تسخير الهيآت الدوليّة لتحقيق غايات سياسيّة بقلم:محّمد علي القايدي
تاريخ النشر : 2008-07-22
نزل خبر إصدار مذكّرة توقيف في حقّ عمر البشير من طرف المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة " لويس مورينو أوكامبو " بتهمة الإبادة الجماعيّة وارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة في السودان وبالتحديد في مقاطعة " دارفور " نزول الصّاعقة على رؤوس كلّ العرب حكّاما ومحكومين . لأنّ الهدف من هذا القرار اللئيم سياسي بالدّرجة الأولى يندرج ضمن خطّة القصد منها مزيد من الإذلال والتحقير لحكّامنا وتاريخنا فحضارتنا ورموزنا كلّها مستهدفة . وكذلك لضرب عصفورين بحجر واحد إن لم يكن أكثر بإشغال كلّ المهتمّين بالشأن العربي عامة والشأن العراقي واللبناني خاصة , بصرف نظرهم عمّا يطبخ على الساحة العراقيّة من تحضير لإبرام اتّفاقيّة أمنيّة طويلة المدى بين حكومة المالكي اللاشرعيّة والإدارة الأمريكية التي قامت باحتلال وتدمير العراق , وهي في حقيقة الأمر تشهد مخاضا عسيرا لكثرة الأصوات المعارضة والمندّدة بهذه الاتّفاقيّة سواء من داخل العراق أو من خارجها , لأنّها تمنح الأمريكان تواجدا دائما قد يمتدّ لأكثر من مئة سنة وسلطة مطلقة على مقدّرات وخيرات هذا البلد , وللتشويش على عمليّة " الرضوان " تيمّنا بروح الشهيد البطل عماد مغنيّة , التي تعدّ اكبر انتصار تحقّقه المقاومة اللبنانيّة الباسلة بفضل حكمة قيادتها الرّشيدة وعلى رأسها حجّة الإسلام والمسلمين السيّد الجليل الفاضل الأخ " حسن نصر الله أعزّه الله وأيّده بنصره المبين على أعداءه من الخونة والظّالمين ,نعم الدّوائر الغربيّة وعلى رأسها العدوّ الصهيوني أرادت إفساد فرحة الانتصار وعرس عودة المحرّرين وذلك بتعطيل أكبر عمليّة تبادل نوعيّة للأسرى تتمّ بين المقاومة وإسرائيل يتقدّمهم عميد الأسرى العرب " سمير القنطار" وجثامين أكثر من مائتي مقاوم لبناني وعربي من جنسيات مختلفة سطّروا بدمائهم أروع البطولات مقابل جثّتي جنديين إسرائيليين ولتغطية إخفاقاتهم هاهم أوعزوا للسيّد " أوكامبو "بإصدار هذه المذكّرة وإلهائنا بمشكلة " دارفور". التي لم تبرز على السّاحة الدوليّة إلاّ في الخمس سنوات الأخيرة نتيجة التدخّلات السّافرة والمغرضة لقوى خارجيّة وعلى رأسها أمريكا وبريطانيّا وفرنسا التي خلقت وشجّعت فصائل التمرّد لزعزعة الأمن والاستقرار وشقّ عصا الطّاعة ضدّ الحكومة المركزيّة بغية فصل هذا الإقليم الغنيّ بالثّروات الطبيعيّة الواعدة وخاصة البترول والغاز واليورانيوم أي تفتيت السّودان إلى ثلاث دول على الأقلّ وهذا يدخل ضمن استراتيجيا وضعها الغرب المتصهين لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسّم من الدّول العربيّة التي تمثّل ثقلا سياسيّا واقتصاديّا .وقد وقع تحويل وجهة نظر الرأي العام العالمي وإشغاله بما يحدث في" دارفور" وتهويله إلى أبعد الحدود , مع ضرب طوق إعلامي على ما يحدث من جرائم وفضاعات تقترف في حقّ الأبرياء في كلّ من أفغانستان والعراق والصومال وغزّة والضفّة الغربيّة ومن توسيع للمستوطنات وجدار عازل لازال يلتهم آلاف الدونمات وعشرات القرى الفلسطينيّة أي ما يصلنا من أخبار وما يتسرّب من فضاعات وقتل وتدمير وتعذيب و إهانة وإذلال للذات البشريّة كما حدث ويحدث في سجن " أبو غريب " ومعتقل " غوانتانامو " سيّئي الصيت هو قليل من كثير لا يعلم خفاياه إلاّ الله . حدث كلّ هذا على مرأى ومسمع العالم كلّه ولا أضنّ أنّه لم يبلغ مسامع السيّد " أوكامبوا " ربّما لكونه يعيش في عالم غير عالمنا أو في كوكب غير كوكبنا عندما اقترفت هذه الجرائم التي يندى لها