كبرمقتاً عند الله !!
بقلم: الشيخ ياسين الأسطل
الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة المجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَالا تَفْعَلُونَ{2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ{3} ) الصف .
أيها القارئ العزيز : جاء في سبب نزول هاتين الآيتين في التفسيرعن قتادة، والضحاك:
( نزلت توبيخًا لقوم كانوا يقولون: "قتلنا، ضربنا، طعنا، وفعلنا". ولم يكونوا فعلوا ذلك.ذكره ابن كثير ، و أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي صالح قال : قال المسلمون : لو أمرنا بشيء نفعله فنزلت يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون قال : بلغني أنها نزلت في الجهاد كان الرجل يقول : قاتلت وفعلت ولم يكن فعل فوعظهم الله في ذلك أشد الموعظة) .
كثير هم المنادون صدقاً بقضية فلسطين والأقصى ، وكثير أيضاً هم المتاجرون بهذه القضية وأهلها ، لينالوا بتجارة الكذب المكاسب سحتاً ، وفوق ظهر فلسطين وأهلها ، وبشعارات تزعق بألسنتهم ، أو تزعق بها ألسنتهم ، ولا تجد إلى قلوبهم سبيلاً ، فقلوبهم لا تعرف إلا ما تشتهيه هي وتهواه ، وما خالفها تنكره وتأباه ، وهم يجيدون فن الكلام ، وتكنولوجيا الدعاية والإعلام ، حتى يهيأ لمن يستمع إليهم أنهم هم المناضلون الشرفاء ، والمكافحون الفضلاء ، بل والمجاهدون البررة الأتقياء ، ولا عجب فالقضية الفلسطينية والأقصى ( موضة العصر ) التي تروج في كل مكان وزمان ، فكم من حيٍ أو شارع ، أو دكانٍ أو جامع ، يحمل اسم فلسطين أو الأقصى ، بل العجب أن يقع بعض إخواننا من الفلسطينيين أنفسهم في هذا المنزلق الخطير ، فيتاجرون بدماء وأرواح وآلام وآمال شعبهم ، بدعاوى مجنونة ، لينالوا المكاسب المظنونة ، ويحوزوا أعلى المراتب الموهومة لأشخاصهم أو أحزابهم أو فرقهم ، فهم القضاة وهم القضية ، وهم الرعاة وهم الرعية ، فهم بزعمهم أو بفعلهم الأوصياء على الشعب والقضية ، وهم الأولياء للدماء والدعاوى الحقوقية ، فيا ليت شعري من الذي عقد لهم صك الوصاية ، ومن الذي أعطاهم حق وميثاق الولاية ، وهل هذا هو على الدوام والتأبيد ، فلا يحق لأحد أن يبدئ فيه ويعيد ، أو ينقص منه أو يزيد ، وأما بقية الأمة والشعب فهم هباء ، أو هم كالهباء ـ عندهم ـ لا يكادون يفقهون قولا، وحُقَّ لنا أن نسألكم يا إخواننا في الأحزاب والفصائل والحركات :
- هل أنتم جزء من شعبكم أم أن شعبكم جزء منكم ؟ ..
- أم أن الشعب قطيع من العبيد مسخرون لكم ، وأنتم السادة ؟..
- أم أنكم لستم من الشعب ولا الشعب منكم ؟ ..
- وهل الفهم والإدراك مقصورعليكم ؟.. وسواكم محروم متعوس الحظ ؟
- وهؤلاء الذين أصيبوا فقتلوا أو جرحوا أو أسروا أو دمرت بيوتهم أومصانعهم أو جرفت مزارعهم أو معاملهم أو أصابهم ما أصابهم ، ..
- أليس لهم أزواج أو آباء أو أهل أو عشيرة ؟..
- فما بالكم تنسبونهم إليكم فتقولون أبناء حزب.. ؟ ..أو أبناء حركة ...؟ ... أو أبناء فصيل ... ؟ ..
إن هؤلاء الذين قتلوا أو جرحوا أو أسروا أو أصيبوا في أموالهم هم أبناء الذين يسهرون الليل يبكون على مرارة فقدهم من الآباء والأمهات .
إن هؤلاء الذين قتلوا أو جرحوا أو أسروا أو أصيبوا في أموالهم هم آباء اليتامى الذين يتلوعون حسرة على قول (يا أبي ).
