فـي الذكرى الخمسين لرحيل ملك العراق بقلم:سلمان الخطاب
تاريخ النشر : 2008-07-14
سلام عليك يا فيصل الثاني وأنت في الشهداء ولم تتجاوز الثالثة والعشرين، وقد جئت بشرى للعراقيين لتواصل حمل راية الهاشميين في زمن عراقي صعب لم يدركه يومها من خرقوا السفينة واحرقوها الاّ بعد خراب البصرة والعراق كله .. وهانحن نعيش العراق الذي لم تتمكن ايها الملك من قيادته الى بر الامان لأن يد الغدر امتدت لك ولعائلتك لتكون المأساة التي لا تشبهها مأساة ويكون جرح العراق النازف الذي مازال حتى الآن .. وكأن اللعنة من يومها حلت باستقرار العراق وأمنه من سفك دمك على ترابه لتتواصل المأساة خلف مأساة جدك الحسين الاول في كربلاء ..كان جدك فيصل الاول الذي تحمل اسمه قد أسس الدولة العراقية التي لم تكن قد قامت قبله فقد اقترنت نشأتها به كما اقترنت نشأة الجيش العراقي ايضاً الذي بدأت تشكيلاته في 6/1/1921 ليكون اول الجيوش العربية واكثرها انضباطاً واحترافا في العراق التفت العشائر العراقية حول عرشك وكانت قد هدأت بمجيئك الى سلطاتك الدستورية وتسلمك زمام الأمور حين نودي عليك ملكاً في 2/5/1953 فقد اضطرب العراق قبل مجيئك لعوامل عدة منها استعجال العراقيين لانجاز الاستقلال الذي وضع الهاشميون حجر أساسه .. كانت البداية عهداً زاهراً فالدستور الذي وضع في الخمسينات دعي الى تكريس العدالة والحرية والمساواة والحقوق والواجبات وان احترام الغير واجب مقدس والملك مصون غير مسؤول اي انه لا يمارس المسؤولية التشريعية ولا التنفيذية بل يمثل خيمة كل العراقيين.تلك كانت الملكية الدستورية في العراق وقد كان الملك يكلف احد زعماء الكتل النيابية في البرلمان لتشكيل الوزارة التي تمثل السلطة التنفيذية ويحاسبها ويشرع لها البرلمان الذي كان يتألف من مجلس نواب منتخب ومجلس اعيان يختاره الملك حسب صلاحياته الدستورية في العهد الملكي الذي مضى على تقويضه والانقلاب عليه خمسين سنة. أسس كلية الطب العراقية.وكلية الحقوق العريقة ودار المعلمين العالية وكلية الملكة عالية . كان المشهد المؤثر الاخير يوم وقف الملك قبل اغتياله ليلوح بيديه وبكل محياه الجميل الباسم على شعبه في ساحة الكشافة في اسبوع البطولات الرياضية كان العراقيون في أغلبهم قد استبشروا خيراً بالملك الشاب فهتفوا وصفقوا له.. كان يلوح وقد عاهدهم ان يخدم بلدهم ويضعه على طريق الاستقلال الناجز والتقدم والرفاه .. كان قد أسس في عهده ومن خلال ملوك الهاشميين الثلاثة مجلس الاعمار الذي اقيم في ساحة الملكة عالية كما انجزت سدود ومشاريع ري في الوسط والجنوب وفي منطقة الثرثار ودوكان ودرنبدي خان وكانت تلك المشاريع قد اوقفت غرق بغداد المتواصل من مياه دجلة وتهديد هذه المياه.. وفي ذلك العهد ايضاً أرسى الملك الراحل بناية جامعة بغداد في الجادرية. كما اقام بيوتاً لذوي الدخل المحدود جرى توزيعها عليهم في مدينة المأمون جانب الكرخ وما زالت قائمة حتى الآن وفي السياسة الخارجية أنجز العهد الملكي للعراق مكانة عربية دولية مرموقة فالعراق بفضل الملكية كان اول دولة عربية تدخل في عضوية عصبة الامم وكذلك الجامعة العربية التي كان فيها مؤسساً وأقام أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية فقد كان الملك سعود بن عبد العزيز اول الملوك الذي لبّوا دعوة الملك فيصل الثاني لزيارة العراق عام 1957 وقام ايضاً مع وفد عراقي بزيارة الملك سعود في الرياض.. وتمتعت العراق في ظل فيصل الاول على صغر سنه وقلّة تجربته وقصر عهده بعلاقات عربية ودودة. وحتى مع دول الجوار مثل تركيا التي وقع معها معاهدة وكان مقرراً ان يصلها يوم اغتياله للالتقاء بخطيبته الأميرة فاضلة وهي تركية. وكانت العلاقات مع ايران جيدة وكذلك مع سوريا اضافة الى الاردن الذي اعد للوحدة الكاملة مع العراق اثر اتحاد مصر وسوريا وشيوع فكرة الوحدة العربية .ووقع الاتفاق في 14/2/1958 اي قبل يوم الانقلاب ب(5) اشهر وقد كان رئيس الوزراء الاردني ابراهيم هاشم ووفد مرافق معه في زيارة العراق يوم الانقلاب وقد استشهد يومها وقضى على أمل الوحدة التي استشير بها العرب جميعاً . كان فيصل الثاني ذكياً وقد ابعد من حوله من كانوا من اختيار الوصي عبد الاله ممن كان لهم تأثير سلبي على العرش وقد ساعد ابتعاد خاله على ان يختار رجالاً مميزين ومن ذوي الاختصاص والأهلية .. اليوم ذكرى خمسين سنة على الفجيعة ومازال العراق العزيز مدرجا بدمه يتخبط منذ حرف الانقلابيون سفينته واضاعوا البوصلة وارتكبوا جريمة بحق العراق وشعبه وحق الانسانية حين اغتالوا الهاشمي الذي نذر وجده وأجداده أنفسهم لرفعة شأن الأمة واستقلالها. وهذه الذكرى تلهم بالدعاء ان يرحم الله الملك فيصل الثاني وعائلته الشريفة شهداء العراق والأمة وان يحفظ من نجوا من المجزرة ومن جاءوا من سلالة الحسين الاول شريف مكة ممن يحملون الراية ويواصلون الصبر على المكائد ولهم في الحسين بن علي شهيد كربلاء الدرس في الامساك بالحق والدعوة اليه .. ما زال العراق منذ14/تموز يبحث عن الخلاص وما زالت الملكية علامة فارقة في اقامة الدولة العراقية واستقلالها ووضع البنية الأساسية لها وما زالت أجيال العراقيين تتذكر ذلك اليوم بالتأسي عليه بعد ان جربوا غيره!!!