غزة....ما بين الماضي....والحاضر بقلم:وفيق صالح زنداح
تاريخ النشر : 2008-07-17
غزة ....ما بين الماضي ...والحاضر
الكاتب :وفيق صالح زنداح
ننشد للماضي بكل جمالياته وطفولته البريئة .....نعود بالذاكرة إلى أزقة أحيائنا ...والي حيث مسقط رأسنا ....ارض الأجداد والآباء .....بحي الزيتون .....المتواضع بأهله .....والمتجذر بأرضه ......المتأصل والأصيل بعاداته وتقاليده وعلاقاته ....
أعود بالذكريات إلى الطفولة .....عندما كنا نلهو في منطقة (خان الزيت)وهي الآن (عمارة آبو رحمة) ......كما كنا نقضي بعض الوقت باللهو والصلاة بالجامع العمري الكبير حيث كان يخطب بنا ويقيم الندوات المرحوم الشيخ (إسماعيل جنينة) ....والذي تعلمنا منه سلوكيات المسلم وأخلاقياته ومحبته للجميع ......ولم نستمع منه رحمة الله عليه ولا لغيره من شيوخنا الأفاضل في تلك الفترة ما يسئ لاحد ......آو خروجا عن النص الديني وسيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم .....ويستمر قضاء الوقت بعد ذهابنا إلى مدرسة صفد الابتدائية وما بعد ذلك في مدرسة الفلاح الابتدائية القريبة من مدرسة الزهراء الثانوية الآن وهي( ذات الجذور التاريخية ).......وبعد انتهاء الدوام المدرسي نذهب إلى منطقة محطة سكة الحديد حيت القطار اليومي ما بين غزة ....والقاهرة ....(والذي يعرف اليوم بسوق الشجاعة للملابس) كنا ننتظر بفرحة غامرة قدوم المسافرين ......ووصول الصحف والمجلات المصرية.....كنت شغوفا ومولعا ومتلهفا لوصول جريدة الأهرام المصرية خاصة لقراءة مقالة (بصراحة)للصحفي المصري(محمد حسنين هيكل)....كما كنت دائم الاهتمام بمجلة آخر ساعة وملحقها الرياضي لجمع صور لاعبي النادي الأهلي ......كنا بطفولتنا دائمين الاهتمام بالاستماع إلى الزعيم الخالد(جمال عبد الناصر).....الذي كان يزرع فينا الأمل ......ويعزز من قوة إرادتنا ......رغم تواضع معرفتنا في ذلك الوقت وفي مرحلة الطفولة بدهاليز السياسة .....وألاعيبها .....وما كان يخطط من مشروع التدويل والتوطين ......
غزة الجميلة في ماضيها ....برمالها الصفراء كالذهب...... وبأشجار البرتقال.... والزيتون...... المحيطة بها علي طول الخط الشرقي للحدود ما بين قطاع غزة ..وفلسطين المحتلة عام(48) .....غزة رائعة الجمال ببحرها ومينائها القديم...... ورمالها التي لم يكن لها مثيل في نظافتها ولونها...... وفي هذا الشاطئ من بيت لاهيا شمالا وحتى رفح جنوبا
*غزة الهادئة المتواضعة الجميلة في كل شئ في زمانها الماضي .......كانت تختصر في مبانيها الصغيرة ومناطقها السكانية المعروفة بأحياء الشجاعية....الزيتون....الدرج....التفاح ....والتي كانت تمتد حتى مبنى المستشفى المعروف ألان(بلدية غزة) ....غزة التي امتدت حتى وصل بعض سكانها إلى ما يسمي اليوم منطقة الرمال والتي كانت تختصر في بعض المباني التي تحيط بمبني (السرايا الحكومي) وهو الذي يعود إلى العصر التركي وبعد ذلك إلى البريطاني كان الشارع الوحيد في مدينة غزة هو شارع(عمر المختار)والممتد من المحطة شرقا حتى منطقة (الجميزات)وهي المعروفة الآن( بمسجد العباس)
*غزة الجميلة بزمانها القديم تعود بنا إلى زكريات الطفولة حيث لم يكن في غزة إلا (سينما السامر)وما بعد ذالك (سينما عامر) و(سينما الجلاء)(وسينما النصر)
*غزة التي كانت تحتضن أهلها والاخوة الذين هجروا من أراضيهم في عام(48) والذين سكنوا في معسكرات الشاطئ جباليا (شمالا) والنصيرات والبريج والمغازي ودير البلح في منطقة الوسط.... وخانيونس ورفح (جنوبا)
*غزة في زمانها الماضي كانت تتسع وتحتضن كل أهلها ....بل كانت ترحب بكل الزائرين لها والمتسوقين من محلاتها التجارية خاصة البعثات المصرية الذي كانت دائمة الحضور إلى غزة ......غزة وماضيها .....وشوارعها الضيقة ومنازلها الصغيرة .......رغم قلة الدخل.....كانت الأغنى والأكثر شهامة وكرم وضيافة لكل من يحضر إليها مقيما آو زائرا .....كنا نراها واسعة ومتسعة للجميع .......ولم نشعر للحظة بضيق مساحتها واستيعابها ولا حتى بازدحامها السكاني ....لان الناس كانوا يتسمون بالطيبة والمحبة والآلفة والتسامح
*غزة بمياهها العذبة....وبهوائها النقي ......وبنسمات عبير ا شجارها وبمزروعاتها وخضرواتها التي كانت تلبي احتياجات كافة سكانها ......
