حدثان أردنيان ــ ملك يشارك القراء بتعليقات الإنترنيت.. ومدير مخابرات يقف مع الصحفيين ضد السياسيين ــ
الكاتب والباحث سمير عبيد*
جميل جدا عندما تُجبّر أن تمتدح أو تُصفّق إلى جهة أو شخص أنت على تحفّظ معه أو معها نتيجة بعض المواقف السياسية والإجرائية، فنعم هي شجاعة وحكمة منّا لأننا لسنا في حالة الاضطرار أن نشيد بهكذا مواقف صادرة من أشخاص أو جهات لدينا عليها عتبا في أكثر من موضوع.
ولكن عندما تشاهد أو تتفاجأ بذلك الشخص، أو تلك الجهة بأنها تتحرك في ميدان التواضع والحكمة والديناميكية الصالحة، فلزاما عليك أن تتوقف وتتأمل، وأن كنت عاقلا وحكيما، فعليك تشجيع ذلك الشخص وتلك الجهة، بل تقديم التحية له ولها بالطريقة التي ترتئيها و ليس طلبا بالتقرّب أو التكريم، بل طمعا بتعميم تلك الحالة لتأخذ مساحات أكبر، ويقلّدها من هم بوزن من قرر التحرّك في ميدان التواضع والتقرّب من الناس.
فلقد لفت نظري حدثان أردنيان مهمان لأنني متابع جيد للملف الأردني وبجميع تفاصيله و على الرغم أنني لم أزر الأردن إلا مرة واحدة ، وعند ( الذهاب والإياب ) نحو العراق في عام 2003 ،وعوملت فيها معاملة سيئة للغاية، ولن أنساها ما حييت لأنها كانت عنصرية واستفزازية وبوليسية بحته وهذه الحقيقة ، وهنا لست شاكيا أو متوسلا ولكن الشيء بالشيء يُذكر!.
الحدث الأول:
فجميل عندما تشاهد أو تتفاجأ بالشخص الأول في الدولة سين أو الدولة صاد، وهو يرتدي لباسا بسيطا، وتراه بين الناس مواطنا عاديا، ويقوم بأعمال وأفعال عادية يقوم بها أي مواطن لديه فسحة من العلم والتفكّر والمتابعة والاستكشاف، وهذا ما قام به جلالة الملك الأردني" عبد الله الثاني" بتاريخ 7/7/2008 عندما تحوّل إلى قارئ عادي لمواقع الصحف في الإنترنيت، وحينها فضّل التعليق على الأخبار والمقالات والتقارير المنشورة في تلك المواقع، والتي عادة ما يوجد مربع للتعليق أسفل المقالات والتقارير والأخبار.
فلقد قام جلالة الملك بزيارة الموقع الإلكتروني لصحيفة " الدستور" الأردنية، وكتب تعليقا ووقعه باسم " عبد الله الثاني" ليسجل بذلك سابقة بين الحكام والقادة والعرب، وكانت لفتة ذكية سُجلت لصالح الملك سياسيا وإعلاميا واجتماعيا وأخلاقيا ، لأنه تصرف تصرفا متواضعا ولكنه واعيا وفيه أبعاد كثيرة. .
ولقد جاء تعليق جلالة الملك حول خبر بعنوان" قراء الموقع يؤكدون اعتزازهم بالقيادة الهاشمية وقطع الطريق على المشككين" فكتب الملك تعليقا تعهد بموجبه بحماية الحريات عندما كتب " أضمن حرية أي شخص يعبر عن آرائه، خاصة إذا كانت تعليقاته مثمرة وليس فيها اتهامات دون أدلة ، ونحن في بلد حر ومفتوح" التوقيع: عبد الله الثاني.
قد يُعلّق بعض الناقدين ويقول " مالذي حصل، فأنها مسألة عادية" نجيبه : نعم أنها مسألة عادية، ولكنها ليست في جغرافيتنا العربية بفرعيها السياسي والحكومي، بل تحدث في دول متقدمة وبعيدة عن جغرافيتنا العربية، لهذا هي بادرة طيبة تستحق التشجيع، ومهما كانت الاختلافات مع الجانب الأردني نتيجة حيف وقع هنا أو هناك!.
الحدث الثاني:
لقد أشترك الحدث الأول والثاني في مكان واحد وجغرافية واحدة، أي أن بطل الحدث الأول هو جلالة الملك عبد الله الثاني، أما بطل الحدث الثاني فهو اللواء " محمد الذهبي" مدير المخابرات العامة في المملكة الأردنية، ويبدو أن الرجل صمّم أن يُقلّد سيده في قضية الإنصاف.
