قد يغضب البعض مما سيقرأ ولكنني ... أبتغي وحدة أمتي !!!.
اتابع عن كثب ذلك السجال المرير والجدال الطويل الذي يجري على شاشة دنيا الوطن الغراء بخصوص سيد المقاومة الإسلامية في لبنان وما تحقق على يديه من إنجاز رائع وتاريخي تمثل بصمود رائع لثلاث وثلاثين يوماً أمام عدو متغطرس توهم وأوهمنا أنفسنا ردحاً من الزمن أنه لا يقهر ، فكانت من نتائج تلك المنازلة التاريخية والصمود الرائع بطلان ذلك الإدعاء والوهم الذي عاشه عدونا وعشناه معه مما أسفر عن رضوخه وقبوله بإطلاق سراح أسرى ووصول جثامين مئات من شهدائنا الأبرار سقطوا دفاعاً عن القضية والوطن المقدس ... كل ذلك الإنجاز التاريخي قد تم في وقت علا فيه صوت بعضنا لمهادنة العدو والانبطاح أمامه!!.
أخذ عنيف ورد أكثر عنفاً وبغضاً على شاشة دنيا الوطن ... طرح مؤيد يقابله تفنيد معارض ... هجوم كلامي وهجوم مضاد، كنت خلالها قد آثرت الانتظار كي ينجلي غبار المعركة الكلامية ... ولكن الانتظار طال والسجال احتدم وازداد عدد المقالات ... فتوضحت الصورة أمامي وأدركت حقيقة واحدة أن ( معظم ) من شارك في هذا السجال كان على حق بوجهة نظره التي طرحها وتمسك بها رغم اختلافاتها ، وقد يستغرب البعض مما أقول ولهم الحق في ذلك!!، وكي أوضح لكم كيف أن ( معظمكم ) كان على حق ( ولم أقل الجميع لأن هناك نفر قليل جداً من قلبه وهواه ليسا على القضية ولا يتمنى لها حلاً أو نهاية سعيدة !!) فسأسرد على مسامعكم أولاً حادثة تاريخية كانت قد جرت أيام الدولة العباسية على ما أذكر ، منوهاً في الوقت ذاته أنني حين تعمدت ذكر هذه الحادثة فإنني لم اقصد بها التنكيل بوجهة نظر أحد الطرفين إطلاقاً أو الانتقاص منها ، إنما كان غرضي من ذلك أخذ العبرة والدرس والعظة فلا يكون سبباً في تشويه المشهد العام الذي قد يؤدي حتماً إلى إضعاف الأمة من خلال تشتيت ( بعض ) طاقاتها ودفعها للخروج ( رغم أنفها ) من معادلة الصراع مع العدو الحقيقي للأمة!!.
وملخص تلك الحكاية تقول بأن أحد خلفاء الدولة العباسية أراد أن يطمئن على أحوال رعيته في إحدى أمصار دولته المترامية الأطراف آنذاك والممتدة حتى حدود الصين شرقاً ( وليتها ... ليتها تعود !!)، فقرر أن يرسل مبعوثين اثنين إلى هناك وفي آن واحد على ألا يعرفا أنهما أرسلا لنفس الغاية، وبعد شهر كامل من زيارة هذين المبعوثين لتلك الولاية الاسلامية العربية عادا إلى بغداد ليجتمع الخليفة بهما على انفراد وبحضور كبار مستشاريه... فأذن الحاجب بدخول المبعوث الأول إلى مجلس الخليفة وبعد السلام والتحية طلب منه الخليفة أن يروي ما رأى هناك فأجابه قائلاً أنها ولاية فسق ولهو وعبث والخمارات قد ملأت أزقتها وشبابها في عبث ومجون ولا فائدة ترتجى منهم ... وحالما أنهى المبعوث حديثه وسُمح له بالانصراف حتى التفت الخليفة إلى مستشاريه قائلاً ( صدق الرجل ورب الكعبة ) ، ثم نودي بالمبعوث الثاني فدخل والقى بالتحية والسلام واتخذ مقعداً له بين الحضور ... وبادره الخليفة بالسؤال عما رآه وشاهده في تلك الولاية ... فأجابه قائلاً ( وعلامات الغبطة والسرور قد علت محياه ) أنه يعجب لالتزام وتمسك أهل تلك الولاية بأهداب الدين وشدة ورعهم وأن شبابهم ممتلئون حباً للجهاد وتمسكاً بنصرة الدين والخليفة ... وما أن أتم حديثه حتى أذن له الخليفة بالانصراف والتفت لمستشاريه قائلاً ( صدق الرجل ورب الكعبة ) فتملك الحضور الدهشة والغرابة وارتفعت الهمهمة بينهم ، وانبرى كبير مستشاريه قائلاً للخليفة ( كلاهما صدق ... فكيف ذاك يا أمير المؤمنين !!؟)، فأبتسم الخليفة واستطرد قائلاً لهم ( كل نقل مشهد ما عايشه ورآه ومارسه ).
