عمليات القدس والتساؤل الأهم
.......................................
اسرائيل وعلى لسان مؤسسيها وقادتها ومن لهم مصلحة في إنشائها كدولة دخيلة على المنطقة بثقافة شعبها وبتاريخ اليهود والذي لا ينسجم مع مناخ فلسطين وتاريخها وعبقها الحضاري وسكانها ، كانت وما تزال تعتبر نفسها دولة ديمقراطية وحيدة بين جيرانها ومتقدمةً عليهم في كل المجالات وبالأخص مجال حقوق الإنسان ، ربما كان جزءاً يسيراً من ذلك صحيحاً مقارنةً بأنظمة عربية وخاصة فيما يختص بحقوق المواطنة فيما يتعلق بالغالبية من المواطنين الذين ينتمون لقومية الطبقة الحاكمة وديانتها من وحي العنصرية والتمييز العنصري وذلك يعتبر آفةٌ عنصرية ، ولكن الأنظمة العربية تتميز وتتسامى عن اسرائيل في حقوق المواطنة فيما يتعلق بالأقليات وبالقوميات والديانات الأخرى داخل كياناتهم وذلك مستلهمٌ من وحي الشريعة الإسلامية السَّمحة ويتسق مع غريزة حب البقاء في السلطة وبالتالي الحفاظ على أنظمة الحكم في سدة القيادة وتلك آفةٌ سياسية عربية لا بد من علاجها بتحكيم الشريعة في مجال حقوق الإنسان على الجميع والأقربون أولى بالعروف. واسرائيل تتباهى بتقدمها ورقيها العلمي والإنساني ، ولكن كل ذلك يصنَّف في عداد الدّجل والنفاق السياسي والكذب المتسق مع نظرية الغاية تبرر الوسيلة حتى وإن كانت الوسيلة تصنف في عداد الجرائم الأخلاقية وجرائم القتل والقهر ضد الإنسانية.
ألم تُثِر عمليات القدس الأخيرة والعمليات الإستشهادية الفلسطينية والعربية الإسلامية ضد اسرائيل ومن يساندها مساندة مطلقة لا تحتمل الإيقاف والضغط وتكون ضد المصلحة الوطنية للدول المساندة ، ألم تُثِر تلك العمليات تساؤلاً في أذهان الإسرائيليين الحريصين على المصلحة طويلة المدى لليهود وفي نفوس حلفاء اسرائيل ويسألوا أنفسهم : لماذا يقوم شباب في مقتبل العمر كالزهور بتفجير أنفسهم ضد المصالح الإسرائيلية ومصالح مسانديها من قوى هذا العالم الظالم؟؟!! علامتا أستفهام وعلامتا تعجب في آن واحد. ومن باب المكابرة والغِيّ والكِبر وبمنطق القوة الظالمة العمياء يقوم الإسرائيليون ومن يحالفهم بمعالجة الخطأ بالخطأ. ووصف هؤلاء الشباب بالإرهاب. ونظل وإياهم ندور في حلقة مفرغة من القتل والفعل والفعل المضاد وفي دائرة ردة الفعل الغاضبة. ونبقى وإياهم نفتقد للأمن والأمان. وتنتشر الحروب والقتل والدمار وترتفع الأسعار ونسير وإياهم بالعالم الى حافة الهاوية. ننتظر تدخل الخالق للإنقاذ من السقوط في غياهب الويل والخوف ونقص المال والثمرات. ألم تُثِر هذه العمليات في نفوس الدارسين والباحثين وعلماء النفس والأطباء النفسيين وعلماء الإجتماع التشجيع والتوجه نحو دراسة هذه الظاهرة وتقديم النصح للسياسيين والعلاج الناجع لها. إنها ظاهرة مرضية إنسانية تعبر عن انتشار الظلم من القوى المتحكمة في العالم ومؤشرٌ على تفشي اليأس والإحباط من الإنصاف للمظلومين.
الشاب سائق الجرافة رحمه الله كان متزوجاً من يهودية على ذمة أحد الصحف العربية ، وترك اليهودية ربما نتيجةً لسياسة التمييز العنصري التي تمارسها اسرائيل وتحظر مثل هذه الزيجات وتحيطها بسياجٍ من القيود يجعل معها حياة العائلة شبه مستحيلة ، وتزوج بعد ذلك من عربية ، وزوجته اليهودية صرحت بأنه لم يكن يكره اليهود وكان لطيفاً وإنساناً ، وهي ما زالت تحبه بالرغم من فعلته ومن زواجه عليها وذلك ربما لقناعتها بأنها تخلت عن زوجها بضغط من حكومتها وليس بإختيارها هي وزوجها.