فلقد كشفت صحيفة دنيا الوطن نقلا عن صحيفة " الرأي" الأردنية أن هناك عددا من السياسيين ضغطوا وطلبوا من اللواء محمد الذهبي بصفته المدير العام للمخابرات الأردنية بأن يبطش بالحريات الصحفيّة وبالصحفيين الذين يمارسون النقد، أي طلبوا منه إشاعة سياسة التكميم والقمع والإخراس.
ولقد كتب حول هذا الموضوع الدكتور" فهد الفانك" مقالا تفصيليا بعنوان" مخابرات الدولة وليس دولة المخابرات " ونشره في صحيفة " الرأي" فيؤكد بأن مدير المخابرات لقّن هؤلاء السياسيين درسا عندما رفض طلب ورجاء هؤلاء السياسيين بقوله"نرفض دولة المخابرات ونحن نقود مخابرات الدولة" ويسخر السيد الفانك من السياسيين قائلا" سبحان من جعل رجل الأمن أكثر تقدمية وديمقراطية وفهما للحرية وروح العصر ومصلحة الدولة من سياسيين مخضرمين، وحرس قديم موغل في القدم".
بدورنا كمراقبين ومتابعين نضم صوتنا إلى صوت الدكتور الفانك، ونشد على يد السيد اللواء الذهبي، بل نصفق له لأنه استطاع أن يعزل واجباته الأمنية والمتعلقة بالحزم في المواقف والقرارات وإصدار التعليمات، عن واجباته المدنية كمواطن أردني يقرأ ويتابع وينتقد ويناقش ويسمع النقد ووجهات النظر، ولن يتوفر له ذلك إلا من خلال الفضاء الإعلامي والصحفي الحر، ومن هنا جاءت تسمية الصحافة بـ " السلطة الرابعة" كونها معلّم ومصباح ومنبه إلى المسئول الذي يبحث عن النجاح في عمله ، وكونها المعين إلى المسئول الذي لا يريد الوقوع في الخطأ، ووقاية إلى المسئول الذي لايريد أن يُطوّق بالمداحين والمتزلفين والفاسدين، لأن الصحافة الحرة بمثابة المصابيح التي بفولتية هائلة وبذلك هي جاهزة لكشف هؤلاء المداحين والمتزلفين والمتقاعسين والفاسدين من خلال تنبيه المسئول والرأي العام، و من خلال كشف هذه الطبقات التي عادة ما تُُفشل المسئولين وفي جميع دول العالم.
لهذا عرف اللواء الذهبي أن قوته تكمن بوجود سلطة رابعة معافاة و بصحة جيدة، وعرف بأن مضاعفة عيون منتسبي جهازه لا تكمن في الانتشار المبالغ به ، وبالشوارب الكثة ، و بالمضايقات والتكميم، بل تكمن عندما تعطي الحرية إلى الصحافة والإعلام، فحينها سيكون الإعلام رديفا مخلصا وصادقا لجهاز المخابرات، وللأجهزة الأمنية الأخرى وبطريقة تطوعية، لأن الإعلام الحر لا يعطي مجالا للغش والتزوير والفشل ليبني مستعمراته الخطرة ،فالمستعمرات تُبنى وتكبر وتتوسع عندما يكون الإعلام مخنوقا ومقموعا، وعندما يكون المسئول قمعيا اتجاه الصحفيين والصحافة!
فالنصيحة التي نسديها لجميع المسئولين العرب، وسواء كانوا من السياسيين أو الأمنيين بأن لا يقعوا في مربع الخلاف والعناد والتباعد مع الصحافة والصحفيين، والسبب لأن في نهاية المطاف سيكون المسئول هو الخاسر لأنه يفقد ناطورا أمينا، ويفقد مصباحا منيرا ...
وبالتالي فأن الصحفي الهاوي قادر أن يهز نظام كامل، وهذه حقيقة وليس تهديد أو تهويل، لذا ليس من مصلحة الأنظمة والمسئولين خلق العداوات مع الصحافة والصحفيين!.
فحظا سعيدا لجلالة الملك " عبد الله الثاني" ولمدير مخابراته السيد " محمد الذهبي" ونتمنى مزيدا من هذه المواقف الطيبة التي تُقرّب المسئول من الناس والشارع، وتضفي نوعا من الثقة بين المسئول ورجل الأمن من جهة وبين المواطن العادي من جهة أخرى ، وفي أخر المطاف سيجد الحاكم نفسه لم يخسر شيئا بل ربح الكثير ،وهكذا المسئول لم يخسر شيئا عندما يتواضع، وعندما يحتك بالناس ويسمع مشاكلهم واقتراحاتهم!.
• مركز الشرق للبحوث والدراسات ـ أوربا
حدثان أردنيان ــ ملك يشارك القراء بتعليقات الإنترنيت.. ومدير مخابرات يقف مع الصحفيين ضد السياسيين بقلم: سمير عبيد
تاريخ النشر : 2008-07-15
