البشير أكل يوم أكل بقلم:رشيد شاهين
تاريخ النشر : 2008-07-17
البشير أكل يوم أكل ...
رشيد شاهين

او ليس هذا هو المثل العربي القائل اكلت يوم اكل الدب الابيض أو الاحمر والاصفر او بأي لون كان، فلا يهم اللون هنا ولا يهم الاسم، المهم ان الدب تم اكله، المشكلة انه مثل عربي على حد علمي وفيه من الحكمة ما يكفي لكل من يريد ان يفهم ما يعنيه، شخصيا لست مستهجنا ولا حزينا أو أسفا ولا مندهشا او متفاجئا بطلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو إصدار مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، ولا نبالغ لو قلنا اننا ربما لدينا رغبة قد تكون كبيرة وجامحة بأن نرى المزيد من "دببة" امة العربان هكذا مطاردين بمذكرات مماثلة حيث نعتقد بان هؤلاء يستحقون ما هو اكثر من مذكرات التوقيف.

المظاهرات التي خرجت في السودان تذكرنا بتلك الني خرجت في أكثر من عاصمة عربية عندما كان الامر يتعلق "بقائد" البلاد، هذه المظاهرات التي في المعظم ليست عفوية ولا شعبية لا تدلل على "عشق" للقائد الهمام او الرئيس الفذ بقدر ما تكون مرتبة من قبل أجهزة الامن والمخابرات في هذا البلد او تلك الدولة.

أن تحاول اجهزة هذا التظام او ذاك تحريك شوارع المدن فيها لا يعني أبدا أن الرئيس او القائد "الهمام والملهم الفذ" هو محط اعجاب الجماهير التي لن تتردد في الانفضاض من حوله عندما تحين الساعة، وهي قد تخرج في مظاهرات فيها من الحشود اكثر بكثير من تلك التي خرجت مؤيدة من قبل، وعلى هذا الاساس فان هذه "الحركات" والمظاهرات التي تبدو كانما هي داعمة للرئيس او القائد لم تعد تنطلي على أحد، وخروج الجماهير إلى الشوارع والاحتجاج بهدوء او بصخب– حتى وإن كان عفويا وبدون ترتيب من أجهزة القمع في هذه العاصمة او تلك- لا يعني بالضرورة أن القائد " الملهم" اصبح محبوب الجماهير أو معبودهم.

قد يخرج الناس في مظاهرات مليونية وفي اكثر من مدينة او عاصمة ولايام او اسابيع عديدة، لكن هذا لا يعني بالضرورة ان هذا الخروج مخصص للتضامن مع الرئيس او القائد، وهو ليس بالضرورة عشقا لصاحب السيادة الافخم، بقدر ما هو غضبا مكنونا في الصدورعلى الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها سواء في الغرب او في الشرق، وهو نوع من الاحتجاج ضد السياسات الاستعمارية وسياسات التسلط ومحاولات اخضاع الشعوب والسيطرة عليها وعلى مقدراتها وعلى السياسات التي تمتهن كرامة الرئيس ليس لانه الرئيس بقدر ما هو رمز للبلاد، وبالتالي فان محاولة اهدار كرامته هي اهدار لكرامة الوطن التي يابى هذا المواطن ان تمس، برغم قبول الرؤساء في العادة وفي الاجمال بان تهدر كرامة الوطن والمواطن والرئيس نفسه، وقد يكون خروج الجماهير للشوارع تفريغ للغضب الذي هو في الاساس موجه تجاه الرئيس ولكن تاتي الفرصة ليتم تنفيس هذا الغضب من خلال محاولة امتهان كرامة الرئيس نفسه -كما حصل مع السيد البشير- من جهات خارجية.

لا نعتقد بان لنا مواقف عدائية أو شخصية من سيادة الرئيس عمر البشير نفسه، لكن بالمجمل نعتقد بانه جزء من النظام العربي الرسمي الذي لا نحمل او نكن له أي مودة أو ثقة، لاننا نعتقد بان النظام العربي الرسمي الذي يجثم على صدر الامة هو سبب تخلف هذه الامة، ولاننا نعتقد بان هذا النظام هو الذي اوصل شعوب هذه الامة إلى هذا المستوى من المهانة والذل والتخلف والتبعية، وهو الذي ربط البلاد والعباد ومستقبل الاجيال بيد الاجنبي، وهو الذي ضحى بكل ما يمكن من اجل ان يحافظ على البقاء في موقع السلطة.

