صحف متورمة ! بقلم:انور الوريدي
تاريخ النشر : 2008-07-13
صحف متورمة !

الكثير من الصحف العربية اليومية مصابة بالتورم المرضي ، فهل يعقل أن يصل عدد صفحات جريدة يومية إلى ستين وسبعين صفحة مع الملاحق الكثيرة المتنوعة الفارغة ؟ حتى أصبح قارئ الصحيفة يصاب بالضجر من تقليب تلك الصفحات الفارغة حتى يصل إلى بعض ما يريد.
ويظن من يرى هذه الصحف أنها تحوي الهام والخطير من الأمور التي لا غنى عنها للقراء ، ويخال أنها تسعى لخدمة قضايا الأمة المصيرية وتساهم في رفعتها، ويحسب أنها مليئة بالدسم. وعندما يبدأ القارئ بتقليب الصفحات ومطالعتها؛ يفاجأ ويصاب بالصدمة ويحضر إلى ذهنه فورا المثل القائل : لقد استسمنت ذا ورم ،وينبجس من شفتيه بيت المتنبي :
أعيذها نظرات منw

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
فبماذا تمتلئ هذه الصحف المتورمة؟ عدا عن الأخبار السياسة والعسكرية التي تتناقلها وكالات الأنباء وتبثها وسائل التلفزة وتطالعنا بها المواقع الإلكترونية والتي لا ينظر إليها أحد في الصحف؛ لأن المعظم يكون قد سمعها وعلم بها فور وقوعها عبر تلك الوسائل التي ذكرناها آنفا ؟
تحوي صحفنا التورمة في غالبيتها ولا أقول جميعها أخبارا لا قيمة لها حول استقبال المسؤول الفلاني لمسؤول من الدولة الفلانية والمباحثات دائما مثمرة وناجحة في حين لا أحد يرى ثمارا، وتنقل لنا خبرا استقالة عن نائب في حكومة إقليمية في شمال أو جنوب نيبال ، أو خبرا عن ولادة أم لثلاثة توائم في محافظة كذا وأن الأم والمواليد بصحة جيدة، وقد وأشرف على ولادتها طاقم برئاسة فلان ، وكأن هذا الخبريستحق إفراد ثلاثة أسطر له في صحيفة يومية ، مع أن ولادة التوائم الستة والسبعة لم يعد خبرا في ظل المنشطات والهرمونات.
أما فيما يتعلق بصفحات الآراء؛ فمقالات وتعليقات مكرورة أعيدت مئات المرات ، وتببؤات وتحليلات فشل أصحابها في التحليل للأحداث القريبة منا بالأمس وما زالوا يطبقون التحليلات ذاتها على ألأحداث الحالية ، وتحوي صحفنا لقاءات ومقابلات مع سياسيين ومفكرين حسب زعمهم للحديث عن بطولاتهم وأعمالهم العظيمة.
وفي الصفحات الفنية والأدبية فالمقابلات مع أناس يرتبطون غالبا بعلاقات مع محرري تلك الصفحات ، ولا مكان للقاء ولا للنشر لمن هم من غير شللهم .
أما عن الحليلات الاقتصادية فحدث وحدث ولا خوف من الحرج، فلا تضخم ولا فشل سياسات بل نمو ونمو ونمو .
وسوى هذا وذاك ، فالحيز الأكبر للإعلانات، ولصفحات الوفيات، ومعروف أن صفحات الوفيات هي الأكثر مصداقية وموضوعية وحيادية، ويتمتع محررها ( لا أدري إن كان لها محرر ) بالمهنية والحر فية والصدق والسبق الأعلامي.
إن أهم الصحف العالمية لا يزيد عدد صفحاتها عن ثماني أو عشر صفحات ، وأذكر كمثال صحيفة ( اللموند ) الفرنسية الشهيرة التي لم أقرأها ولا مرة واحدة كوني لا أجيد الفرنسية، ولكنني رأيتها وقرأت وما زلت أقرأ الكثير ما يترجم منها، وهي في الغالب لا تتجاوز التسع صفحات وهناك الكثير من الصحف العالمية الشهيرة المرموقة كذلك لا تزيد صفحاتها عن مثل ذلك .
فهل تتعافى صحفنا من هذه الأورام التي تثقل كاهلها وتنحو نحو المهنية والاحتراف والخبر الهام والتحليل الموضوعي واللقاء العميق مع الشخص المؤثر الصادق؟
انور الوريدي الزرقاء الاردن