والشاب الذي نفذ عملية المدرسة اليهودية ينتمي لنفس القرية (صور باهر) التي ينتمي اليها الشاب سائق الجرافة. وتقول التقارير الصحفية والمراقبون بأن قرية صور باهر بعد عملية المدرسة اليهودية تعرضت لموجة من الغضب والسخط اليهودي ، ولإجراءات يومية تعسفية ضد أهالي القرية ، من كان منهم بريئاً لا يمت بصلة قرابة للشاب ومن كان بريئاً من أهله وأقاربه ، والحقيقة أن كل أهالي القرية أبرياء. مداهمات يومية واعتقالات تعسفية وقهر واضطهاد في سياق العقاب الجماعي مقابل عمل فردي وفي إطار معالجة الظلم بالظلم والفعل بالفعل المضاد دون التروي والبحث عن أسباب هذه الظاهرة ومعالجتها بالحكمة والدراسة والبحث والعلاج الناجع لمنع تكرارها.
ربما يقول قائل أن منفذو هذه العمليات مرضى نفسيين بالإنفصام أو الإكتئاب أو ...الخ أو أنهم يعانون من لوثة عقلية، والحقيقة والمنطق والعلم لا يؤيد هذا الإتجاه بالبديهيات وبالنظريات النفسية ، فالمريض النفسي إن قرر الإنتحار لا يتجرأ على قتل نفسٍ بشرية أبداً ، فهو يعاني من أعراضٍ انسحابية من الحياة في هدوء وبعيداً عن لفت الأنظار ، وهو في حالة ضعف متدنية لا يستطيع معها قتل بعوضة وقرر بموجبها أن يغادر الحياة بقتل نفسه بأسرع طريقةٍ ممكنة وبدون إثارة وتشويش وبسرية مطلقة لقناعته بعدم تمكنه من إكمال الحياة ولا يستطيع إضافة جريمة الى جريمته بقتل نفسه إن كان مسلماً يدين بالإسلام الذي يحرم الإنتحار وقتل النفس. وهذه الحالة النفسية الإنسحابية يصل اليها الإنسان بالطريقة التالية:
إنه يعاني من نقص هرمون معينٍ مسئولٍ عن المزاج المعتدل والذي يسري عبر الناقلات العصبية ليصل الدماغ بالحالة المزاجية ، والمزاج الطبيعي هو الذي يكون وسطاً بين الفرح الزائد عن الحد الطبيعي والحزن الحاد ، ويتراوح بينهما بالفرح والحزن الفطري بوحي من الجهاز العصبي مجرى الأحاسيس والمشاعر الإنسانية ، ويتردد مزاج الإنسان تبعاً للأحداث ما بين الفرح الطبيعي والحزن الطبيعي ، وإن تخطى الخط الطبيعي لكلا الحدين فسوف يدخل في حالة من الهوس إما بفرح زائدٍ عن الحد أو حزنٍ زائدٍ عن الحد تبعاً للحدث ، وعلى الأغلب يكون ذلك المرض مكتسباً بالوراثة ويظهر عليه العرَض عند تعرض الإنسان لمشكلة حياتية صعبة لا يستطيع مقاومتها نتيجة لنقص إفراز هذا الهرمون. ويتراوح هذا المرض بين الخفة والحدة ، وربما يتجاوب المريض للعلاج طويل المدى بمضادات الإكتئاب التي تخفف من الأعراض وتمنح الإنسان قوة لمقاومة غزو المرض نتيجة لتغييب الأعراض الإنسحابية ، وربما لا يستجيب الإنسان للعلاج ويزيد العلاج من حدة المرض ويؤدي الى الإنسحاب من الحياة ، ويجب في هذه الحالة التي يستجيب فيها الإنسان للعلاج اتخاذ إجراءات وقائية لعدم تكرار الحالة لدى مواجهة الإنسان مشكلة في المستقبل لأن الأدوية تعالج الأعراض ولا تعالج المرض نفسه. لذلك فإن تصنيف هؤلاء الشباب تحت هذا الباب خاطيء وغير علمي وغير منطقي. ولكن ما هو السبب لهذه الظاهرة السؤال الأهم للبحث عن العلاج. وإسرائيل تعي ذلك جيداً وتقوم بالرد على تلك الأعمال الفردية بالعقوبات الجماعية ماضية في غيّها وظلمها وغطرستها وطامسة للحقائق الدامغة.
