كيف أصبحت سوريا بموقع المكسيك وأكثر بالنسبة لواشنطن والبلد الأهم عالميا في الشرق الأوسط؟ بقلم:سمير عبيد
تاريخ النشر : 2008-07-14
كيف أصبحت سوريا بموقع المكسيك وأكثر بالنسبة لواشنطن والبلد الأهم عالميا في الشرق الأوسط؟ بقلم:سمير عبيد


كيف أصبحت "سوريا" بموقع "المكسيك" وأكثر بالنسبة لواشنطن... والبلد الأهم عالميا في الشرق الأوسط؟

الكاتب والباحث سمير عبيد*



لقد حرص الرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته التي يُهيمن عليها المحافظون الجُدد، وبالأكثرية اليهودية المتشدّدة والمتآخيّة مع المجموعات المسيحية المتصهينة، وقبل انتهاء فترة إدارته، بأن يُصار إلى ربط إسرائيل ومباشرة بالمنظومة الأميركية التابعة للأمن القومي الأميركي.

وبالفعل تمكنت إدارة الرئيس بوش من الضغط على الكونغرس الأميركي، فتم تمرير الموافقة والقرار الذي ينص على ربط إسرائيل بالمنظومة الأمنية الأميركية، أي أصبحت إسرائيل الولاية الأميركية التي تحمل الرقم (51)، وبهذا يحق للإسرائيليين الجلوس في جلسات وغرف عمليات الأمن القومي الأميركي، ويحق لها الحصول على ما هو جديد من التعليمات والتدريبات والأسرار والأسلحة والتكنولوجيا، ولها الأولوية في تبادل المعلومات السريّة والتي تخص منطقة الشرق الأوسط والعالم،.

لا بل ستصبح إسرائيل هي صاحبة الفضل على الولايات المتحدة، وبحجة أنها الناطور والحامي للمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بواجبها اللوجستي والمالي والعسكري اتجاه إسرائيل، و كونها تمثل الخط الأول والمتواجد في الثغور ودفاعا عن الولايات المتحدة من وجهة نظر إسرائيل واللوبيات اليهودية والإسرائيلية في الولايات المتحدة والعالم.


وهذا يعني أن إسرائيل الآن هي الولايات المتحدة المصغّرة في الشرق الأوسط ، وبمعنى آخر لقد أصبحت إسرائيل عيون وأطراف وجسد وقوة وغطرسة أميركا في الشرق الأوسط، هذه المرة بصورة رسمية، وبذلك نستطيع القول:

" لقد أصبحت حدود الولايات المتحدة الأميركية الرسميّة بجوار سوريا... لذا أصبحت وستصبح سوريا بأهمية المكسيك وأكثر بالنسبة لواشنطن"...!.

ونتيجة هذا الإنجاز التاريخي بالنسبة لإسرائيل وشعبها وقادتها ،وهو أن تكون الولايات المتحدة وبقوتها وتأثيرها حليفة رسميّة لإسرائيل، وهذا يعني ومن الآن أن من يتحرش أو يتآمر أو يقترب من إسرائيل، فهو يتحرش ويتآمر ويقترب من الولايات المتحدة، وأن من يطلق صاروخا، أو يقذف حجارة ،أو يقوم بعملية فدائية ضد إسرائيل، فهذا يعني إطلاق الصاروخ وقذف الحجارة والقيام بالعملية الفدائية ضد الولايات المتحدة.

وكذلك ومن الآن أصبح من يجرح أو يقتل أو يبتز أو يضايق أو يخطف مواطنا إسرائيليا فهذا يعني أنه جرح أو قتل أو أبتز أو خطف مواطنا أميركيا ،وتطبيقا لقرار الكونغرس الأميركي الأخير، والذي ربط إسرائيل بأميركا أمنيا، أي أصبح الأمن القومي الأميركي ممتدا من الأراضي الأميركية نحو إسرائيل، وحتى الحدود مع سوريا ولبنان!.

