شعب مصر.. مازال بالشارع بقلم:جمال علي حسن
تاريخ النشر : 2008-07-13
شعب مصر.. مازال بالشارع

كتبت سابقا مجموعة من المقالات بعنوان.. "الضربات الزلزالية وسياسة زراعة الوهن".. أحاول فيها تتبع ما جرى لأمتنا العربية.. وكيف انقلب حالها من قيادة حركة التحرر العالمية.. إلى هذه الحالة المهينة.. التي أصبحت فيها تحت هيمنة الاستعمار العالمي ومركز انطلاقه لتهديد شعوب الأرض...!!
وأرجعت هذا التحول لسببين.. اشتملهما العنوان.. وهو الضربات الزلزالية التي تضرب أعصاب الأمة وتهز ثقتها.. ثم مجموعة من "زعامات الهزيمة" تتولى سياسة زراعة الوهن والاستسلام بدعوى العقلانية أو الواقعية...
ولقد كانت ضربة السابع والستين.. أدق وأعظم هذه الضربات الزلزالية.. ولم تكن آخرها..كما كانت كامب ديفيد وزيارة القدس أدق وأعظم سياسات زراعة الوهن.. ولم تكن كذلك آخرها...
ولقد استطاعت أمتنا "عسكريا" تجاوز هزيمة يونية.. بمعارك متلاحقة آخرها معارك جنوب لبنان الظافرة بيوليو سنة 2006.. ولكن للأسف الشديد بسبب أنظمة المهانة والذلة.. وإعلام الفجور والرذيلة لم تستطع تجاوز سياسات زراعة الوهن وتعميق الهزيمة...
فوقعت جماهير أمتنا في حفرها ولفتها شباكها المحكمة.. وغطت بصيرتها ضبابيتها.. فلم تستطع الأمة الحراك.. وهي الحالة التي تعانيها أمتنا اليوم وتصطلي بنارها.. حصارا وإفقارا.. واستبدادا ونهبا.. وسيطرة واحتلال...

.................................................

والآن.. أين شعب مصر الثائر.. الذي استمر يصنع التغيير في منطقته ويقود أمته ويعطي المثل الثوري للعالم أجمع .. لأكثر من السبعة عقود.. من بدايات القرن العشرين.. وحتى انتفاضته الشعبية بيناير سنة ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين...

سبعة عقود خرجت فيه جماهيرنا.. في هبات مستمرة بلغت ذروتها مع ثورة 19.. التي استمرت حتى تحقق بعض من صور الاستقلال والدستور سنة 23..
ثم استمرت عطاء وانجاز.. أدبا واقتصادا وفنا وعلما.. ولم يتوقف نضال شعب مصر من أجل الاستقلال الحقيقي وإقامة العدل الاجتماعي.. الذي بلغ ذروته في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي.. بحركات احتجاجية مستمرة ومختلفة.. كان أبرزها حركة الطلبة والعمال...
ثم كانت حركة الجيش.. كردة فعل لهزيمة 48.. التي سرعان ما استجابت لها الجماهير.. خاصة عندما اخرجت الملك الفاسد وأنهت نظامه.. وعندما أعلنت انحيازها لجموع شعب مصر بقانون الإصلاح الزراعي...
ثم كان ثورة الشعب المصري الكبرى بكل طوائفة وتياراته.. استجابة لقيادته يوم التأميم.. وانطلاقه خلفها تحديا للعدوان الغاشم سنة 56.. وانتصارا عليه...
ثم انطلق شعب مصر عطاءا وانجازا.. وثقة وأملا.. يبني في مجالات الحياة جميعها مصانع ومزارع وسدود وترع.. مدارس ومعاهد ومشافي.. ادب وفن وثقافة.. أملا لأمته ونموذج للعالم أجمع.. باعثا للنهضة قائدا للحرية والانعتاق...
ولم يستسلم شعب مصربعد أن تلقى الضربة الزلزالية الأدق والأعنف.. لإيقاف تقدمه ونهضته.. بل خرج في هبته الكبرى رافضا للهزيمة.. مصرا على الثأر وعلى استكمال طريق النهضة والنصر.. تلك الهبة التي تحولت لعطاء وبذل للصمود الاقتصادي وإعادة بناء القوات المسلحة.. وخوض معارك الاستنزاف المظفرة.. عملية وراء عملية.. تجهيزا واستعدادا ليوم الثأر...
وتكررت هبته الكبرى مع رحيل قائده.. سنة 70.. مجددة العهد باستكمال المشوار بمشهد لم يسجل التاريخ له مثلا...
ولم يستسلم شعب مصر.. لسياسات الانحراف عن طريق الحرية والنهوض أو عن طريق الثأر وتحرير الأرض.. الذي سار فيها عقود وعقود من فجر انطلاق نهضته ببدايات القرن.. نتحديا العقبات والإخفاقات مصرا علة الوصل لهدفه في الحرية والتقد والعدل...فكان خروجه المستمر دفاعا عن حقوقه التي بدأ الرئيس الذي استلم السلطة "السادات" النقوص عليها.. وحفاظا على حقه في الثأر لكرامته واسترداد أرضه...
ثم كانت هبته الكبرى مع عبور قواته المسلحة للقناة إلى سيناء المغتصبة.. وتدميرها لخط برليف الحصين...

