حرب الفن بين ايران ومصر ... عمامة الامام ومنصة الطاغية بقلم:حميد الشاكر
تاريخ النشر : 2008-07-17
(( حرب الفن بين ايران ومصر ... عمامة الامام ومنصة الطاغية ))
_______________________

(( توطئة ))

للفن قصة طويلة مع الانسان في مسيرته البشرية على هذه الارض ، وللفن مرتبته الحضارية التي ان لم تتهيئ الارضية المناسبة لولادته فمن الصعب ايجاد مايسمى في عرف الحضارة بطابق الفن الانساني ، كما ان للفن وظيفة سامية جدا في الحياة الاجتماعية الانسانية بأمكانها لعب اكثر من دور تثقيفي وآخر ايدلوجي وثالث سياسي ، ورابع أجتماعي ..... حسب متطلبات الحياة ، وماوجد له الفن في هذه الدنيا !.
ل : (( ول ديورانت )) صاحب قصة الحضارة في مجلده الاول من مجلداته الاثنين والاربعين رؤية يذهب من خلالها الى : ان الفن طابق متأخر الظهور جدا في سلم اي حضارة انسانية ، فلايكاد يظهر هذا الفن وتبرز هذه الملكة الانسانية ان لم تتهيئ جميع عناصر الاستقرار الاجتماعية ، بدءا بالاستقرار السياسي للدولة ، ومرورا بحالة الانتعاش والنمو الاقتصادية لافراد المجتمع ، ونهاية في التنظيم المحكم لحركة المجتمع الزمنية والقانونية ، وعندذاك ينبت غصن الفن الانساني باعتباره حالة ترفية لاستقرار وانتعاش الحضارة الانسانية !.
ان الفن حسب رؤية ديورانت هو اعلى الهرم لاي حضارة انسانية تعبر مراحل القلق السياسي والاخر الاقتصادي والثالث التنظيمي ، وهذا صحيح من منطلق ان للفن متطلباته الترفية التي تعبر عن روح التحضر من جهة وروح الفراغ بالوقت الذي يملئه ترف الفن من جانب آخر ، ونعم من الصعب ايجاد حالة فن راقية ان لم تكن اساسيات الاجتماع الانساني متوفرة وقابلة لزراعة وانبات وردة الفن في المجتمع الحضاري ، ولكن هذه الرؤية تمثل الجانب الانساني في الدراسات الحضارية الكبرى كالتي قدمها ديورانت في دراسته الموسوعية لتاريخ البشرية من البداية وحتى النهاية ، أمّا اذا اردنا دراسة الفن (( دراسة الفن ليس للفن وحده بل الفن للحياة )) من جانب آخر من جوانب الحياة الايدلوجية او السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية ....، فاننا سوف نلحظ الفن ليس باعتباره طابقا فوقيا حضاريا ترفيا فحسب ، بل سنجد انفسنا مرغمين على دراسة الفن باعتباره (( حالة تعبير )) للحياة الاجتماعية ، وفي هذا المنعطف سنرى ان الفن لايختص بحالة الرقي والتحضر البشري ، او بحالة الترف والفراغ الوقتي ، بقدر اختصاصه بحياة الانسان اي انسان واي مجتمع يتفنن في التعبير عن ذاته ، وهنا نجد ان الفن نزل من برجوازيته الرأسمالية ، الى قواعده الانسانية ليكون صورة لأي مجتمع انساني سواء كان مجتمعا غنيا او مجتمعا فقيرا ، مجتمعا قلقا اقتصاديا او مجتمعا مستقرا ماليا ، مجتمعا مستنفرا سياسيا او مجتمعا ثابتا دوليا ......الخ !.
نعم الفن وحسب ما نراه لائقا بتعريفه كمنتج انساني ماهو الا :(( حالة تعبير )) تختلف من حيز انساني الى اخر بشري ، وصحيح تلك الرؤية التي ترى ان الفن يكون في اوج عطائه ان توفرت له جميع مقدمات ومستلزمات الحالة الترفية لحياة الاجتماع الانساني ، ولكنّ هذا لايلغي وجود ودور الفن في الحياة ومهما تغيرت انماط وصور المعيشة الانسانية ، مما يعطي للفن وجودا هو ارقى بكثير من كونه منتج ترفي حسب رؤية ديورانت الحضارية تلك ، ولهذا كان ومازال وسيبقى الفن (( حالة تعبيرية )) جمالية تتناول صور الحياة باشكال مختلفة ، ومناط ابداعها الحقيقي ليس هو الترف الاقتصادي ، بقدر كونه ابداعا يمثل حالة تألق انسانية تمتلك اكثر من رؤية لمشاهد الحياة المتعددة الصيغ !.

