لكي لا تتكرر جريمة 14 تموز
بقلم: علاء الزيدي
الرابع عشر من تموز( يوليو ) يوم على قدر من الأهمية في حياتي . فهو يوم ميلادي الحقيقي رغم أن المدوّن في بطاقة هويتي هو اليوم الإجباري لميلاد معظم العراقيين ، أي 1 / 7 !
غير أن الأهمية الشخصية لهذا اليوم لاتلغي اقترانه بشؤم مستديم ، طبع حياة العراقيين بطابعه مـُذ سيطر العسكريون الإنقلابيون على حياة الناس ومقدراتهم ، طوال الحقبة التي بدا لنا أنها انتهت يوم التاسع من نيسان ( أبريل ) العام 2003 .
كثيرون كتبوا ، ومازالوا يكتبون عما جرى من مآس ٍ ومجازر صبيحة ذلك اليوم ، وأبرزها جريمة الإبادة الجماعية للعائلة المالكة العراقية وفي طليعتها المرحوم الملك فيصل الثاني . وكثيرون حاولوا أيضا ً إبعاد تهمة التخطيط لهذه الجريمة عن قائد الإنقلاب المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم . وربما كان لهؤلاء الكثيرين مبرراتهم ومنها الطبيعة غير الدموية والخجول للمرحوم قاسم ، لكن ثمة في قيادات الإنقلاب الرئيسية ، من كان يحرّض الغوغاء على اقتحام قصر الرحاب والبطش بالعائلة المالكة.
ليس من مهمة كاتب مـُـقـِلّ ومقالة موجزة تَـَـتــَـبـُّع التسلسل التاريخي لأحداث يوم الإنقلاب وماتلاه ، والخوض في فلسفة ماجرى ولماذا حدث ماحدث . لكن استخلاص العبر مهمة جميع من يسطرون .
إن أبرز العبر لذلك اليوم – في حسباني – أن يـُصار إلى تجفيف منابع احتمالات تكرره . ومن أهم أساليب تجفيف " منابع " تكراره ، وفق ما أرى ، أن يـُحصر العسكريون في أضيق نطاق من نطاقات الفعل والتأثير في الحياة السياسية والعامة . فالعسكرية والعسكريتاريا تعني امتلاك السلاح ، القادر على الإرغام والإجبار والقتل بغض النظر عن كونه صدئا ً أو مشحوذا ً ، متطورا ً أو مستهلكا ً ، قليلا ً أو كثيرا ً . ومما يزيد من درجة خطر الكثير من العسكريين على الحياة السياسية والاجتماعية واليومية بشكل عام ، أنهم ليسو نتاجا ً أو عصارة لدراسات أكاديمية تربي العسكري على الولاء للوطن أولا ً ثم الإخلاص للمهنة . وإنما هم حزبيون وأعضاء مليشيات تم منحهم رتبا ً عالية جدا ً قد لايمكنهم الوفاء بافتراضاتها والتزاماتها بموازاة وفائهم لأحزابهم وقياداتهم الحزبية . لقد منحت – على سبيل المثال – مليشيا أو منظمة " بدر " التابعة لـ " المجلس الأعلى الإسلامي " لأعضائها من الأسرى السابقين في إيران ( التوابون ) رتبا ً بالغة الرفعة تمهيدا ً للسيطرة من خلالهم وبهم على المؤسسات الأمنية والشـُرَطية .. وإذا أمكن العسكرية أيضا ً ! ومن هنا فقد فوجئت – ذات يوم – بأن صديقي المرحوم قاسم عبيد الشطري الذي اغتيل في البصرة قبل عدة أشهر ، تم إحراق المراحل له ليـُرَفـَّع من ملازم مجند لم يخدم في الجيش إلا فترة قصيرة قبل وقوعه في الأسر ، إلى عقيد في الشرطة ، كان قبل مقتله ( رحمه الله ) مديراً للتفتيش في شرطة البصرة .
أرى فيما أرى ، أن العسكريين المفتقرين إلى الأصالة الأكاديمية والخبرة المهنية الطويلة ، هم أخطر من انقلابيي 14 تموز ( يوليو ) . فإذا كان أولئك الإنقلابيون المتخرجون من مؤسسات تعليم ٍ عسكري عال ٍ قد تناسوا بين يوم وليلة مبادىء العسكرية الوطنية الحقة ، وانقضـّوا على الشارع العراقي ومؤسساته الدستورية ، هم وغوغاؤهم ورعاعهم كجوقة دموية مدمرة تكتسح كل ما يعترض طريقها من بشر وحجر ، فماذا سيفعل من لم يزل يجهل ألفباء العلم العسكري إن أتيحت له الفرصة للتغلب والسيطرة المطلقة ؟ ولماذا نسأل وقد شهدنا بأعيننا جرائم التنكيل بمناوئيهم من الصدريين وخاصة في مدينة سوق الشيوخ ، التي لم يكن ماجرى فيها ورأيناه على الإنترنت مختلفا ً عن مافعله علي حسن المجيد بحق المنتفضين العراقيين العام 1991 خلال حكم الرئيس صدام !
إن الإخلاص الوطني الذي نتلمسه ونرى مصاديقه يوميا ً عند رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي يفرض علينا أن نشير عليه – دون استشارة ! – بأن يتنبـّه إلى ضرورة الاستفادة من تجارب وعبر الرابع عشر من تموز ( يوليو ) العام 1958 . ومن أبرزها كما سلف القول مسألة تضييق النطاق على العسكريين فيما يتعلق بالشؤون السياسية والعامة . وهذا لايمكن أن يتحقق من دون منعهم من استسهال التصريحات السياسية والتعبير عن آرائهم إزاء شؤون البلاد اليومية مستفيدين من بريق النجوم والصقور المجانية على أكتافهم . فكمثال ، من الغريب أن لا نسمع إلا قليلا ً رأيا ً أو تصريحا ً لوزيري الدفاع والداخلية المدنيين والمستقلين تقريبا ً ، فيما تتواتر وتنهمر على رؤوسنا تصريحات القادة العسكريين في الوزارتين ، وخاصة النجم التلفزيوني ، أو السوبر ستار " اللواء محمد العسكري " الناطق باسم وزارة الدفاع !
إن أنجع طريقة للحؤول دون وصول العسكريين إلى سدة الحكم مجددا في العراق هي إخراج أي وسيلة للإرتباط والترابط فيما بين قياداتهم من أيديهم ، وتشكيل هيئة أركان مشتركة يقودها المدنيون بكل ماتعني كلمة القيادة من معان . فضلا ً عن منعهم من لعب أي دور سياسي حتى لو كان مقتصرا ً على التصريحات فقط .
تكتسب هذه النصائح أهميتها من كيفية تعاطي جيش الإحتلال الأميركي مع رئيس الوزراء السيد المالكي وآرائه " الناشزة " عن الهوى الأميركي . لذلك فمن المحتمل جدا ً أن نشهد في العراق الجديد ، يوما ما ، ً صورا ً أخرى لانقلابات تموز ( يوليو ) التي جرت في المنطقة العربية في خمسينات القرن الماضي ، إذا ما جرت الرياح العراقية بما لاتشتهي السـَّفــَن الأميركية !
[email protected]
لكي لا تتكرر جريمة 14 تموز بقلم: علاء الزيدي
تاريخ النشر : 2008-07-17