وعودة لفكرة ما أردنا أن نسلط عليه الضوء في مقالنا هذا فنقول وابتداءاً بأنني أعترف لكم سادتي الكرام بأنني لست ضليعاً مختصاً بطوائف الإسلام ، ولكنني أعرف جيداً أنها خمسة هي الجعفرية والحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية وجميعها أكن لها كل الاحترام والتقدير ... هذا ما تعلمته من صغري ... كما أعرف أن الجعفرية هي أم المذاهب جميعاً حيث استقت باقي المذاهب الأربعة عنها علومها ومعارفها ، كما وأعرف أيضاً أن الأزهر الشريف يعترف بهذا المذهب ويقر به ، كما وأعرف أن ملايين من أبناء أمة الإسلام يدينون بهذا المذهب بغض النظر عما يعتقده كثير منا !!، ولكنني على يقين تام أيضاً بأن هناك من يغذي شعور الفرقة والانقسام بين هذه الطوائف والمذاهب للنيل من قوة المجتمع الإسلامي والعربي على حد سواء !!.
قد لا تعرفون الشيعة كما عرفتهم وخبرتهم ، فهم أصدقاء طفولة وزملاء دراسة لي بدءاً بالابتدائية وانتهاءاً بمرحلة الجامعة والذين لم أر منهم غير الود والمحبة والصدق، كما أنهم زملاء وظيفة لي حينما كنت موظفاً في الدولة أحببتهم وأحبوني بكل صدق ويقين، وهم بجواري ومن حولي حيث أسكن واعيش، يشاطرونني أفراحي ويتقاسمون معي أتراحي ولم أسمع يوماً منهم ما ينبئني أنهم على خلاف معي حتى هذه اللحظة ( تحديداً !!) رغم تغير الأحوال والظروف في العراق، وأخيراً ها هو واحد منهم قد ارتضيت به زوجاً صالحاً لابنتى الوسطى والذي يشهد الله أنني لا أفرقه عن ولدي أو باقي أزواج بناتي قيد أنملة كما ولم اسمع منه ما قد يُفسر انه يناصبني عداءاً أو اختلافاً فكرياً أو مذهبياً على الإطلاق!!.
وأذكركم أيضاً بحقيقة ربما لا تعرفونها ، فجـُلّ أفراد الجيش العراقي الذي حارب في فلسطين أيام النكبة الأولى ( ونكبات فلسطين تترى وتتوالى للأسف الشديد ولا من معتبر !!!) وأبلى فيها بلاءاً حسناً يذكره لهم التاريخ بكل فخر وشمم كما وسطر البطولات في مدينة جنين عام 1948 واستشهد على أرضها تلبية لنداء الواجب إنما هم من الشيعة وتحديداً من جنوب العراق ومن عشائرها العربية الأصيلة والتي تفتخر بعروبتها كما تفتخر بانتمائها الإسلامي أيضاً!!، وبعد ذلك كله يأتي بعض من الكتاب والقراء فيستنكر بطولة رجل بمذهب شيعي ويقلل من شأن ما قدمه لفلسطين وأمة العرب من أمجاد في زمن قل فيها من كان عطاؤه وتضحياته كهذا الرجل الذي حمل لقب سيد المقاومة دون منازع ... فأي منطق أعوج ذاك بالله عليكم!!.
