الاتحاد الساركوزي بقلم:اسعد العزوني
تاريخ النشر : 2008-07-12
الاتحاد الساركوزي فخ أوروبي للتطبيع مع إسرائيل

اسعد العزوني-عمان



اندفاعة الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي تجاه إسرائيل تؤكد أن كل شهيق أو زفير يمارسه الرجل إنما يصب في مصلحة الإسرائيليين ، ونعني بذلك مشروعه الأخير الذي حاول إحياءه من جديد والذي يهدف إلى فرض التطبيع الإسرائيلي على العرب بقوة اليورو . وبحسب تحليلات فان هذا المشروع يعد خندقا لمنع عودة اليهود إلى أوروبا.
ولدى سؤاله عن الاتحاد المتوسطي الذي دعا إليه ساركوزي ، قال أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة الزيتونة الأردنية د.إبراهيم علوش أن هذا المشروع قديم متجدد وتم طرحه عام 1995 من قبل الدول الأوروبية المحيطة بالمتوسط ومعها سوريا ولبنان وتركيا تتمة لمفاوضات مدريد بهدف التطبيع مع إسرائيل كعملية موازية لعملية مدريد. وعلاوة على ذلك فان له جانبا اقتصاديا يرتبط بالعولمة بحيث يكون هناك دور للرأسمال الأوروبي بالحصص السوقية في الشرق الأوسط الكبير.
ولذلك كانت فكرة هذا الاتحاد بالأساس تعمل على مسارين سياسي واقتصادي ، والسياسي بطبيعة الحال مرتبط بما يسمى بعملية السلام في المنطقة ، في حين يرتبط المسار الاقتصادي بمشروع العولمة والشرق الأوسط الكبير .
والسؤال هنا بحسب د. علوش : لماذا تم إحياءه ألان من قبل ساركوزي ؟ ويجيب عن تساؤله بالقول أن عملية الاتحاد المتوسطي بدأت تلفظ أنفاسها نهاية تسعينيات القرن المنصرم ووصلت إلى طريق مسدود مع تحرير جنوب لبنان واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وبالتالي فان إعادة إحياء المشروع اليوم من قبل ساركوزي المتصهين يتوازى بالضرورة مع المفاوضات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة في تركيا ومع مشروع تهدئة الإقليم على عدة صعد فلسطينيا ولبنانيا وسوريا ربما لتهيئة الأجواء بصورة أفضل لضرب إيران .
اجل نستطيع القول ان هذا المشروع دليل ساطع على اختفاء الفكر الديغولي الاشتراكي في فرنسا ، ونوايا لوضع عملية برشلونة المتوسطية على الرف. ولعل الأشهر الستة المقبلة ستشهد تفعيلا أوروبيا لمشروع المتوسط نظرا لكون فرنسا ألآن رئيسة الاتحاد الأوروبي ، ويبقى موقف الزعيم الليبي معمر القذافي الرافض لفكرة الاتحاد بصيغته الحالية وموقف مصر بحاجة إلى تمحيص.
وبصورة أو بأخرى فان هذا المشروع سيكون مكملا لمشروع الشرق الأوسط الكبير الأميركي الذي يهدف إلى تفكيك المنظومة العربية وإزاحة الجامعة العربية جانبا وتقزيم اللغة العربية والهوية العربية . لدخول إيران وتركيا والباكستان وإسرائيل إلى منظومة المنط وتشكيل جامعة لدول الشرق الأوسط يكون العرب فيها أقلية بسبب عدد سكان القادمين الجدد وهوياتهم ولغاتهم.
ولكن ذلك لن يمنع من أن تكون إسرائيل هي السيد المطاع في هذه التشكيلة الجديدة ، بمعنى أن الدول العربية ستتوزع إلى كانتونات صغيرة متناحرة ومتضاربة الاراء والمصالح لكنها بمجملها ستكون مرتبطة ب"السيد" الإسرائيلي .
هناك قراءة اخرى تقول أن الادارة الساركوزية من خلال هذا المشروع تريد استعادة مكانة فرنسا في منطقة نفوذها التقليدية ومواجهة التمدد الأمريكي – الآسيوي ، وان المشروع اختمر في حفل تسلم ساركوزي الرئاسة يوم 16 أيار الماضي ،وبحسب مصدر فرنسي فان باريس تعمدت استثمار الاجتماع غير الرسمي الذي جمع مؤخرا في النويان احد عشر وزير خارجية من البلدان المطلة على البحر المتوسط ، لقياس ردة الفعل على المشروع علما أن هناك من عارضة مثل تركيا وأيده مثل البرتغال.