إن هؤلاء الذين قتلوا أو جرحوا أو أسروا أو أصيبوا في أموالهم هم أزواج الأرامل اللاتي يعانين آلام وأحزان الترمل والحاجة والعسر الشديد لرعاية أبنائهن اليتامى وهنَّ في مقتبل أعمارهنَّ وفورة صباهنَّ .
أيها الإخوة الكرام في فتح وحماس وغيرهما من الأحزاب والحركات والفرق كلٌ منا جزء كريم من هذا الشعب الصابر المبتلى، ولكن لكلٍ منا حدوده التي لا يمكن أن يتعداها ، ومجالاته التي لا يحسن أن يتخطاها ، ولا أقول ما أقوله إلا لأنني أخ لكم حُمِّلتُ أمانة العلم ، وأنا لكم ناصح أمين ، ولا أقول ما أقوله إلا من باب الإعلام والنصح ، ويدي مع أيديكم وأيدي الأمة والشعب الكريم لنتجاوز هذه الخطايا التي هي في الأصل أخطاءٌ تمادى فيها من تمادى منا فأصبحت خطايا ، وإن نحن تركناها على مدى الأيام تصبح جنايات تجني على من أصر عليها وفرح بها ، واستهان بحق الله تعالى وحق الأمة والشعب فيها ، ولا يمكن أن تنطلي الحجة الزائفة على الله وعلى الناس ، بل لا بد من انكشافها ولو بعد حين والقول المأثور " من أسر سريرةً ألبسه الله رداءها ".
فالله الله في أنفسكم وأمتكم وشعبكم ، لا تظنوا أن الشعب والأمة ترضى بأن تنفرد حماس وحدها في غزة ، أو أن تنفرد فتح وحدها في الضفة أو أن تنفرد الحركتان وحدهما في قيادة الشعب وقضيته دون القوى والفصائل الأخرى بل لابد من أن يكون الجميع مشتركين مع أمتهم العربية والإسلامية في حمل الأمانة والقضية والهم الفلسطيني الكبير الذي يكبر على أهله وحدهم ، فكيف ببعض أهله ، كيف نطلب التدخل الدولي في قضايانا ونأبى المشاركة الوطنية المقتضية بما جمعنا من إخوة الإسلام والنسب والجوار والهم والآلام المتتالية والممتدة منذ النكبة إلى النكسة وصولاً إلى العام الماضي الذي كان فيه الانفصام الكبير عن القضية والشعب والأمة والفصل بين أبناء الشعب الواحد والدين الواحد وضياع اللحمة الاجتماعية وتزعزع الأخوة الدينية وتضعضع الوحدة السياسية ولولا ما أيد الله به قيادتنا وولي أمرنا سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن حفظه الله وإخوانه الساسة العرب من اجتماع كلمتهم واستواء فعلهم ، وقوة عزيمتهم لرأينا أنفسنا نحن أهل غزة الآن تائهين في صحراء سيناء كما تاهت بنو إسرائيل من قبل ، لذلك أرى لزاماً علينا أن نقوم على تحقيق أمور ثلاثة :
الأول:استعادة اللحمة الاجتماعية بتشكيل لجنة للإصلاح والسلم الأهلي تشمل أرجاء الوطن كله بل وإن استطعنا وخارج الوطن للإصلاح الاجتماعي وإنهاء المشاكل والقضايا المترتبة على الفترة السابقة كلها وخصوصاً القضايا المترتبة خلال العام المنصرم منذ محاولة حماس الاستيلاء على مقاليد الأمور في غزة وإلى الآن .
الثاني : استعادة اللحمة السياسية بوجوب مشاركة الجميع في الشورى في القضايا السياسية واتخاذ القرارات المناسبة في ضوء المصلحة الوطنية العليا مع مراعاة مقتضيات الحال والمقال والتجارب الماضية والحاضرة لشعبنا وأمتنا والمحيط العربي والدولي فليس أحدٌ أولى بالوطن والوطنية من الآخر .
الثالث:استعادة الأخوة الدينية الإسلامية فليس أحدٌ أولى بالإسلام من أخيه الذي يشهد لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بالرسالة مع القيام بواجبه الديني ، وليس من شرط الإسلام الانضمام إلى الأحزاب وإن هي اشترطت ذلك ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
كبرمقتاً عند الله !!بقلم: فضيلة الشيخ ياسين الأسطل
تاريخ النشر : 2008-07-16