قبيل حلول عيد فرنسا الوطني المعروف باستعراضاته العسكرية الدالة دائما على المبالغة في استعراض العضلات للتهديد والتخويف ودفع الخوف حرص الرئيس ساركوزي على عقد قمته المتوسطية من أجل كومنولث فرانكو فوني يحقق حلمه في الإعلان عن إمبراطورية فرنسية على غرار الإمبراطورية الأمريكية.
وإذا ما كان الرئيس بوش المتهور قد فرض إمبراطوريته بالقوة العسكرية ، فإن ساركوزي الحرامي لم يفكر في المغامرة بقوته العسكرية التي يستعملها في استعراضات 14 يوليوز من كل سنة فقط .
والرئيس ساركوزي تصله يوميا تقارير مخابراته العسكرية عن حروب الجيش الأمريكي في بؤر التوتر ، وهو يحمد الرب ويصلي له لأن جيشه في أحسن حال ولأنه جيش استعراض لا جيش حرب، ولا تنقل جثته برا وبحرا لتقبر في صمت رهيب من أجل إمبراطورية تتهاوى.
وقد ينجح تحقيق حلم إمبراطورية ولكن المشكلة تكمن في المحافظة على هذا الحلم الذي سرعان ما يتبخر كما هو شأن إمبراطوريات تهاوت ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الإمبراطوريتين النازية و السوفياتية .
ولكل إمبراطور محتمل في هذا العالم طريقته في تحقيق حلمه التوسعي ، وطريقة ساركوزي تختلف تمام عن طرق غيره ، فهو لم يراهن على القوة ، وإنما راهن على الدهاء. وقد هداه دهاؤه إلى زيارة بلدان الحوض المتوسطي التي كان يأنف زيارتها من قبل . وبتواضع مغشوش زار دمشق وهو الذي كان يحملها بالأمس القريب مسئولية زعزعة استقرار لبنان حيث المصلحة الفرنسية بشكل تقليدي ، و مسئولية دماء زعمائه مما أثار غضب أنصاره في لبنان. وبنفس التواضع المغشوش تحمل إهانة خيمة الرئيس الليبي البدوية في ساحة قصر الإيليزي الحضارية مما أثار غضب الفرنسيين.
وعلى الطريقة الأمريكية جعل ساركوزي نقطة قوته في تحقيق حلمه اللوبي اليهودي الموجود مباشرة فوق الأراضي المحتلة وليس اللوبي التقليدي الذي يركبه عادة الزعماء الأمريكان ، لأن هذا اللوبي عبارة عن جماعة وظيفية ـ بتعبير المفكر المرحوم عبد الوهاب المسيري ـ كفيلة بتحقيق الحلم الإمبراطوري الفرنسي كما حققت أحلام إمبراطوريات سابقة .
وقبيل القمة المتوسطية عقدت القمة العربية الطارئة التي جمعت بعض الأحصنة العربية كما سماها الإعلام لمناقشة كيفية جر العربة الإمبراطورية الفرنسية. وسرعان ما انسحب الحصان الليبي جافلا ، وغابت أحصنة أخرى ذات وزن وثقل لوجود فارس صهيوني يرغب في امتطاء الصهوات في الوقت الذي تجر الأحصنة العربة الإمبراطورية الفرنسية ، ولا شيء يمنع الفارس الصهيوني من مشاركة الإمبراطور ساركوزي امتطاء العربة بعد ترويض الصهوات خاصة تلك التي لم تستأنس بعد بالترويض ، والتي بدأت تألف المضمار بعد ما كنت خارجه.
لقد وضع الإمبراطور ساركوزي في حسابه الأحصنة دون اعتبار لشعوب الحوض الناقمة التي لم تندمل بعد جراحها بسبب أشرس احتلال فرنسي بغيض في التاريخ الحديث ، والتي يعاني رعاياها عبودية المهجر الفرنسي حيث العنصرية السوداء بالمذاق الفرنسي المر.
لقد شيد الإمبراطور ساركوزي إمبراطوريته على شفا جرف هار ، واستفاق من حلمه اللذيذ ليجد نفسه فوق منصة استعراضات 14 يوليوز وبدون إمبراطوية لأن الحصان الليبي تنبه للعبة ، والحصان التركي يريد سباقا في مضمار ولا يريد جر العربة ، ولأن أحصنة أخرى توجست من جر العربة خيفة وفوق صهواتها عبء الفارس الصهيوني المنتن ، وتحت أقدامها براكين الشعوب الناقمة على حلم ساركوزي و التي تغلي كغلي الحميم ، وتوشك أن تلقي بالحمم في ظروف أزمة عالمية خانقة سببها صراع الإمبراطوريات.
محاولة ساركوزي تحقيق حلم إمبراطوية فرنسية تنافس الإمبراطورية الأمريكية بقلم:محمد سعيد أبو مجد
تاريخ النشر : 2008-07-15