روح يابني.. منك لله؟ بقلم: محمد هجرس
تاريخ النشر : 2008-07-18
بقلم: محمد هجرس**nجميل جدا أن يعود "الشيخ" إلى صباه.. يتذكر الأيام الخوالي، بشقاوتها وقساوتها..nقبل أيام أعلنت نتائج الثانوية العامة في مصر، ابني حسام اتصل بي، عند الواحدة صباحاً وقال لي: مبروك يا بابا.. أنا نجحت..nقل أن ألتقط أنفاسي أكمل بسرعة: جبت يا بابا 97%.nلم أتكلم من هول الفرحة، قلت له: مبروك يا باباnفاستطرد: خلاص ح أحقق حلمي وأدخل كلية الإعلام.. نفسي أبقى زيك يا بابا.n***nأعدت الجملة:"نفسي أبقى زيك يا بابا" وتأملت حياتي بطولها وعرضها، راجعت مسيرتي فلم أجد فيها ما يستحق الذكر، عدا أشياء عابرة.nأعرف أن حسام يريد أن يدخل كلية الإعلام، وقسم الصحافة بالذات، ربما يرى في ما لم أره في نفسي، لم يعرف حسام أنني "حتة جورنالجي" تلك المهنة التي كانت عيبا في يوم من الأيام، ووصلت لدرجة أن الشيخ على يوسف وهو أحد مؤسسي الصحافة المصرية، رفعت عليه دعوى تفريق بينه وبين زوجته لأنه "جورنالجي" كما جاء في عريضة الدعوى.nـ تذكرت أول مرة تخطو فيها قدماي لكلية الإعلام، ورهبة ذلك القروي البسيط ابن السبعة عشر عاماً، عندما رأى الميني جيب والمايكرو جيب، فأشاح بوجهه بعيدا، وهو يتمنى أن يعاود النظر لتأمل ما وراء كل هذا الذي يظهر، دون أن يدرك أفعال الموضة، فخرّ على ركبتيه راكعاًَ باحثا عن ذلك المليم الأحمر الذي ما زال يحتفظ به لليوم.. كان مليماً أحمر وجدته على السلم وأنا في طريقي للدور الرابع من المبنى، فاعتبرته تذكاراً لأول رحلة غامضة، إلى المجهول الذي يبرق وهجه، ولا يخفت، مربوطاً بكل الأسماء اللامعة في عالم الصحافة.nـ تذكرت كيف رأيت ذلك الصحفي الكبير لأول مرة، فوددت لو أقبل يده، لم أفعل بالطبع، لكن انبهاري زاد، عندما "قفشني" في مغامرة عاطفية مع (س. ع) في مدرج المحاضرات، وقد مالت على كتفي في لحظة ضعف ومراهقة، دون أن أكترث بالطبع للكزات عبد الباسط في جنبي الأيسر، وهو يقول لي بلهجة ريفية خافتة:"يااااااااااله.. البت نايمة عليك يااااااااااااله.. الدكتور ح يشوفك ويوديك في ستين داهية يااااااااااااااله".nكنت في غاية الحرج، مما لم أتعود عليه وكان شعرها الغجري المجنون يتطاير فيلف وجهي، وإذا بالصحفي الكبير يؤشر لي ولها بإصبعه السبابة أن احضرا.nوقفت أمامه مبلولاً بالعرق ـ وليس بأشياء أخرى ـ فابتسم ابتسامة لا أنساها، وقال لي: كنتوا بتعملوا إيه بأااااااااااة؟nهي سكتت تماماً بينما أقسمت أنا أيمانا كاذبة وقلت: والله ما عملت حاجة!nضحك وقال: يعني هي اللي كانت بتغتصبك!nابتسمت ابتسامة صفراء من الهلع، فعاجلني: اسمك إيه؟nفقلت له الاسم كاملاً، فاستطرد: انت عارف ياواد، لو شفتك قاعد جنب البت دي تاني، ح أخرب بيتك! فلم أجلس بعد ذلك بجوارها طيلة السنوات الأربع.nـ تذكرت أول مقال نشر لي في حياتي وأنا في السنة الأولى بكلية الإعلام، حيث هرع العمدة وكبار قريتي الصغيرة يباركون لابن قريتهم، وكان أبي رحمه الله أكبر السعداء، ومن يومها كنت الابن المدلل والبيه لكل القرية والقرى المجاورة.nـ تذكرت حينما اشتغلت تحت التمرين، وكيف تركت الجريدة احتجاجاً على فكرة موضوع لم يكن يتحدث عن الأمن الغذائي وثورة التعمير والأمن الغذائي، فكان نصيبة التمزيق أمامي، وتكليفي بعمل موضوع عن هوايات أعضاء مجمع اللغة العربية، وما إذا كان الأعضاء يحبون الملوخية بالأرانب أم القهوة سادة.nـ تذكرت قصة سفري، وكيف ذهبت إرضاء لبغض زملائي وإكمال عددهم، وتذكرت كيف كنت من "المغضوب عليهم" ذات مرة وتم تحويلي لعمل إداري جراء مقال تزامن مع "زومبة وقائية أرض جو" أطاحت بي، ولم أكن أملك من الأمر شيئا.nـ تذكرت كيف آخذ كل "مقلب وأخوه وأمه وأبوه وعمه" جعل رئيس تحريري يتلذذ بنقلي وتدويري على كافة الأقسام، حتى لم يبق إلا السكيوريتي، وكنت في قمة السعادة في لعبة التحدي تلك، وكيف فزت في النهاية.nـ تذكرت كيف اتصلت بي إحداهن أمس، ولأني لا أرد على رقم لا أعرفه، فساقني حظي المهبب للرد، فإذا الصوت النسائي على الطرف الآخر يداعبني بدغدغة مشاعر: ازيك يا محمد.. موش عارفني؟nفقلت: لا والله؟nفقالت: أنا منى.. ألا تذكرني؟nشككت في نفسي لأني لا أعرف أحدا بهذا الاسم: فإذا بها بعد أن يئست مني تفاجئني: لو موش عارفني .. تبقى حمار!nتحسست مؤخرتي لأتأكد أن لا ذيل لي، وأسرعت للمرآة لأرى إن كانت إذناي قد استطالتا، ثم ابتسمت بهدوء: شكراً.nفأكملت بلغة إنجليزية صحيحة ما أعف عن ذكره، وقالت أظنك ستسأل: كيف عرفت رقمك؟ فقلت: لو سمحتي؟nفعاودت دلالها وأجابت بلهجة مصرية: من الجرنان (الجريدة يعني).. ثم قالت بغنج: موش عارف أنا عايزة إيه؟nقلت وصبري يكاد ينفد: لا موش عارف.nقإذا بها تنفعل وتقول بغضب: علشان انت حمار.. وابن كلب!nفأجبت أنا ممكن أشتم، لكن شكرا لهذا الأدب الذي يستحق جائزة نوبل.n***nهيه يا حسام..nنفسك بأة تبقى زيي..nروح يا شيخ منك لله..nخليتني بس أطلع كل هذه الفضائح!n** كاتب صحافي مصري[email protected]