مهند (نور) والإعلام إذ يجعل الحبة قبّة! بقلم:ياسر زعاترة
تاريخ النشر : 2008-07-17
مهند (نور) والإعلام إذ يجعل الحبة قبّة!

ياسر زعاترة

من العبث أن يسعى البعض إلى إظهار مجتمعاتنا المحافِظة التي تُعلي من شأن القيم الإسلامية، لاسيما في السنوات الأخيرة، على نحو مزري، إذ ينطبق على من يفعلون ذلك مقولة القرآن الكريم:

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون [النور:19].



ثمة مسلسل تركي مدبلج اسمه (نور) بطله شاب وسيم اسمه مهند يُبث على إحدى الفضائيات العربية التي تتخصص ومجموعتها في ترويج كل ما يخالف السائد في وعي هذه الأمة على مختلف الأصعدة السياسية والثقافية، من دون أن يعني ذلك حكماً شاملاً على سائر مفردات بضاعتها، ربما لأن اللعبة التجارية تقتضي غير ذلك.
منذ شهور والمسلسل واحد من القصص شبه الثابتة في وسائل الإعلام، إذ بدأ الأمر بالحديث المتكرر والممل (عبر مقال أو تقرير أو خبر) عن ذلك الاهتمام الكبير والواسع النطاق بالمسلسل وانتظار المشاهدين له بكل شوق ولهفة. ثم تطور وازداد إثارة عبر الحديث عن حالات طلاق بين أزواج وزوجات بسبب غرامهن (الزوجات طبعاً) ببطل المسلسل، ثم توالت اللعبة ضمن ذات الإطار ليتحدث بعضها عن «شذوذ» بطل المسلسل وعدم توفر أي ميول لديه نحو النساء، أو قيام بعض الجهات التجارية باستثمار اسم البطل أو المسلسل في ترويج بضائع معينة.
لسنا ننفي ها هنا توفر اهتمامٍ ما بمسلسل من هذا النوع، أولاً لوجود قطاع من الناس ما زال معنياً بالقصص الرومانسية الطويلة، وثانياً من باب الفضول. فعندما يتحول مسلسلٌ ما إلى مادة للإعلام سيكون من الطبيعي أن يصاب الناس -لاسيما النساء في البيوت- بفضول المتابعة. ونتذكر هاهنا الضجة التي أثيرت قبل سنوات طويلة حول مسلسل مكسيكي اسمه «كساندرا»، وحول مسلسل (باب الحارة)، مع فارق المضمون بين هذا الأخير وبين تلك المسلسلات، في حين مرّ مسلسل كان المقدمة لباب الحارة، كما كان أكثر أهمية من زاوية الشكل والمضمون اسمه (ليالي الصالحية) بضجة أقل. والخلاصة هي أن الضجة الإعلامية والشائعات حول مسلسلٍ ما، أو حتى كتاب أو فيلم غالباً ما تساهم مساهمة كبيرة في ترويجه، وتلك هي لعبة الإعلام في واقع الحال.
لكن ما ينبغي أن يقال من جهة أخرى هو أن ما قيل ويقال حول المسلسل كان بالغ الإثارة وينطوي على الكثير من الكذب والتدليس، الأمر الذي يندرج بعضه في باب الترويج للمسلسل من جهة، لكنه يندرج من جهة أخرى -وهذا هو الأهم- في سياق البحث عن الأخبار والقصص المثيرة التي تستقطب المزيد من القراء من دون أن ينفي توفر سوء نية لدى بعض المروجين عنوانها نشر الفاحشة في مجتمعاتنا.
من الصعب القول إن مشاهدي مسلسل (نور) أو المسلسل المشابه (سنوات الضياع)، هم من الكثرة بحيث يستحق الموقف كل هذه الضجة. ورغم أنني شخصياً لم أشاهد ولا حتى لقطة واحدة من المسلسل إلا أنني أزعم كذلك أنني أخالط قطاعات كبيرة من الناس لم أجد من بينهم سوى قلة قليلة تشاهده، وغالباً من الفتيات المراهقات، مع أنني أعيش في بلد قيل في إعلامه الكثير حول جماهيرية المسلسل بين المشاهدين.
الأسوأ بالطبع هو ما قيل عن حالات الطلاق بسبب غرام الزوجات ببطل المسلسل (مهند)، وهنا ينبغي القول إن ذلك محض كذب وتدليس، ليس فقط لأن القصص التي تروى لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، لا تختلف عن قصة فتاة أو اثنتين انتحرتا بسبب موت مطرب في الزمن الغابر، مع أن الحكاية غالباً ما تكون ذات جذور أخرى لا صلة لها بموت الرجل، بل أيضاً لأن من العبث القول إن أسرة متماسكة يمكن أن تنفصم عراها لمجرد مشاهدة زوجة لمسلسل، أو إبدائها الإعجاب ببطله أو بمذيع أو بسياسي، اللهم إلا أن تكون المشاجرة هي القشة التي قصمت ظهر البعير، تماماً كما يحدث عندما تنتهي زيجات فاشلة بعراك حول كسر صحن أو إتلاف جهاز معين أو خلاف حول مشوار أو زيارة.
من العبث أن يسعى البعض إلى إظهار مجتمعاتنا المحافِظة التي تُعلي من شأن القيم الإسلامية، لاسيما في السنوات الأخيرة، على هذا النحو المزري، إذ ينطبق على من يفعلون ذلك مقولة القرآن الكريم: «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا....الآية». لا يعني ذلك أن كل شيء على ما يرام، لكن الحقيقة التي تقهر دعاة التحلل والرذيلة هي أن مجتمعاتنا ما تزال في الأعم الأغلب متمسكة بقيمها الصحيحة ورموزها المعروفة، حتى لو ظهر على سطحها بعض العفن هنا وهناك.