لضمان الأمن وتحقيق الأمان لا بد من قانون له أسنان بقلم: آصف قزموز
تاريخ النشر : 2008-07-13
لضمان الأمن وتحقيق الأمان لا بد من قانون له أسنان بقلم: آصف قزموز


لضمان الأمن وتحقيق الأمان لا بدّ من قانونٍ له أسنان


بقلم: آصف قزموز
13/7/2008
لم تكن محاولة اغتيال النائب العام أحمد المغني تشكل مفاجأة أو أمراً غريباً في ظل الظروف المعقّدة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، إنْ على المستوى المحلي والحياة اليومية الداخلية للناس أو على المستوى الوطني والإقليمي المرتبط بوضع القضية الوطنية وبعلاقتها بالمعادلة الدولية وتوازن القوى والمصالح القائم ما بين مختلف مراكز النفوذ وكبيرها الأميركي. فالمسألة الأمنية لم تعد قضية عابرة في حياتنا بل تشكل أساساً استراتيجياً وسياسياً يحمل على كاهله جلّ المشروع الوطني بكل ما يعنيه من مصالح فردية وجمعية لعموم المواطنين، ما يجعل مثل هذا الاعتداء على النائب المغني يشكل مساساً خطيراً ليس بالقضاء الفلسطيني ورجالاته القائمين عليه وحسب، وإنما بمجمل المصالح الفلسطينية التي تسعى للاستظلال به والاحتكام إليه. فالأمن الشخصي سواء لرجال القضاء أو لأي مسؤول من الساهرين على حفظ وحماية النظام والقانون هو جزء لا يتجزّأ من الأمن والسلم الاجتماعي، بل هو جزء من منظومة الأمن الوطني الفلسطيني المتكامل الذي يتمّم بعضه بعضاً. نعم إنه جزء من حالة الاستقرار والأمان التي ظلّ يحلم بها المواطن الفلسطيني وبذل من أجلها كل غالٍ ونفيس وصولاً لقيام السلطة الوطنية الفلسطينية التي نصبو إلى الارتقاء بها وتطويرها نحو الدولة المستقلة، ذات السيادة غير المنقوصة التي تستحق الحياة وتليق بشعبنا، وأي انتقاص أو مساس بأمن المواطن من قبل كائن من كان، إنما هو بالتأكيد اعتداء على السيادة الفلسطينية التي يجب أن تعني لكل منا اعتداءً ومساساً ليس بكرامته الشخصية وحسب وإنما بكرامة الوطن والمواطن الذي يتوجّب أن يشكّل بحدّ ذاته خطّ دفاعها الأول ودرعها المتقدم في وجه كل المتربّصين والحاقدين والفاسدين ممن تقضّ مضاجعهم أية إجراءات جدية للسلطة في فرض سيادة النظام والقانون. لقد بات من الواضح تماماً أن تجاوزات الأمس القريب والبعيد والتعديات على القانون والنظام العام وحقوق المواطنين ومصالحهم في فترة ما كان يسمى حالة الفوضى والفلتان الأمني قد ذهبت إلى غير رجعة وحيث ألقت رحلها أم قشعم، وها هي الخطة الأمنية تسير بشكل مُرضٍ وسلس عَبّرت عنه بجلاء ردود الفعل الإيجابية للشارع الفلسطيني وتقبله برحابة صدر لإجراءاتها وتجلّياتها وأعراضها الجانبية، ولم يعد بمقدور مثل هذا الحادث الذي استهدف حياة المغني أن يعكّر أو يعيق صفو مسيرة فرض النظام والسيادة التي تقوم على تنفيذها أجهزة الأمن الفلسطينية الرسمية ذات القرار الشرعي والرسمي الواحد والإرادة الواحدة والسلاح الشرعي الواحد لسلطة واحدة، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي سواء على المستوى الفردي أو الوطني، ومن على قاعدة اعتبارها جزءاً أصيلاً لا يتجزّأ من مجمل عملية التنمية والاصلاح الإداري. لكن مثل هذه التصرفات والحوادث المنفلتة من عقالها تعيد إلى الأذهان ما كان يجري في الشارع الفلسطيني في السنوات الماضية من جرائم قتل وثأر مروراً بالخطف والاغتصاب والسطو المسلح والتعديات على الحق العام والمال العام ومال الغير وما كان يخلفه ذلك من مشاهد تكسير الشارات الضوئية والاعتداء على المؤسسات الوطنية ومظاهر السيادة الفلسطينية المختلفة. وهو ما يشكل اليوم دعوة جادة وصريحة لكل الأطراف المعنية وأصحاب القرار لاتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الشجاعة والمعزّزة اليوم بدعم واستحسان المواطنين ومؤازرتهم لقطع دابر كل المسيئين الذين يحاولون التجرُّؤ على القانون والنظام والتجاوز عليه وأخذه بأيديهم والعبث بالمصالح الوطنية والفردية دون وازع من ضمير أو حسٍّ بالمسؤولية الوطنية التي ما زالت تتهدّدها المخاطر من كل حدب وصوب وعلى المستويات كافة دون استثناء.