أي بمعنى أخر، فأن أبواب الجحيم والشر قد باشروا بفتحها تدريجيا ضد العرب والمسلمين بشكل عام ، وضد المقاومين العرب والمسلمين بشكل خاص، أي أن الولايات المتحدة في طريقها لمرحلة جديدة من وراء ربط إسرائيل بالمنظومة الأمنية الأميركية وجعلها الولاية 51 ، وهي مرحلة من مراحل الحملة ضد مايُسمى بالإرهاب،.

ولهذا جاءت خطواتهم الإستباقية من خلال الحرب النفسية والإشاعات التي تطلقها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد سوريا وإيران وحزب الله ،وضد جميع الخصوم في المنطقة ، والخطوات الإستباقية التي جاءت على شكل قرارات " غير ملزمة " من الكونغرس، ونستطيع أن نطلق على العام 2008 هو عام القرارات " غير الملزمة " من الكونغرس الأميركي، والتي كلها ضد العرب ولمصلحة إسرائيل، وهدفها هو تحجيم دور العرب والمسلمين بشكل خاص، مع إطلاق جميع المديات البشرية والعسكرية والتكنولوجية والحربية والسياسية والتجارية والاقتصادية والاستكشافية للأميركيين، ولمن يركب معهم في مراكبهم، وحتى وأن كان عربيا أو مسلما .

ومن هذه الخطوات التي ستخنق العرب والمسلمين إستباقيا، وضمن لعبة القرارات غير الملزمة، والتي ستكون ملزمة ، ولكن في أوقات قادمة،و ستحددها واشنطن وتل أبيب ، وجميعها لصالح حماية وعملقة إسرائيل في المنطقة، وهنا نعطي مثالين من أمثلة كثيرة.:

1. لقد أصدر مجلس النواب الأميركي " الكونغرس" قرارا ـ غير ملزم ـ وبالإجماع في 22 حزيران 2008 يتهم فيه الحكومات العربية بقمع الصحافة والتحريض على " معاداة الساميّة " و قدمه النائب اليهودي " جاي إيكرمان " رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط بلجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب.

2.
ناقش الكونغرس الأميركي في حزيران 2008 مشروعا خطيرا هو الآخر، وهو المشروع الذي تبنته المنظمات المناصرة لإسرائيل والذي يهدف إلى منع العرب من مقاضاة الأميركيين " يتهمونهم جزافا " بالإرهاب، ولقد قدمه لمجلس الشيوخ كل من السناتور " جو ليبرمان" والسناتور الجمهوري " آرلن سبيكتر " وهما من صقور اليهود في مجلس الشيوخ، وتقدم بالنسخة المقابلة في مجلس النواب النائب اليهودي " توني وينر" الذي يمثل نيويورك، والنائب المتطرف " بيتر كنيج" والأخير أستهدف من قبل مناهج التعليم في المملكة السعودية!.

وهناك أمثلة كثيرة ، وجميعها تهدف إلى حصار الإنسان والمواطن العربي، وتجريده من النقد والاعتراض والرفض والثورة، بل عليه أن يقبل بجميع الإملاءات الأميركية، والقبول بزعامة إسرائيل المطلقة على منطقة الشرق الأوسط، ،ونيابة عن الولايات المتحدة، أي القبول بفكرة أن تكون إسرائيل هي العراب "GODFATHER" بالنسبة لدول وشعوب منطقة الشرق الأوسط !.

لذا.. وبما أن دول المغرب العربي بعيدة عن الشرق الأوسط،، وبعيدة عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي ، فلقد أدخلت في أتون البطالة والفقر والأميّة، والمخدرات، والكوارث الاجتماعية ،فبقيت بعيدة عن هموم المشرق العربي، وأخيرا قد أصبحت على أبواب المشروع الطائفي والإثني، وعلى مشروع الإرهاب بحجة ظهور وانتشار الحركات الإسلامية المتطرفة، والتي تمتلك علاقات مع تنظيم القاعدة حسب الإعلام الغربي والأميركي، وهذا يعني أن منطقة المغرب العربي قد دنت كثيرا من مسلسل التدخل والغزو والحصار والمطاردة من قبل الولايات المتحدة والغرب وبحجة مطاردة الإرهاب، وسوف يطول هذا المسلسل ،وسيأخذ سنوات ولحين الوصول إلى تجسيد المشروع الإثني والطائفي والمذهبي في دول المغرب العربي، والهدف خلق دويلات ومشيخات وزعامات طائفية وقبلية وإثنية ومناطقية ومثلما هو حاصل في العراق الآن!.