عندما يتساوى الموت مع الحياة في نظر الإنسان نتيجة للظلم الشديد وللقهر ، وإلغاء إنسانيته ، وهضم حقوقه ، وتشريده واضطهاده وإعتقاله وإهانته ، وإهانة والديه ، وقتل أولاده وحرمانهم من الحياة ، ومحاربته في رزقه ، وهدم بيته وتجريف بساتينه ، وقلع نباتاته ، والتعرض لعرضه وحرمة بيته ، وتعقيد حياته اليومية بشتى وسائل القمع والمنع والتفتيش على الحواجز والتهميش والإهمال ، سيما وأن كل هذه الممارسات يقوم بها شخص دخيل على الوطن ولص سارق للأرض وللبيت وللتاريخ والحضارة وللمياه في وضح النهار ، وذلك بالسطو والقوة وقانون الغاب وكل الوسائل المحرمة كالجريمة، عندما يصل الإنسان لهذه المرحلة تصبح قيمة الحياة تساوي الصفر وربما ما دون الصفر خاصة بالحالة الفلسطينية ، ولأن الله شرع الجهاد في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض والوطن والأهل واعتبر من يضحي بنفسه دفاعاً عن حقوقه التي شرعها الله له شهيداً ، ففي هذه الحالة يصبح الموت أعلى قيمة من الحياة وخاصة عندما يكون الإنسان في عنفوان الشباب وثورة المشاعر والأحاسيس والعزة بالنفس وخاصة في مراحل المراهقة والشباب ، يعمد الإنسان بطبيعة الحال إلى أن يضحي بنفسه دفاعاً عن حقوقه التي وهبها الله له.
ألم يخطر على بال القادة الإسرائيليين أن ينأوا بجنودهم وجيشهم عن فعل الجريمة وممارسة القمع ضد شعب أعزل ، وأن يجنبوا شعبهم سقوط الضحايا بردات الفعل الغاضبة من شدة الظلم والقهر ، وأن ينهوا تلك الدوامة والدوران المفرغ في حلقات القتل والقتل المضاد على هذه الأرض المقدسة؟ إلى متى سيستمر دفن الرؤوس في الرمال والتعامي عن الحقائق؟ وتجاهل الحقوق الفلسطينية الراسخة والموثقة في أرض فلسطين؟؟ ألم يخطر على بال علماء النفس والإجتماع الإسرائيليين العاملين في الموساد والشين بيت أن يسخروا أبحاثهم لدراسة هذه الظاهرة دراسة علمية ومنطقية وأن يخرجوا بتوصية ونصحٍ للقيادة السياسية الضالة المُضللة تخرجهم من هذه الدوامة التي لن تصل بهم الى نهاية محمودة لهم بدلاً من تسخيرها في التخطيط للقتل والقمع والطرد والتشريد والتعذيب؟؟ إلى متى ستظل اسرائيل تتدثر بدثار القوة المفرطة والغطرسة والعربدة بسوط القوة في علاج أمر واقع؟؟ ألم يتعظوا بما جرى لهم على أيدي الآوربيين الذين رموا بهم الى هذه المنطقة في صفقةٍ ظالمة قوامها الكذبة الكبرى (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) من أجل التخلص من النفايات البشرية؟؟ ألم يتذكر اليهود ويخطر على بالهم سيرة التعايش في بلاد العرب وكيف كانوا يعيشون مع وبين المجتمعات العربية بأمن وأمان وحقوقٍ مصانة مثلهم كمثل السواد الأعظم من المجتمع ، وكانوا حينها من أغنى طبقات المجتمع وهم بين العرب ينعمون بالوئام والسلام؟؟ ألم يتساءل اليهود إلى متى يستظلون بالمظلة الأمريكية التي باتت لا تستطيع تغطية معضلاتها ومشاكلها وتصرفاتها الإمبريالية ضد الشعوب الكادحة في هذا العالم؟؟ ألم تفكر الإدارة الأمريكية بمصالح شعبها ووطنها العليا؟؟ وأنها منقادة لفئة ضالة ومضللة من اللوبي الإسرائيلي والذي يعبث في داخل الجسد الأمريكي حيث أصبح يعاني من المشكلات الصحية والإجتماعية والإقتصادية؟؟ إنهم صمٌّ بكمُ عميٌ لا يفقهون ، ولكن يبدو أنهم يسيرون بعكس مصالحهم بعيدة المدى ، لا بل ومن المؤكد أن إرادة الله لهم وبهم غالبة وفوق كل تدبير دنيوي وتتجاوز كل تخطيط بشري ، وليعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون. وتلك الأيام نداولها بين الناس. إنها فرصتهم التاريخية بقبول المبادرة العربية للسلام التي ولدت من رحم الضعف العربي ، ولن يبقَ الضعيف ضعيفاً ، ولن يبق القويّ قوياً هكذا علمنا التاريخ والمنطق منذ نزول آدم الى الأرض وإلى يومنا هذا. وستبقى فلسطين في عقولنا وقلوبنا الى يوم الدين ، نتوارثها ونورثها من جيل الى جيل إلى أن يأذن الله لنا بالعودة ، ولن نقبل بديلاً لها على وجه الأرض. ولن نفرّط بأي حق من حقوقنا مهما امتد بنا الزمان ، سلاحنا الإيمان بحقوقنا والصبر على الشدائد والبلاء والعمل الدؤوب للوصول للهدف والعيش بكرامة وسلام.
بقلم أحمد ابراهيم الحاج
17/7/2008
عمليات القدس والتساؤل الأهم بقلم:أحمد ابراهيم الحاج
تاريخ النشر : 2008-07-17