وبصرف النظر عن الانسدادات التي تعتري الأفق السياسي والتفاوضي الخارجة عن إرادتنا الفلسطينية، إلاّ أن أحداً لا يستطيع أن يتجاهل أو ينكر بأن الخطة الأمنية التي انتهجتها السلطة لإحلال الأمن والأمان وترسيخ الاستقرار المتاح للمجتمع الفلسطيني قطعت شوطاً لا رجعة فيه ولا فصال إلى الحد الذي لم يعد مقبولاً استخدام لغة وأساليب المهادنة وحوار الندّ للند مع أي طرف أو فرد مسيء أو خارج على القانون بأي فعل كان لأن ذلك من شأنه أن يضفي شيئاً من الشرعية على الطرف المسيء، ويضعف هيبة السلطة التي اكتسبتها حتى الآن من خلال إرسائها للأسس الصحيحة التي هي بالتأكيد جزء مكون وأساسي للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، ما يجعل المساس بمصالح أي مواطن يشكل اليوم مسّاً وتعدّياً صارخاً على المصلحة الوطنية ككل.
واضح تماماً أن من يقدمون اليوم على مثل هذه الانتهاكات للنظام والقانون والتعدي على مصالح الناس وحياتهم هم من بين أولئك الذين غطسوا حتى آذانهم في الفساد والممارسات الخاطئة التي سيلاحقهم القانون فيها إن عاجلاً أو آجلاً. وبالتالي "يكاد المريب أن يقول خذوني" بل هم من بين أولئك الذين لا مصلحة لهم في ضبط أمن البلد والمواطن وسيادة النظام والقانون، ما يذكّرنا بمن قاموا بالأمس ليس بالبعيد بإطلاق النار على حاجز سردا قرب رام اللّه من أجل أن يعيد جيش الاحتلال إغلاقه لأن لهم مصالح فردية في بقائه مغلقاً ليتكسّبوا منها على حساب مصالح الناس وراحتهم!!