وبالعودة إلى المشرق العربي:

وبعد غزو العراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة التي سلمته إلى إسرائيل لتنفذ به مشاريعها التلمودية التي تؤمن بالتقسيم والتفتيت الإثني والمذهبي والعِرقي ليكون الوصفة الجاهزة لبقية الدول العربية حسب المنطق الصهيوني التي نقلته وثيقة ( كيفونيم) الإسرائيلية، فلم يعترض عليها أحد، أو يجابهها أحد من العرب، بل هناك من أشترك ولا زال يشترك مع الأميركان في احتلال وتدمير العراق.

لذا لم يقف بوجه هذا المخطط إلا " سوريا " وبمساندة إيرانية ،وبعد أن ركبت الدول الخليجية في مركب الولايات المتحدة، وخصوصا عندما وجدت نفسها بين إيران من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى، وعندما برعت الأخيرة بترهيب وزرع الخوف عند الدول الخليجية من إيران.

لذا لم يبق من المعادلة العربية إلا مصر والسعودية والأردن، وهي مجموعة الدول التي لها مصالح مشتركة وعميقة مع الولايات المتحدة، وخصوصا بالنسبة للسعودية التي لا يمكن أن تنفصل عن الولايات المتحدة، أما الأردن ومصر فلن تتمكنا من الوقوف بوجه الولايات المتحدة، ولا حتى اعتراضا لفظيا لأن مصر والأردن يعيشان على المساعدات الأميركية.

أما السودان فهو بلد غارق تماما في مشاكله الداخلية، وليبيا طلقت العرب وتزوجت أفريقيا، أما لبنان فهو البلد الذي تتصارع عليه الأنظمة العربية والإقليمية والدولية، ولأهداف مختلفة، وأولها من أجل حصار سوريا و من خاصرتها اللبنانية ، وثانيها فهناك مخطط أميركي وغربي بأن يكون لبنان قاعدة عسكرية كبرى، ومهمة في الشرق الأوسط، أي يكون منتجعا للقوات الأميركية والغربية التي ستهيمن على منطقة الشرق الأوسط ،وضمن المشاريع الجديدة التي تريد فتح المنطقة كليا ومن الهند حتى لبنان ، ومن بحر قزوين وجمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق حتى الشواطئ المغربية الأسبانية!.


ومن هنا جاءت أهمية سوريا إستراتيجيا وسياسيا، فسوريا تقف عند شبكة الطرق الدولية والإستراتيجية، أي على مفاصل جميع الطرق الإستراتيجية، والبحرية، والجوية، والبرية التي رسمتها أو تريد رسمها الولايات المتحدة وإسرائيل والقوى الغربية التي تحالفت معهما.

ومن هنا جاء الاهتمام الإيراني بسوريا، وأخيرا تيقنت الولايات المتحدة والدول الغربية وإسرائيل بأن لسوريا دورا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط ، فهي الدولة الأهم وعلى الإطلاق في منطقة الشرق الأوسط بعد العراق الذي أنكسر ظهره بدعم عربي ودولي .

فسوريا تمثل الشوكة في أفواه الجميع ،وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل، ومهما كابرت الأولى والثانية، فسوريا تمتلك أوراقا كثيرة، بل لديها فائض في الأوراق الإستراتيجية، خصوصا بعد نجاحها في تحصين جبهتها الداخلية، وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي العادي، فيما لو تكلمنا عن دخل المواطن السوري، و قياسا لبلد لا يمتلك إلا الزراعة، وبعض الثروات الأخرى، ونسبة ضئيلة من النفط،.


