تسلُّح مُنْتِج للضعف!
جواد البشيتي
تجارب الدول العربية في التسلُّح إنَّما تَصْلُح، في العلم العسكري، لتعليم الدول (والشعوب) كيف تتَّخِذ من التسلُّح، ومن مزيدٍ من التسلُّح، سبيلاً إلى الضعف العسكري والسياسي والاستراتيجي، فنحن نملك من السلاح ما جَعَلَ لـ "جيش الدفاع الإسرائيلي" صفة "الجيش الذي لا يُقْهَر".. على أن يخوض حروبه (الدفاعية) ضدَّ دولنا وجيوشنا النظامية فحسب.
لماذا نخشى "جيش الدفاع الإسرائيلي"؟ في مختصَر الإجابة أقول إنَّ دولنا تخشاه (ويحقُّ لها أن تخشاه) لأنَّه يملك نحو 200 رأس نووية؛ ونحن لا نملك من "الطاقة النووية" ما يسمح لنا ولو بإنتاج الكهرباء منها، فكيف لنا ألاَّ نخشاه وهو الذي لا رادع يردعه عن أن يقي نفسه شرَّ الهزيمة باستخدام أسلحة نووية ضدَّنا؟!
وتخشاه، أو نخشاه، لجبروته الجوِّي، فسلاح الجوِّ الذي يملك يمكِّنه من السيطرة المطلقة تقريباً على أجوائنا، فأسلحتنا الجوية، وأسلحتنا المضادة للطائرات، لم تنجح، على وجه العموم، في منعه من إحراز تلك السيطرة، التي بفضلها يستطيع تدمير كثير من منشآتنا وقوانا العسكرية والاقتصادية. ولقد أصبح لدينا من المنشآت الاقتصادية الاستراتيجية والحيوية، المفتقرة إلى الحماية العسكرية، ما يقوِّي الميل لدينا إلى اجتناب كل ما يمكن أن يؤدِّي إلى استفزاز آلة الحرب الإسرائيلية. إنَّ مزيداً من التنمية الاقتصادية، مع مزيدٍ من هذا التسلُّح غير المفيد، لم يُنْتِج إلاَّ مزيداً من الضعف الاستراتيجي في مواجهة إسرائيل، سياسياً وعسكرياً. وأستطيع القول إنَّ قوام وجوهر استراتيجيتنا السياسية هو "فعل كل شيء، وأي شيء، توصُّلاً إلى أن نقي أنفسنا شرور المواجهة العسكرية مع إسرائيل"؛ ولكم أن تتخيَّلوا (بل أن تروا) النتائج المترتِّبة على استراتيجية سياسية كهذه.
نحن الآن في أمسِّ الحاجة إلى أن نبتني قوَّة عسكرية "دفاعية رادعة"، أي تسمح لنا بالدفاع الجيِّد عن أنفسنا، وبردع إسرائيل عن مهاجمتنا؛ وليس من سبيل إلى ذلك إذا لم ننبذ طريقة، أو نمط، تسلُّحنا، فتجارب التسلُّح العربي أثبتت وأكَّدت أنَّ هذا التسلُّح كان ضرره أكثر بكثير من نفعه، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً. تلك التجارب إنَّما تُعلِّم (من يريد تَعلُّم الأشياء غير المفيدة) شيئاً واحدا فحسب، هو كيف تنفق أموالاً طائلة في سبيل التسلُّح بأسلحة لا أهمية تُذْكَر لها، عسكرياً وسياسياً، في مواجهة إسرائيل.
إنَّها أربعة أشياء نفتقر إليها، ولا بدَّ لنا من امتلاكها، إذا ما أردنا ابتناء تلك القوَّة العسكرية الدفاعية الرادعة: "الصواريخ" كتلك التي استخدمها، على خير وجه، "حزب الله" في حرب تموز، وكتلك التي اختبرتها وجرَّبتها إيران، و"وسائل الدفاع الجوي" التي في مقدورها إضعاف قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على تدمير منشآتنا وقوانا العسكرية والاقتصادية، و"الرؤوس الكيميائية والبيولوجية" ما دمنا غير قادرين على امتلاك ترسانة نووية، و"المقاتِل الذي يملك دافعاً قوياً للقتال".
إنَّنا لسنا في حاجة إلى امتلاك أسلحة لا أهمية قتالية لها في مواجهة الجيش الإسرائيلي، كالطائرات والدبابات والسفن، فنحن مهما أنفقنا من مال لن نتمكن من أن نمتلك منها ما يجعل جيوشنا النظامية أكثر كفاءة وقدرة في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
إنَّها أربعة أشياء تؤلِّف جوهر استراتيجية عسكرية جديدة للدفاع والردع؛ ولكن امتلاكها لن يغدو حقيقة واقعة إذا لم يستوفِ "الشرط السياسي" لامتلاكها، فنحن لا نملكها؛ لأنَّنا لا نملك الأسباب "غير العسكرية" لامتلاكها.
تسلُّح مُنْتِج للضعف! بقلم:جواد البشيتي
تاريخ النشر : 2008-07-12