ان يصبح الرئيس السوداني مطاردا فهذا بالنسبة لنا شيء مخز حيث لم يحدث سابقا ان صدرت مذكرة توقيف بحق رئيس لا زال في موقع السلطة وبالتالي تبقى الامة بقادتها مضربا للامثال وحقلا للتجارب الاولى على كل الاشياء غير المشرقة او المشرفة. وهو كذلك دليل ساطع لقادة هذه الامة ان العالم فيه من النفاق ما لا يمكن تصوره، وان البقاء يس لاصلح كما هي القاعدة بل للاقوى في ظل عصر العولمة هذا، كما انه دليل على ان كل او اغلب المنظمات اامميى هي ليست سوى ادوات بيد الاميركي.

نحن نعتقد بانه كان حريا بالسيد مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو ان يوجه مثل هذه المذكرة ضد الرئيس الاميركي بوش على كل ما ارتكبت يداه وقواته ضد اطفال ونساء وشيوخ العراق وافغانستان وفلسطين ولبنان، او ضد قادة الدولة العبرية الذين مارسوا كل انواع المجازر في لبنان وفلسطين والاردن وسوريا ومصر، وكان حريا به ان يصدر مثل هذه المذكرة ضد مادلين اولبرايت التي لم تتردد بالقول ان الثمن الذي دفعه اطفال العراق في سنوات الحصار ثمنا مقبولا ومناسبا اوأن يصدر مثل هذه المذكرة ضد من ضرب ملجا العامرية في بغداد فحوله الى مقبرة لمن فيه، او أن تكون لديه الجراة لاصدار مثل تلك المذكرة ضد من قصف قانا و قتل قوات الامم المتحدة واطفال لبنان تحت انظار وبصر العالم او من قام بقصف مدرسة بحر البقر ومن قتل الجنود المصريين الاسرى خلال حرب حزيران يونيو عام 1967 المذلة.

التعامل بهذه الطريقة مع رئيس دولة عربية ليست التجربة الاولى برغم ان السيد البشير كان قد حاول ان "يمسح جوخا" لكي يرضى عنه سيد الكون عندما قامت اجهزة مخابراته بتسليم المناضل الاممي كارلوس الى فرنسا، وكان قبله او بعده من سلم اوجلان وكان غيره قد اغتال ابو نضال البنا، وكان غيره على استعداد ولا زال لقمع كل القوى المقاومة للهيمنة والتسلط الاميركي والغربي الاستعماري على مقدرات الامة لا بل الأمم ودول العالم، لكن اين أصبحت كل تلك الخدمات التي تم تقديمها هكذا بشكل مجاني، من قال بان الخنوع هو الذي سيحمي الانظمة والقادة ومن قال بان تسليم رقاب الشعوب بهذا الشكل المذل سوف يكون سببا للاستمرار في سدة الحكم.

السيد البشير لم يأكل البارحة او ما قبل البارحة وهو لم يأكل قبل سنة او سنوات عدة، فالبشير أكل عندما ارتضت الامة ان تقف في خندق حفر الباطن وعندما ارتضت للجندب العربي ان يقف كتفا بكتفمع الجندي الاميركي في الحرب على العراق في المرة الاولى عام 1991، والبشير أكل عندما ذهب نائب الرئيس العراقي عزة ابراهيم الى النمسا من اجل العلاج "وملص بجلده" والبشير أكل عندما أكل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما تم تقديمه على سبيل الاضحية صبيحة العيد،وهو أكل عندما لم يجرؤ اي من قادة الامة العظام ان يتصل بزميل ورفيق لهم على مدى عشرات السنين وهو محاصر في المقاطعة في رام الله، وهو أكل عندما تم فرض الحصار على الشعب الفلسطيني وحكومة حماس التي اختارها الشعب الفلسطيني طواعية مختارا وبدون ضغوط،البشير لم يأكل البارحة يا سادتي، ومن اعتقد بانه ناج من "المقصلة" من قادة الامة فهو واهم، فلا احد محصن امام "الغول" الاميركي وسيتم أكل المزيد من "الدببة" إذا ما استمر حال الامة على ما هو عليه وسيلحق بالبشير وصدام وعرفات المزيد من الرؤساء والقادة ان لم يلتفتوا الى شعوبهم التي سوف تكون حصنهم المنيع امام اي محاولة للمساس بهم، حصونكم ايها القادة هي شعوبكم وليس الاجنبي الذي لن يتردد في جلبكم الى المنصة التي وقف عليها صدام، لكن هل ستكون وقفتكم بمثل وقفته، على راي مظفر النواب الذي طارده الراحل " إني في شك من بغداد إلى جدة".

بيت لحم

16-7- 008
[email protected]