كان الإشكال الأكبر الذي قاد شعبنا للوقوع في الأزمة التي نعانيها اليوم.. بهذا الرئيس الذي يقود الثورة المضاده.. هو نفسه.. الذي سارت وراءه الجماهير يوم العبور العظيم..
واستمر المأزق والأزمة تتصاعد...
فبعد أن تحقق العبور العظيم.. وبعد أن التفت الجماهير حوله.. استمر "السادات في التنكر لها.. واستمر في التقدم بثورته المضاده لكل نضال شعب مصر بصورها وأهدافها المختلفة عبر المراحل منذ انطلاقها ببداية القرن...
وعندما بلغت الأزمة قمتها خرج الشعب المصري خروجه الكبير والأخير بانتفاضته الكبرى سنة 77...
ولكن.. كانت النخب والقيادات الشعبية المصرية بل والعربية أيضا بغالبيتها- إلا من رحم ربي- قد تاهت في دوامة النصر والهزيمة.. وفي متاهة الثورة والثورة المضادة.. فكانت هبة الشعب الأخيرة عارية من قياداتها الطبيعية...
بل إن هذه النخب ظلت تصدر تيهها.. وضبابيتها.. بل وانحرافها.. لجماهير شعب مصر وتعمق الأزمة والمأزق...
وظلت تنفس سمومها.. حتى تاهت الجماهير لا تجد لها مستقر أو مبدأ تستند عليه وتبني عليه حركتها.. أو تجد لها هدفا توجه إليه حركتها.. مستخدمه كل صنوف التضليل الفكري.. بالكذب الإعلامي والتسطيح الثقافي .. والانحراف بالدين لتفسيراتها.. ولدعم توجهاتها.. وأغراضها لضرب ثورات وحركات بناء شعبنا بكل تاريخه.. قامت بكل ذلك مدعومه من نظام الثورة المضادة التي انقلبت على كل انجاز الشعب المصري بكل تاريخه....

.................................................

والسؤال إلى متى سيستمر التيه..؟
برأيي.. لقد استيقظ شعب مصر وخرج يطالب بحقوقه.. وباقي أن تستيقظ النخب.. لتعيد دراسة أسباب الإخفاق.. وتتمسك بأهداف النضال وتجليها.. أما جماهير شعبها.. ثم تضرب لها المثل والقدوة لتتحرك وراءها الملايين.. كما هو عهد الثورات جميعها...

إن الجماهير العريضة تحتقن وتغضب وتخرج معترضه.. وهذه هي حالة جماهيرنا بمصر.. ولكن القيادات النخبوية لهذه الجماهير هي من تصنع الثورات...

فهل تفيق النخب.. وتتحرك متقدمة الجموع...؟؟!!

.................................................

د/ جمال علي حسن – مصر العربية
[email protected]