تساؤلات على غاية من الأهمية ...هل من مصلحتنا أن نستبعد جزءاً كبيراً ممن يدينون بالولاء لفكرة التشيع بحجة أنهم يناصبوننا العداء نحن أهل السنة وهل هم حقاً يناصبوننا العداء !!؟... وهل فكر أحدكم عميقاً في من المستفيد من دق هذا الإسفين الخطير بيننا !؟، وهل هناك حقيقة فرقاً بين من يقاوم العدو الصهيوني إن كان مذهبه شيعياً أم سنياً ، عربياً أم كردياً أو من أي قومية مسلمة أخرى !!؟، وهل أن سنة لبنان هم أشرف وأكثر عطاءاً وتضحية للقضية من شيعته !؟، قد تكون مجريات ما حدث في العراق بعد أحداث 2003 ومسلسل التنكيل بأبناء السنة شواهد أسس عليها في بعض المقالات التي كتبت وبعض الردود التي نشرت ، ولكن الحقيقة الساطعة عشتها بدقائقها هنا في العراق والتي تتلخص بأن ما جرى لم يكن قد شارك به أبناء الشيعة من أبناء العراق بل هم أفراد مأجورون باعوا ضمائرهم للمحتل بأبخس الإثمان والأجور لأهداف ودواعي سياسية معروفة كان الغرض منها التمهيد لفتنة طائفية مقيتة!!.
لي نظرة لا أحيد عنها تحت أي ظرف كنت قد خرجت بها من فوضى مشهدنا العربي والإسلامي ومن تداعيات خذلان مواقفنا وتقهقر قضيتنا وتراجع أولوياتنا ... تلكم النظرة التي تقول أن من يدافع عن قضيتي ويؤازرني في مسعاي من أجل استرداد حقي المسلوب هو أخي وصديقي ورفيق دربي في النضال وأكن له كل التقدير والاحترام، فكيف إذا كان من يقف معي هو ابن جلدتي وديني وإن اختلف مذهبه عني !!؟، فأي منطق هذا الذي يدعوني كي انساق لما يخطط له الغرب والصهيونية ويحاول على الدوام زرع الفتنة داخل البيت الإسلامي الواحد من خلال بثه أفكار الانقسام ودق معزوفة المذاهب والطوائف!!، وأي تفكير صائب ذاك الذي استبعد فيه جهد أخ لي كان قد أخلص نيته واستمات من أجل الدفاع عني وعن حقوقي السليبة!!، وأي نظرة ضيقة تلك التي أحاول أن أزن الأمور بها فأناصب العداء لمن حمل همي وشاطرني غمي !!.
لحزب الله معزة في قلوبنا جميعاً ما دام قد وجه سلاحه نحو صدور أعدائنا من غرب وصهاينة ، وكما ورد في ردود أحد الكتاب الأفاضل متسائلاً وكان على جانب كبير من الصواب حين أشار برده ... أما كان بإمكان السيد حسن نصرالله أن يساير الزعامات العربية الأخرى التي آثرت مطاوعة امريكا ومن يسير ويأتمر بأمرها من أجل الحفاظ على كراسي مهترئة زائلة بدلاً من أن يتجشم عناء الحصار والتضييق والترهيب ومحاولة التحجيم!!، وأعود لأؤكد من جديد أنه يكفيني فخراً وعزة وشموخاً أن أرى أن مقولة الجيش الذي لا يقهر قد ولت إلى غير رجعة على يديه ويدي أبنائه وإخوته من مقاتليه ، ويكفيني زهواً ونشوة حين أرى علامات الحزن والقهر والبؤس والخوف قد طغت على وجوه أعدائنا وارتسمت واضحة على محياهم كما ارتسمت على محيانا طيلة ستين عاماً مضت في وقت مضى ولاة أمورنا في نهج تسوية خانعة ما جلبت إلينا غير الإنقسام وازدياد الفرقة والتشظي!!.