العوامل التي عززت الموقف السوري عربيا وإقليميا ودوليا:

1. نجاح القيادة السورية بقيادة المركب السوري وبهدوء وسط بحر متلاطم ، وقراصنة متربصون بهذا المركب ومن جميع الجهات، وجاء بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية، والدعم من الأصدقاء وبمقدمتهم إيران، أي نجاح القيادة السورية في الميدان التكتيكي والإستراتيجي، وهي نقطة مهمة تُحسب للرئيس السوري بشار الأسد.

2. الموقع الجغرافي جاء خدمة وتعزيز للموقف السوري بنظر جميع الفرقاء الدوليين والإقليميين، فهي على تماس وتشترك مع الدول العربية وقضاياها بل هي في قلبها، وكذلك تشترك وعلى تماس مع الدول المتوسطية عربيا وغربيا، وبنفس الوقت هي على تماس مع بيت "الكنّة" الأميركية في المنطقة وهي إسرائيل، وخصوصا في الوقت الحاضر، حيث أصبحت سوريا ،ومن وجهة النظر الإستراتيجية والأميركية على حدود وجارة مع الولايات المتحدة، فيما لو أخذنا بنظر الاعتبار قانون الكونغرس الأميركي الأخير و الذي ربط إسرائيل بمنظومة الأمن القومي الأميركي، وكذلك فيما لو أخذنا بنظر الاعتبار أهداف الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين "حكومة نوري المالكي وإدارة الرئيس بوش" والتي تجيز للولايات المتحدة البقاء في العراق لأمد طويل، ويحق لها الانطلاق من العراق نحو الدول وبحجة مطاردة الإرهاب بموجب هذه الاتفاقية .

وهذا يعني أن سوريا ستكون على حدود قلقة مع أميركا من جهة العراق، وكذلك على حدود مع أميركا من الجهة الإسرائيلية، وبهذا ستصبح سوريا أهم من دولة " المكسيك" بالنسبة للولايات المتحدة..... ومن هنا جاء التنافس الغربي والدولي والإقليمي على سوريا ،وعندما صُدّوا جميعا بالصخرة السورية، عادوا ليقدموا الإشارات الإغرائية، والحركات الإستلطافية إلى الفارس السوري، ناهيك عن التلويح بالمعاهدات والاتفاقيات والبرتوكولات البرية والبحرية والجوية والدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وسط ثبات سوري رائع!.

3. الجبهة الداخلية السورية...لعبت دورا كبيرا وحاسما في نجاة سوريا، والشعب السوري، والقيادة السورية من الأزمات والصدامات والمكروه، فالشعب السوري أخذ درسا من العراق، فضاعف من تكاتفه، وعلّق خلافاته مع خصومه، ومع "بعض " الخطوط داخل السلطة، بل أزاد بزهده وضمن إستراتيجية " نجوع ونبرد ونمرض أفضل من أن نُستعبد من قبل الغزاة"، وكان رأي الشعب السوري صائبا، وكانت قيادته حريصة على تكريمه وبأكثر من مناسبة، ومن خلال زيادات الرواتب والمعاشات، وتخفيض الأسعار على بعض السلع، وإصدار القوانين التي حررت المواطن من القيود والضرائب والممنوع، ولقد توقع أعداء سوريا بأن هذه القرارات سوف تميّع وترهل الجبهة الداخلية ولكن حدث العكس ، ولهذا وبعد عجزهم من اختراق الجبهة الداخلية السورية ذهبوا من الجو ليقصفوا الصحراء ويدعوا بأن هناك مفاعلا نوويا ،والهدف واضح وهو نسج قصص ومسلسل من أجل اختراق الجبهة الداخلية، وجاءت أخيرا أحداث سجن "صيدنايا" والتي كشفت بوقت قياسي، وعندما وجدت هواتف الثريا والأموال الضخمة داخل السجن وفي أماكن قريبة من السجن وكانت مطمورة في التراب، وكله كان بتخطيط مخابراتي دولي اشتركت وللأسف الشديد به بعض المخابرات العربية!!!.