*غزة من تله المنطار (شرقا) ومينائها (غربا) منطقة الشيخ عجلين (جنوبا)وحتى منطقة السيفة بيت لاهيا (شمالا) كانت تعيش الأمن والامان والاستقرار والهدوء .......كانت تعيش بعلاقات اجتماعية وانسانيةعالية المستوى ....وكان يشرف علي أمنها فرقة صغيرة من الشرطة والمعروفة في ذلك الوقت (بفرقة كامل الجبالي)رحمه الله ولم يحدث في تاريخ غزة بالماضي إلا جريمة واحدة والمعروفة (بسرقة وقتل تاجر الذهب ).....وفي نفس الوقت كانت في غزة المجموعات الفدائية للشهيد (مصطفي حافظ )الضابط المصري حيث امتزج الدم الفلسطيني بالدم المصري علي ارض غزة هاشم وفلسطين المحتلة عام 48
*غزة الجميلة بزمانها المحفور بذاكرتنا وقلوبنا وأحاسيسنا ومشاعرنا .....والتي تريبينا علي أرضها وعلي أيدي ابائنا فوالدي رحمة الله عليه والمعروف(الفدائي الصغير)المرحوم (صالح إبراهيم زنداح طافش )والذي عاش في مدينة القدس مدة(25)عاما بمدرسة الأيتام الإسلامية والتي فقد والده منذ طفولته مبكرا والذي كتب عنه في كتاب( رصيف الدموع)للكاتبين المعروفين (علي وهارون هاشم رشيد )....والدي رحمة الله عليه الذي زرع فينا حب الوطن....والتواضع والإيمان والعزة والأنفة والشموخ.....زرع فينا عدم التمجيد والنفاق
......بل وزرع فينا عدم التعالي والتباهي .......لدرجة انه قد انتقل الي رحمته تعالى وهو في العقد السادس دون أن يعرف أحد إلا قلة قليلة انه (الفدائي الصغير)الذي كان يناضل مع الثوار في جبال القدس .....كان كتوما وعندما يتم الحديث معه حول هذا الموضوع كان يتحدث بتواضع شديد وكان يتحدث عن الأخريين من الثوار اكثر مما يتحدث عن نفسه
ها هي غزة بماضيها الجميل ........وبرجالها الشرفاء المتواضعين الكثر الي درجة إنكار الذات......
أما ونحن اليوم نعيش في غزة بكل شرفاء أهلها الكرام .....وبقوافل الآلاف من مناضليها وشهدائها أسراها وجرحاها....وبتضحيات وصمود شعبها في إطار نضال شعبنا الفلسطيني علي مدار عقود مضت ولازال ......
لا نستطيع أن ننكر أن مياهها غير عذبة وغير صالحة للشرب....وان بحرها اصبح غير صافي وملوث ولا يصلح للسباحة وان رمالها ليس صفراء كالذهب .....
*غزة أصبحنا لا نشاهد فيها أشجار البرتقال والزيتون علي طول شرقها .....غزة التي ادخل عليها ثقافة ليس بثقافتنا...... وعادات وسلوكيات ليست بعاداتنا وسلوكياتنا .....غزة الملوثة بأجوائها ...الملوثة بفكر البعض منها ........افقدتنا الكثير من المحبة والتسامح والألفة.... وافقدتنا الكثير من جمال زمانها .......نحن اليوم في غزة الحاضر..... افتقدنا الكثير من ما كنا نعتز ونفخر به.......فهل العيب في غزة وماضيها الجميل؟؟؟؟؟؟ أم العيب في غزة وفي حاضرها المؤلم والقاطنين فيها؟؟؟؟؟؟

الكاتب /وفيق صالح زنداح
[email protected]