جبين البشريّة جمعاء . فصوت هذا الرجل ارتفع عاليا مدوّيا في قضيّة " دارفور " . ولا ندري من أين له بالأدلّة والقرائن والحجج التي بنا عليها إدّعاءه الذي يفيد بأنّ " عمر البشير" أدام الله عزّه , ارتكب أو أوعز بارتكاب جرائم إبادة ضدّ سكّان " دارفور". أمّا قتل مليون ونصف مليون عراقي وتشريد قرابة الخمس ملايين وإزهاق أرواح عشرات الآلاف من الصوماليين وحصار مليون ونصف غزّاوي وسياسة القتل البطيء والتجويع فهي لا ترقي إلى مستوى جرائم الحرب والإبادة الجماعيّة لأنّ مرتكبيها " كبار " لاتطالهم يد القانون ولا يفكر أحد في إدانتهم والتشهير بهم وبجرائمهم التي فاقت جرائم النازيّة . فكلّنا مع وجود محكمة الجنايات الدوليّة لكنّ بشرط أن تكون عادلة وغير مسيّسة لا تأتمر بأوامر الكبار وأعني الدّول المتغوّلة ولا تسمح بتدخّل أيّ كان في عملها وتحقيقاتها التي يجب أن تتـّسم بالنّزاهة والحياديّة , شعارها لا حصانة لأحد وخاصة "كبار الأسماك " و تتمتّع بصلاحيات وآليات تنفيذ لاتحمي أيّ كان من المسائلة . فالسيّد المدعي قد ضيّع على نفسه فرصة ذهبيّة لو تجرّأ أمام فضائيات العالم ووكالات الأنباء الدوليّة وندّد بما فعله " بوش الابن " و"توني يلير " و" أولمرت و"باراك " و"شارون"و "إيّاد علاّوي " و "ونور المالكي "والجعفري ورئيس أثيوبيا و" فلادمير بوتن " في العراق والأراضي المحتلة وخاصة القطاع والصومال والشيشان وأصدر مذكّرات اعتقال أي توقيف في حقّهم جميعا باعتبارهم من أكبر مجرمي هذا العصر , لصفّق له العالم بأسره ولاهتزّ جميع المضطهدين والشعوب المظلومة فرحا وسرورا وسعادة ولنزل هذا الخبر على قلوب الملايين بردا وسلاما ولكتب اسمه بحروف من الذهب ولوشّح ووسّم أعلى وشاح ووسّم أعلى وسام شرف يفوق في نظر العامة جائزة نوبل للسّلام وستكتمل سعادتنا عندما نرى " بوش الابن" مقيّدا بالسلاسل ومعه تابعه" توني" وهما في قفص الاتّهام أمام قضاة نزهاء لا همّ لهم سوى إقرار العدل بين الشّعوب وإحقاق الحقّ بين الناس مهما كان دينهم أو عرقهم أو جنسهم أو مكانتهم في هذا الكون المضطرب نتيجة ظلم الكبار للصغار . لكنّ واخسارتاه السّيّد " لويس مورينو أكمبو " قد أخطأ الهدف , لأنّه لا يمكنه أن ينظر للأشياء إلاّ بعيون أمريكيّة غربيّة متصهينة . فبالنسبة إليه العدالة لا تطبّق إلاّ على الصغار فقط دون سواهم . وهذا عيبه الكبير والمميت الذي لا يؤهّله حتّى لشغل منصب حاجب هذه المحكمة ولذا غروبه عن الساحة أفضل من بقائه كلعبة يوظّفها الكبار متى شاءوا خدمة لمآرب آنيّة . ولمواجهة تعنّت وصلف وظلم الكبار فلا خيار لنا سوى " المقاومة " بكلّ أشكالها كلّ حسب موقعه وقدراته . والمسؤوليّة الكبرى للإعداد النفسي والمادي , للجماهير تقع دائما على عاتق المثقّفين الوطنيين والمخلصين الصادقين , لا العملاء المتأمركين والخونة المتآمرين ضدّ أوطانهم . فأمّة أنجبت من رحمها رجالا صدقوا ماعاهدوا الله عليه , كالأمير عبد القادر الجزائري وجمال عبد الناصر وصدّام حسين وهوّاري بومدين وعماد مغنيّة والسيّد عبّاس الموسوي وراغب حرب والرنتيسي والشيخ أحمد ياسين تغمّدهم الله جميعا برحمته وأسكنهم فراديس جنانه وكذلك أحمد بن بلّة والسيّد حسب نصر الله وعمر البشير ومعمّر القذّافي و سمير القنطار , أمدّ الله في أعمارهم حتّى يواصلوا مسيرة النّضال الشاقة والطويلة لن تهزم رغم ماحلّ بها من ويلات . نعم أمّة أنجبت هؤلاء الرجال لن تموت أبدا ولن تستكين.لأنّ زمن الهزائم قد ولّى وأدبر وحلّ محلّه زمن الانتصارات رغم تقاعس وتآمر أولياء أمورنا .

الأستاذ : محمّد علي القايدي .
باجة في : 22جويلية 2008 .
تونس .