إننا ندرك ومن وحي تجارب الشعوب التاريخية والمعاصرة بروز مثل هذه الظواهر الفلتانية المعادية في المراحل الانتقالية للسلطات ومراحل بنائها وتأسيسها بشكل عام باعتبارها ارتدادات وانعكاسات طبيعة لصراع المصالح التي سَتُمس أو تتضرر من قيام سلطة نظام وقانون تُقَيّد انفلاتها وجشعها الذي كثيراً ما يجتاح بلا هوادة حقوق ومصالح الآخرين. الأمر الذي يحتّم ضرورة وجود أسنان وأظافر حادة للقانون كي يكون أهلاً للردع والصد والبناء. فالفساد الكامن في ملفات القضاء أو قيد الدرس سيظل يشكل عملياً ألغاماً موقوتة تهدّد وتتوعّد وتبعث برسائل التهويش والتشويش، لكن كل هذا لا يجوز ولا بحال من الأحوال أن يثني السلطة بكافة مستوياتها السياسية والقضائية والأمنية عن الاستمرار بالقيام بواجباتها في السهر على تطبيق النظام والقانون وراحة المواطن وأمنه وأمانه الشامل، وبالتالي فإن السلطة مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن تكون السبّاقة في الحرص على التقيّد بمبادئ النظام والقانون والسهر على فرض السيادة الوطنية بالعدل والقسطاس والشفافية الواعية والموجّهة بما يخدم مصلحة المواطن الفلسطيني أولاً ويعزز فرض السيادة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية ومن خلال الالتزام الصارم بمبدأ محاربة وإزالة الأسباب والمسبّبات التي نجمت عنها حالات تجاوز القانون، ذلك لأن زوال مثل هذه الظواهر يكون أولاً وقبل كل شيء بزوال مسبّبات وجودها. واليوم، أصبحت مسألة حفظ النظام وسيادة القانون ونجاح انتشار القوى الأمنية الفلسطينية تشكل معياراً أساسياً في قياس نجاح السلطة الوطنية ومؤشّراً واضحاً على مدى قدرتها وأهليتها لتولي مقاليد السيادة الفلسطينية المستقلة والموعودة بعد زوال الاحتلال عن أرضنا، بل هو أحد العلامات الدالة على بعث روح التفاؤل أو التشاؤم في صفوف الشعب الفلسطيني.
يأتي كل هذا من وحي إيماننا وقناعاتنا بأن الأمن والأمان الفلسطيني بات يشكّل اليوم كلاًّ فلسطينياً متكاملاً لا يجوز تجزئته إلا لضرورات التدرّج في الوصول إلى النجاح المنشود بالتطبيق العملي وفرض سلطة النظام والقانون على الأرض، ذلك لأن الأمن الوطني والاقتصادي والغذائي والسياسي والأمني والوظيفي والمعيشي عموماً كلها مكوّنات ومتمّمات للأمن الفلسطيني العام والسيادة الوطنية، وبالتالي لا يجوز التقليل أو الانتقاص من أهمية أي منها كونها أجزاء أساسية ومكوّناً استراتيجياً في الكلّ الوطني العام الذي يهمنا ويمسّنا جميعاً أفراداً وجماعات سلطة رسمية ومواطنين.
من هنا، فإننا كشعب وسلطة ما زلنا أمام اختبارات صعبة هي بذات الوقت فرصة مهمة لإثبات مدى أهليتنا وقدرتنا على الاضطلاع بمهمات الكيانية المستقلة ذات السيادة، وإننا شعب جدير بالاحترام والتقدير ويستحق أن يكون له كيان مستقل يليق به وبتاريخه وبمستوى تضحياته التي طالما قدمها جيلاً بعد جيل، بل إن نجاحنا اليوم بات مرهوناً وأكثر من أي وقت مضى بمدى قدرتنا على إحداث عملية تكامل وتناغم ملتزمة ما بين الشعب وسلطته الوطنية الواحدة الموحّدة من من خلال إثبات قدرتنا الفعلية على احترام سيادة القانون وتعزيز النظام وممارسته من خلال تجسيد وتجذير مقاليد الحكم الصالح والرشيد عَبر سلطة شرعية واحدة وسلاح واحد يرتكز على قضاء نزيه بشكل يوائم وبعقلانية مسؤولة وواعية ما بين حدود ومحدّدات المصالح الوطنية والاستراتيجية العليا للشعب والتزامات السلطة الوطنية الخارجية منها والداخلية، وكل ما يترتب عليها من استحقاقات وتبعات والتزامات بكل جرأة وشفافية ومصداقية خلاّقة قائمة على السلم الأهلي والمصالح الوطنية والتصالح مع الذات أولاً ومع الناس والآخرين ثانياً وثالثاً. [email protected]