بسم الله الرحمن الرحيم
الحذر الحذر يا عرب الداخل
بقلم: أ ناظم عمر
إسرائيل دولة الإرهاب الأولى بامتياز. قامت على الإرهاب، ولا تزدهر ولا تستمر إلا بالإرهاب. لم تتوان هذه الدولة عن ممارسة كل أشكال الإرهاب في سبيل تحقيق أهدافها ومصالحها، فقد قتلت الفلسطينيين الأبرياء العزل عام 1948م، وأبادت قرى كاملة وأزالتها عن الوجود, وهجرت من هجرت من أطفال وشيوخ ونساء ومرضى في سبيل تفريغ الأرض من أصحابها من أجل الاستيلاء عليها. وواصلت قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتكسير عظامهم على مرأى ومسمع العالم أجمع على مدار الصراع الدائر بينها وبين العرب.
لم يتوقف الإرهاب الصهيوني عند قتل وتشريد الفلسطينيين والعرب فحسب، بل طال اليهود أنفسهم عندما قامت أجهزة الاستخبارات الصهيونية بممارسة هوايتها ولعبتها الإرهابية ضدهم، فقد قامت هذه الأجهزة بعمليات إرهابية مختلفة ضد اليهود في أنحاء مختلفة من العالم من أجل دفعهم للهجرة إلى فلسطين حينما يصبح العالم غير آمن لهم بسبب هذه العمليات، فقد قامت تلك الأجهزة الإرهابية بتفجير دور العبادة اليهودية، وملاحقة اليهود وقتلهم لكي يشعروا بعدم الأمان وبالتالي يندفعوا للهجرة إلى فلسطين.
هذه الصورة النمطية لدولة الاحتلال الصهيوني القائمة على الإرهاب تدفع باتجاه الاعتقاد، بل الجزم بأن هذا الكيان لا يضع حدوداً لممارسة الأرهاب، ويجعل الغاية تبرر الوسيلة في سلوكه وتصرفاته في كل زمان ومكان.
ما يدفع إلى هذا الحديث هو عملية الجرافة التي حصلت في مدينة القدس، هذه العملية المشكوك في أمرها من حيث الرواية الرسمية الإسرائيلية المحبوكة بشكل سئ، ومن حيث توقيتها ومكان حدوثها، ومن حيث نتائجها وتداعياتها وردود الفعل عليها.
التشكيك هذا لا يطال بالطبع منفذها. من المعروف مقدرة المخابرات الإسرائيلية على استغلال الظروف السيئة لبعض الناس من أجل توريطهم في أعمال مختلفة وهم لا يعلمون أنهم موجهون أو مراقبون من قبل تلك الأجهزة. فقد تكون تلك الأجهزة قدمت التسهيلات بشكل غير مباشر، وهيأت الظروف بطريقة أو بأخرى من حيث لا يدري منفذ العملية ودفعته إلى هذا الموقف. وبالتالي فإن منفذ العملية ربما يكون قد قام بها بدوافع وطنية أو شخصية بريئة بعيداً عن الحسابات السياسية المعقدة.
وقد تكون العملية من أساسها لم تحصل بنية التخريب والقتل، حيث من الممكن جداً أن يكون هذا الشاب قد قاد تلك الجرافة بسرعة، أو أنه دُفع لذلك لسبب أو لآخر، وقام رعاع المستوطنين بإطلاق النار عليه مما أدى إلى اصطدامه بحافلات أخرى وحدث ما حدث. ما يدفع لهذا الاعتقاد هو ضعف الرواية الإسرائيلية الرسمية من حيث سرعة إنهاء العملية وقتل المنفذ، ومن حيث المعلومات التي تقول إن المنفذ صاحب سجل جنائي، وصاحب السجل الجنائي لا يقوم بأعمل كهذه. أيضاً عدم تبني أي فصيل أو جهة فلسطينية هذا العمل سوى ما يسمى بكتائب أحرار الجليل التي ما زالت غير معروفة ولا يمكن الحديث عنها بالإيجاب أو السلب دون توفر معلومات كافية عنها. ولم يتبناها حزب الله في لبنان أو فصائل المقاومة الفلسطينية أو غيرها.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذه المرحلة هو: ما الذي يدفع المخابرات الإسرائيلية للتخطيط لمثل هذا العمل؟ ما هي المصلحة المتوخاة من ذلك؟ وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها من هذا العمل؟
جاء توقيت العملية الزماني والمكاني وكأنه يوجه رسالة إلى المرشح الأمريكي عن الحزب الديمقراطي (باراك أوباما) مفادها أن العرب رعاع إرهابيون قتلة، يقومون بأعمال قتل بشعة، لا يستحقون أي نظرة تعاطف أو تفهم لهم. لا يمكن قراءة المشهد بطريقة تختلف عن هذه القراءة في ظل التوقيت الزماني لهذه العملية التي جاءت قبيل قدوم هذا الزائر الكبير إلى فلسطين، وأمام الفندق الذي سينزل به. لا بد أن الحدث سينزل كالصاعقة على هذا الزائر الذي ربما سيكون اللاعب الرئيس والمقرر لطبيعة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. المشهد بالطبع سيؤثر على (أوباما)، وربما يدفعة إلى إعادة حساباته تجاه المنطقة.
ربما يذهب المخطِط الصهيون لأبعد من هذا الهدف. فأسرائيل بعد أن عزلت الضفة الغربية وقطاع غزة عنها، وبعد أن وضعتهما في قفص لا يكاد يختلف كثيراً عن بقية الأقفاص الأخرى إلا في سعة مساحته الذي من الممكن أن يسجل في كتاب جنس لأكبر قفص في العالم، وفي ظل توجهاتها العنصرية والفاشية التي تهدف إلى نقاء هذا الكيان وخلوه من العرب ربما تكون عينها الآن على العرب المتواجدين في الأراضي المحتلة عام1948م. إسرائيل لا تفرق بين عربي وآخر، الكل عندها أعداء. وهي لا تريدهم في نسيجها الاجتماعي والسياسي، وهي تشعر تجاههم كمن يضع الأفعى في جيبه. لكنها لا تستطيع تبرير معاملتهم مثل معاملتها لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا تستطيع تبرير عزلهم وسلخهم عن نسيجها الاجتماعي والسياسي إلا بوجود موجبات ومبررات مقنعة تستطيع من خلالها إقناع الشارع الإسرائيلي المعتدل والمحب للعرب وللسلام، وإقناع العالم أيضاً. مثل هذه العمليات توفر الجو المناسب داخلياً وخارجياً لتبرير أي أعمال عنصرية ضد العرب في فلسطين المحتلة عام 1948م.
من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة المزيد من العمليات التي تهدف إلى تشويه العرب في فلسطين المحتلة عام 1948م، وزجهم في أعمال عنف مختلفة من أجل تبرير إجراءات عزلهم وسلخهم عن المجتمع الإسرائيلي. لهذا السبب أقول إنه على العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948م، وعلى كافة القوى المحبة للسلام داخل إسرائيل، والمناهضة للعنصرية الصهيونية أن تنتبه إلى أهداف العنصريين والمتطرفين الذين يريدون جر المنطقة إلى مزيد من العنف والكراهية. لا بد من إفشال هذه المحاولات في مهدها، ولا بد من فضحها وفضح من ورائها، وإلا ستكون نتائجها وخيمة ومدمرة.
الحذر الحذر يا عرب الداخل بقلم: أ ناظم عمر
تاريخ النشر : 2008-07-26