*******************

(( تعبير ))

ان الفن اليوم اصبح اكبر بكثير من مجرد سلعة اقتصادية ، او صاحب وظيفة سياسية او ايدلوجيه في عالمنا الانساني ، ولاسيما مانراه من توظيف كبير للمادة الفنية في وجهاتها الايدلوجية او السياسية او الاقتصادية الاجتماعية ايضا ، وهذا اذا دلّ على شيئ بغض النظر عن مدى صحته او خطره على الفن ، فأنما يدل على اهمية الفن الكبيرة وانه من المحركات القوية لتوجهات العالم الانساني الحديث ، ففي الحضارة الغربية وصلت حالة الفن ( مثلا ) البصرية مضافا اليها السمعية الى اوج تألقها التأثيري بفضل تطور الصناعة الفنية الحديثة ، وتمكن بالفعل الفن المزود بالتكنلوجيا الحديثة من الهيمنة شبه المطلقة على الوجود الذوقي والعقلي والذهني والخيالي للانسان المعاصر ، وكذا عندما يقال ان للفن تأثيرا قويا جدا على الانسان حتى مع عدم امتلاكه للتكنلوجيا الصناعية الحديثة ، وهذا عندما يتحول الفن من مادة اثارة غرائزية وصناعة فحسب الى مادة تعبير انسانية تتمكن من الوصول الى مفاتيح الشخصية الانسانية ومكامن تأثرها الذوقي والخيالي والعقلي والذهني والنفسي والروحي ، عندها يكون الفن هو الفن سواء كان مزودا بتكنلوجيا صناعية متطورة او مازال متحركا على خشبة مسرح مظلمة وبفنان واحد فقط يرتدي الثياب الممزقة ويحمل معه قلبا نابضا فحسب ؟!.

***********************

(( سياسة ))