4. ثبات القيادة السورية وابتعادها عن التذبذب، والنجاح في توزيع الواجبات والمهام داخل الهرم الحكومي والمنظماتي ، أعطى صورة واضحة بأن هناك قيادة قوية وثابته، مما أنعكس على البعثات السورية في الخارج ،والتي نجحت بامتصاص جميع وسائل الترغيب والترهيب من قبل الدوائر الغربية من أجل إقناع بعض السفراء والدبلوماسيين والمبتعثين من الانشقاق وطلب اللجوء، بحيث عجزت القوى الدولية من الحصول على سفير أو دبلوماسي واحد.

5. الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لسوريا لعبت دورا مهما في بقاء سوريا قوية، لأنها تقع ضمن خطوط عرض وطول سياسية وإستراتيجية مهمة، لأن الانهيار السياسي في سوريا " لا سمح الله" سوف يجعل العراق والأردن والسعودية ومصر، ولبنان وفلسطين المحتلة بما فيها السلطة الفلسطينية في مهب الريح وساحة كبرى للخلايا المتطرفة والإرهابية.

6. الموقع السوري المهم بالنسبة لحوار الأديان والثقافات، فسوريا تمثل الأرض الخصبة والناجحة لحوار الأديان والحضارات والثقافات، لأنه البلد الوحيد الذي لا زال يمتلك التراث والرموز الحضارية والدينية التي تجمع الأديان والثقافات معا، فهناك قرى سورية لا زالت تتكلم لغة السيد " المسيج" وهناك كنائس ومساجد وطرق سُلكت لا تقدر بثمن، بل هي أدوات تشجع على التلاقي والحوار والنقاش والتآخي، ولو ذهبتم إلى بعض القرى الإسلامية المجاورة إلى بعض القرى المسيحية ستجدون سكانها يتكلمون لغة السيد المسيح أيضا ،وهم من المسلمين، وهذا يدل على التآخي والتلاقي بين الإسلام والمسيحية، وبين الشرق والغرب.

7. موقع سوريا المهم والإستراتيجي قرب المياه الدولية أي " البحر المتوسط" جعلها دولة مهمة وإستراتيجية بالنسبة للدول الكبرى في مجلس الأمن، وبالنسبة لدول حلف الأطلسي " الناتو" ، وللدول الإقليمية في المنطقة، فهناك تنافس دولي وإقليمي على السواحل والموانئ والمياه السورية، ولقد خدم هذا التنافس القيادة السورية والشعب السوري، وجعل سوريا رقما صعبا في المعادلات الإستراتيجية، بحيث أصبح السؤال البسيط يتداول في أروقة غرف عمليات الدول الكبرى وهو" لمن سيكون هذا الموقع الإستراتيجي وهذه الدولة الإستراتيجية فيما لو تصدع النظام في سوريا؟ فهل سيكون لتنظيم القاعدة والخلايا المتطرفة؟ فحينها ستكون الكارثة على المنطقة والعالم أجمع"... من هنا سرت العقلنة عند بعض الدول الكبرى، وبمقدمتها فرنسا التي وجدت بأن القيادة السورية جيدة، ولكن ينقصها الدعم المعنوي والورشي" التدريب" والتكنولوجي والمادي لتسارع في عمليات الإصلاح السياسي والاجتماعي والقضائي والقانوني والنقابي وغير ذلك، خصوصا وهي التي قطعت شوطا لا بأس به في الإصلاح الاقتصادي والاستثماري والسياحي والإعلامي والقضائي وغير ذلك.

