواطنة في 47 بندا.
والمواطنة الحقة ، يغذيها التعاطف بين الأفراد، يحصنها الوازع الديني ، والأخلاقي.
وكخلاصة يمكن القول بأن :<< مفهوم الوطنية وممارسة المواطنة، يعكس التزاما أخلاقيا تجاه المكان الذي يسكنه الإنسان بدءا بالحب وانتهاء بتجسيد متطلباته فكرا بالولاء والشعور بالانتماء، وعملا بالعطاء المتبادل البناء بين الوطن ومسؤوليه ومن يسكن فيه>>( محمد الصاقوط، المرجع السابق، ص: 22).
- يتبع-
محمد دانى
كاتب وناقد
المغرب
كاتب الوطن ( 1 ) بقلم الكاتب : محمد دانى
تاريخ النشر : 2008-07-27