في ظاهرة سياسية ملفتة للنظر بين مصر العربية وايران الاسلامية بدأت بوادر حرب فنية تطفوا على السطح بين المشاغبين الكبيرين في الشرق الاوسط الجديد بعدما وضعت الحرب الدبلماسية السياسية الاخيرة اوزارها والتي نشبت على خلفية سقوط طاغية بغداد صدام حصين من جهة ، واندلاع الحرب العدوانية الاسرائيلية على حزب الله في لبنان من جانب اخر بين مصر وايران ، فاجئتنا ايران الاسلام بفلم (( أعدام فرعون )) والذي جرّ خلفه ردت فعل مصرية منددة بالفلم الايراني الذي يؤرخ لاغتيال الرئيس المصري السابق انور السادات على منصة الاحتفال العسكري في مصر ، وسرعان ما لملمت الحكومة المصرية الفنية اوراقها لتعلن حالة الطوارئ الفنية لجميع المؤلفين وكتّاب السينارست المصاروة والطلب منهم مباشرة باعداد فلم ردا على فلم (( أعدام فرعون )) ليسمى فيما بعد ب ((أمام الدم )) كحالة تعبير رافضة للاعتداء الفني الايراني تلك !.
فياترى ماهي قضية حرب الفن الايرانية المصرية الجديدة ؟.
وهل اصبح الفن اليوم اكثر خطرا حتى من صواريخ شهاب ثلاثة الايرانية وطرادات تخصيب اليورانيوم لترى مصر في الفن الايراني خطرا يهدد امنها القومي ؟.
أم ان الموضوعة لها جوانب اخرى تتعدى كون المسألة فنية ، لتنتقل الى حيزها الايدلوجي والسياسي الذي يعبر عن صراعه بين مصر وايران باشكال مختلفة حتى وصل الى شكله الفني اليوم ؟.
لماذا وماهي الدوافع الايرانية الفنية وراء هذا الفن السياسي ؟.
وما الذي اراد ايصاله الفن الايراني من رسالة الى ذهن وروح المشاهد الاسلامي والعربي ايضا من خلال ( أعدام فرعون ) ؟.
ولماذا كانت هذه الردة الانفعالية العنيفة من قبل المصريين على حالة فن تعبيرية للايرانيين ب ( أمام الدم ) ؟.
وهل كان فلم (( اعدام فرعون )) أعلان حرب فنية من قبل الايرانيين على مصر ؟.
أم كانت هذه المحاولة الفنية الا يرانية هي تثبيت مبدأ سياسي لرفض عملية استسلام مع اسرائيل الغاصبة ، ولهذا جاء الفلم كتعبير عن الالتزام بالمبادئ الثابتة لجمهورية ايران الاسلامية بعدم الاعتراف باسرائيل ؟.
وهل كان الموقف السياسي والفني المصري الحكومي مستوعبا (( لأعدام فرعون )) على اساس انه رسالة لرفض معاهدة السلام بين مصر واسرائيل من قبل الايرانيين ؟.
أم انه رأى في الفلم الايراني تدخل بالشؤون المصرية السياسية الداخلية ؟.
وهل كانت مصر وايران تدافعان عن وجهتي نظر سياسية ولكن بشكل فني ، الاولى لترويج مشروع الاستسلام العربي مع اسرائيل من قبل مصر ، والثاني للترويج لعدم الاعتراف بالكيان الاسرائيلي الغاصب من قبل ايران فعبر كل منهما فنيا فحسب ؟.
ماهي قيمة الفن اليوم ؟.
وماهي الحرب الجديدة بلا دماء ؟.
وهل حرب الفن من وجهة النظر المصرية والايرانية اصبحت وبلا ادنى شك حرب العقول والقلوب ؟.
أم انها حرب دبلماسية سياسية فحسب ولكن بلباس فني لطيف ، كالذي يخنق انسانا وهو مرتدي قفازات من حرير ؟.
مابعد التسعينات من القرن الماضي برزت الدراما السورية بشكل ملفت للنظر من على فضائيات العالم العربي بعد الانفتاح الاعلامي الذي صاحب تسعينات القرن المنصرم ، وبينما كان الفن المصري استهلاكيا وينحدر في اوقات كثيرا الى حد التفاهة ، كان الفن السوري يخطوا خطواته البطيئة بشكل ثابت في الدراما العربية بالخصوص ، ولاريب عند ذكر الدراما السورية من القول ان الحكومة السورية كانت تدعم هذا التوجه الفني بكل قوة لصناعة فن ينافس هيمنة الفن المصري على الشاشة العربية ، وبالفعل ماهي الا عقد واحد حتى توجه المزاج للانسان العربي من تذوق الفن المصري الى تذوق الفن السوري العربي والميل نحوه ، والى ان وصلنا اليوم بتفوق الفن السوري بشكل كبير جدا على الفن المصري الذي لم يزل خاضعا لطلب الاستهلاك بشكل مخجل حتى وصوله الى مادة اعلانية اكثر منه فنا يلامس مشاعر واحاسيس الانسان العربي ، والاكثر حتى بروز اصوات ثقافية واخرى فنية تنادى برحمة الشعوب العربية من الفن المصري الغامض التوجهات الاخلاقية والسياسية واستبداله بالفن السوري ذو الصبغة العربية الاصيلة ، وصاحب التوجهات الاخلاقية والسياسية الهادفة !.
ان هذه الصورة بين الفنين المصري والسوري وان كانا تحت مسمى الفن العربي ولكنها الظاهرة التي تعطينا التصور الحقيقي لاهمية الفن اليوم وانه الاداة التي من خلالها تكسب القلوب والعقول نحو مشروعك السياسي القائم في عالم مابعد العولمة الحديثة ، ونعم التوجهات السورية المقاومة والمحافظة على الهوية العربية والرافضة للاستسلام للكيان الغاصب الاسرائيلي في فلسطين انتصرت فنيا عربيا من خلال التفاف الجماهير العربية حول الدراما الفنية السورية على مشروع مصر المتغربة اخلاقيا والمستسلمة سياسيا والمناهضة للمقاومة عربيا ، وهذا ما اثار فناني مصر بحالة من الغضب على نجاح الفن السوري العربي في المقابل ، وتقبل الجمهور العربي للفن السوري بشكل ملفت للنظر !.
أذن هي مشاريع ايدلوجية وسياسية هي التي تحرك ادوات الفن العالمي اليوم ، وهي نفسها المشاريع التي طرحت (( أعدام فرعون )) من قبل الفن الايراني ، في مقابل (( أمام الدم )) من قبل الفن المصري !.
الاول يحاول الانتصار لمشروع المقاومة والتحرير وعدم التفريط بارض القدس العربية الاسلامية في فلسطين ، عبر عن ذاته فنيا ب (أعدام فرعون ) .
والثاني يحاول الانتصار لمشروع الامر الواقع ووجوب الاستسلام لاسرائيل والرضى بمانهبته من الارض العربية والاسلامية ، عبر عن ذاته فنيا ب (( أمام الدم )) لا لنقول ان الدم يصنع المعجزات ، بل لنقول ان الدم ارهاب بلغة الدول العظمى الغربية اليوم ؟.!.
نعم مع ان الفن المصري له من التجربة وطول الزمن الشيئ الكثير ، لكنه هذه المرّة غفل بشكل هستيري من ان لغة الدم الثورية التي يريد تشويهها فنيا هي نفس اللغة التي يقدسها الشعب العربي وينظر اليها العقل العالمي بانها لغة صدق التضحية الانسانية الكبيرة !.
ولا اعلم حقيقة كيف يغفل الفن المصري عن هذه الحقيقة العالمية ، فمهما قالت السياسة عن الدم انه ارهاب ، فستبقى صورة الصليب وهو ينزف دما شعارا للحب والتضحية بدلا من الكراهية والانتقام في العقل الغربي ؟!.
أما لغة الدم في العقل العربي والاسلامي فهي لغة الحسين قبل كونها لغة اي شخصية تاريخية اخرى !؟.
فهل يعي الساسة الفنيون في مصر ادوات الفن واساليب تأثيره الحقيقية ؟.
أم انهم ارادوا تشويه الامام فاضافوا له تاج الدم الذي دائما هو منتصر على صولجان الفرعون ؟.
____________________

[email protected]