8. نجاح القيادة السورية بعدم عسكرة الشارع والمؤسسات، فلقد كانت هذه الخطوة رائعة وإستراتيجية ، بحيث ورغم التهديدات الخطيرة ضد سوريا، ولكن لن تجد دبابة أو مدفع أمام البنايات أو في تقاطع الشوارع وكذلك لم تجد نقاط التفتيش المبالغ بها بين المدن وداخل العاصمة السورية ، فلقد كانت بالفعل خطوة مهمة للغاية جعلت الشعب والجيش والقيادة في حالة مريحة، وحالة نفسية مستقرة...... والخطوة الأخرى الناجحة هي أبعاد الحزب" حزب البعث" عن واجهات دوائر الدولة والنقابات، أي عدم ظهور الحزب والحزبيين " البعثيين" في الشوارع والمؤسسات والجامعات، بل حددت واجباتهم ومهامهم، وحتى وأن وجدوا في المؤسسات والدوائر فهم بدون ملامح عسكرية ومليشياتية مثلما كان البعث في زمن النظام العراقي السابق!.

9. طبيعة الشعب السوري خدمت القيادة السورية، وخدمت الوطن السوري، لأن المواطن السوري يمتلك ثقافة التقشف دون الإنهيار والتشكي، فلقد لعبت تلك الثقافة دورا بأن تجعل المواطن السوري زاهدا ولا يبحث عن المزيد من المجهول، وبالتالي يقع فريسة للأجهزة المخابراتية المعادية، وفريسة للتنظيمات الإرهابية، فلقد جاءت سياسة التقشف الموروثة نعمة للشعب السوري ولسوريا، أي حصّنت المواطن السوري من الانزلاق في بؤر الإرهاب والعمالة والتجسس!.

10. الثبات على الموقف القومي وبأحرج الظروف عزز سوريا والقيادة السورية بعيون العرب جميعا، فسوريا ورغم ظروفها الصعبة، ورغم أنها تعاني من اقتصاد ضعيف، ورغم أنها مهددة من أعداء كبار، وبمقدمتهم الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الأنظمة الغربية والعربية، ولكنها لم تغلق حدودها بوجوه العرب، ولم تغلق حدودها بوجوه المحتاجين واللائذين من الجور والضيم والقهر الاقتصادي والسياسي، بل كانت ولا زالت وطنا وبيتا آمنا لجميع العرب ، ورغم هذا كله، ورغم التهديدات الخطيرة فهناك ثقة بالنفس.



فكل ما تقدم وغيره حتّم على الدول الكبرى، وعلى إسرائيل أن تتحرك نحو دمشق طلبا لفتح باب المفاوضات حول ملف " الجولان"، وطلبت بعض الدول الكبرى الحوار مع دمشق وبجميع القضايا، وهذا ما فعلته فرنسا وبدعم من ألمانيا وأسبانيا وايطاليا، حيث توسلت بأن يقبل الرئيس السوري بشار الأسد الدعوة لحضور القمة " المتوسطية" في باريس، ليجلس مع 40 قائدا من العالم " أي مع 40 ضيف هم الرجال الأوائل في دولهم" ناهيك عن الوفود المتمثلة بشخصيات أقل، ولقد نجح الرئيس الأسد من أن يجبر باريس وقصر الإليزيه بأن يفرش له السجاد الأحمر ليسير عليه بجوار الرئيس الفرنسي ساركوزي، فلقد وصفته صحيفة " ليموند" الفرنسية بالرئيس المتواضع والعاقل والصادق، وقالت هو الرئيس الذي صدق عندما قال أن الحرب على العراق كارثة على أميركا والعالم قبل أن تكون كارثة على العراق والمنطقة ، وعاقلا وصادقا عندما طرح أفكاره ولا زال مصرا عليها.

فالحقيقة يجب أن ندعوا للرئيس الأسد بالنجاح خصوصا وأن الشارع العربي يموج، ويبحث عن رمز عربي يلتف حوله في هذا المخاض العسير، والذي تمر به المنطقة والأمة العربية... فعلى الجميع نسيان غيرتهم من القيادة السورية ، ونسيان اختلافاتهم مع سوريا من أجل دعم سوريا لتسجل وبإسم العرب موقفا كريما وخالدا لأننا مللنا الخسارة والخذلان!.


• مركز الشرق للبحوث والدراسات ـ أوربا
• 12/7/2008