لقد ظل الغرب وأمريكا تحديداً يردد معزوفة الإرهاب الإٌسلامي من جانب ويسلط الأضواء على اختلاف مذاهب الإسلام وتناحره من جانب آخر ، كما وحاول جاهداً وساعياً كي يرسم تلك الصورة المشوهة لتصبح واقعاً معاشاً راسخاً ، وسأعود الآن كرة أخرى لقصة مبعوثـَيّ الخليفة التي سقتها في مقدمة مقالي وما رآياه ونقلاه كل حسب وجهة نظره المجردة إستكمالاً لتوضيح فكرتي التي تبنيتها فاقول بأن أمريكا ودول الغرب وعدونا الصهيوني إنما يلعبون دوراً رئيسياً في أن نرى ونعتقد على الدوام ما يريدوننا هم أن نراه ونعتقده من خلال رسم صورة مشوهة لحالة الخلاف المذهبي الطائفي ، وهذا ما حاولوا تطبيقه في العراق بعيد احتلاله عام 2003 ومراهنتهم على تمزق الصف الوطني في العراق إستناداً لما حاولوا زرعه فخاب فألهم وحبطت مخططاتهم بفعل الوعي والإدراك ، هذا كما حاولوا ترسيخه في لبنان من خلال مؤازرة من طاوعهم وآثر الجلوس إليهم ، وهذا ما يحصل الآن في فلسطين هذه الأيام ... فهم يحاولون على الدوام نقل صورة مشوهة عن واقع خلافاتنا ومن ثم تضخيمها وتعظيمها لنبدأ نحن فيما بعد بالتقاط هذه الصورة عنهم لنبدأ بالتأسيس عليها لتكون النتيجة المنطقية خراب بيوتنا جميعاً يقابله عمار بيوتهم وازدهارها!!.
لقد مارس الغرب عموماً والصهيونية تحديداً دور أحد المبعوثـَين للخليفة العباسي آنف الذكر فقاموا بنقل صورة مشوهة عن طوائف الإسلام ( والتي كانت قد تأسست قبل مئات السنين على يد أناس دخلوا الإسلام زيفاً وتدليساً ) وخططوا من أجل نقلها إلينا لتزداد بذلك الفجوة ولتتأزم الأمور بيننا فيما هم يتفرجون على نتيجة ما سيكون مشهدنا عليه ، لكن الحروب والمواقف غالباً ما تكشف الأقنعة التي قد يتستر بها الأدعياء والمزيفون وأصحاب تدليس القول والفعل وتفرزهم وتظهرهم عراة حتى من ورقة التوت التي طالما يتسترون بها أمام الأوفياء وأصحاب المبادئ والعقيدة والمواقف التي تترجم على أرض الواقع، وهذا ما كشفته لنا الأيام وأوضحته لنا تناقض المواقف بين إنجاز هذا الرجل العملاق وبين مواقف غيره ممن على غير مذهبه والذين آثروا الانبطاح أمام أمريكا وإملاءات العدو الصهيوني!!!، فالغرب عموماً والصهيونية تحديداً يدركون جيداً أن قوة العرب في الإسلام ، وقوة الإسلام في تكاتف طوائفه ومذاهبه ، ويدركون أيضاً أننا أمة حية رغم ما ألمّ بها من نكسات وتراجع بعد سقوط الخلافة العباسية تحديداً، ففيها تكمن كل أسباب القوة والمنعة كما تمتلك من الثروات التي حباها البارئ عزوجل ما يكفي لتتسيد العالم من جديد، فكان لها أن تزرع الفتنة والخلاف بين صفوفنا لتمنع وحدة كلمتنا وتوحيد طاقات هذه الأمة ، من هنا برزت الأقلام والأفكار والدعوات التي تحاول جاهدة دق إسفين الخلاف خشية من التلاقي والتحابب بين هذه المذاهب!!.
ختاماً ... أذكركم بحديث النبي الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) حين حذرنا من يوم تتهافت علينا أمم الأرض رغم كثرتنا فقال (( ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة الى قصعتها فقالوا : أو من قلة نحن يوم إذن يا رسول الله ؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل )). (صدق رسول الله)، فها نحن نعيش اليوم ما حذرنا منه رسولنا المصطفى بحديثه الكريم ... فما عناه حقاً يُفـَسَرُ بأن وهننا وضعفنا برغم كثرتنا إنما هو ناشئ من جملة مسببات لعل من أهمها الابتعاد عن الدين وفرقة القلوب وتناحرها وتمسكها بالمطامع والجري خلف المكاسب.
قد يغضب البعض مما طرحت ... ولكنني التمس مرضاة الله ووحدة أمتي فيما كتبته وقلته.
وفي ذاك عزائي !!!.
سماك برهان الدين العبوشي
عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب
[email protected]
قد يغضب البعض مما سيقرأ ولكنني ... أبتغي وحدة أمتي !! بقلم:سماك برهان الدين العبوشي
تاريخ النشر : 2008-07-21