ورغبة من الفرنسيين في تسويق هذا المشروع ، فاتهم يحاولون إقناع المعارضين والمشككين بأنه جاء بسقف أعلى من سقف مسار برشلونة وإنه يرقى إلى مستوى العلاقات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ما دام الأمر يتعلق باتحاد وليس بشراكة ، وهذا يعني أن باريس تسللت بمشروعها من خلال الانتقادات الموجهة إلى المسار الأوروبي المتوسطي الأعرج .ويؤيد ذلك السفير التونسي السابق احمد ونوس حيث يقول أن المشروع سيعمق المسار الأورو – المتوسطي ويسد الثغرات والتشققات التي ظهرت في جدارة ويشاطر هذا الرأي رئيس وزراء الجزائر الأسبق إسماعيل حمداني، في حين يرى الأمين العام لأكاديمية العلوم السياسية في لشبونة انطونيو فارنيا أن الاتحاد المتوسطي هو أفضل رد على التقلبات التي تعصف بالمنطقة، أما الأكاديمي الاسباني خوان شارفاريا فيقوا انه سبيل لبناء العلاقات في المستقبل على أساس المصالح الجماعية والمنفعة المتبادلة منوها إلى أن الرئيس السابق شيراك تبنى مشروعا مماثلا طرحه رئيس وزارته دومينيك دوفيلبان في معهد العالم العربي في باريس في 20 آذار الماضي. بمعنى أن هناك قاسما مشتركا بين المشروعين وهو مصالح فرنسا العليا وتتضمن تعزيز اللغة الفرنسية في بلدان المغرب العربي وتطوير الشراكة في مجالي التكوين والبحث العلمي وإرساء تعاون متطور في قطاع الإعلام السمعي والبصري وربط علاقات متينة بين المنظمات الأهلية في الجانبين ، لكن مشروع ساركوزي تميز في موضوع التطبيع مع إسرائيل.
ولعل الجهد الساركوزي وحتى اللحظة لم يتمكن من تليين الموقف التركي الرافض لهذا الاتحاد لان الأتراك يقولن اتهم بانتظار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وليس الحصول على مقعد صغيرة في الاتحاد المتوسطي . وطبعا ثمة فوارق جوهرية بين المبادرتين لان مشروع ساركوزي يتوجه إلى كافة بلدان المتوسط الشريكة للاتحاد الأوروبي (10) دول ويعرض عليها اتحادا شاملا وليس مجرد شراكة وان لم تتوضح بعد أسس هذا الاتحاد.
رأي آخر حول مشروع ساركوزي مفاده أنه رسالة لسكان شمال أفريقيا وهي : ابقوا في بلادكم ولا تهاجروا ونحن سنأتي اليكم 0
الحماس الساركوزي لمشروعه واضح وجلي خلال زياراته لدول اقليم المتوسط ، وها هو رئيس وزراء تركيا الطيب أردوغان يوافق مؤخرا على حضور قمة المتوسط المقبلة في باريس ، والتى ستعقد بمشاركة إسرائيل بالطبع 0
أما مغربيا فان الأمر يشير إلى تحالف اقتصادي يربط بين شركات الطاقة والنفط وبالأخص سونا رتاك وجاز دي فرانس لقطع الطريق على أمريكا حتى لا تستولي على النفط المغاربي كما فعلت في العراق والخليج 0 ناهيك عن التحالفات الاقتصادية الأخرى مثل تحالف الجبن والمياه المعدنية والبسكويت والخصخصة 0 كل الأمور مرشحة للسير قدما في اتجاه التطور لكن تبقى هناك المشكلة التركية المتمثلة بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ، اذ أن الرئيس ساركوزي الذي تترأس برده حاليا الاتحاد الأوروبي يرفض انضمام تركيا للاتحاد ، ولذلك يحاول تقديم جزرة لها كي تعدل عن فكرتها تجاه الاتحاد الأوروبي وتقبل الانضمام إلى الاتحاد المتوسطي وأن يكون لها دورا مميزا فيه ، خاصة وأنها فعلت المستحيل وأدارت مفاوضات اسرائيلية – سورية غير مباشرة على أراضيها 0
قراءة معمقة في ملف العقبات التى تعترض المشروع الساركوزي ـ تشي بأن الدول العربية الأفريقية المدعوة لهذا الاتحاد هي أعضاء في الجامعة العربية وملتزمة بالصراع العربي – الإسرائيلي ، كما انها أعضاء في الاتحاد الأفريقي الذي يسعى لبناء هيئاته والاستقلال بسياسته وثقافته 0 كما أن ساركوزي يرفض تقديم اعتذار رسمي عن جرائم فرنسا في مرحلة الاستعمار ، اذ أنه قال خلال زيارته الأخيرة لكل من الجزائر وتونس أنه يتوجب ترك مثل هذه الأمور للذاكرة ، مطالبا يفتح صفحة جديدة على ضفتي المتوسط 0
ما لم يؤخذ بالحسبان أن إسرائيل هي المشكلة الرئيسية في تحقيق هذا المشروع بسبب الرفض الشعبي لوجودها في المنطقة ، وأن هذه المشكلة ستتضخم في حال قبول إسرائيل في الاتحاد المتوسطي 0 وهناك مراقبون يربطون نجاح المشروع بتصفية الأجواء الفرنسية المغاربية ، بمعنى قبول فرنسا بالاعتذار الرسمي عما ا رتكبته في مرحلة الاستعمار ، الدخول الأوروبي على الخط كان واتضحا بدليل أن الجميع يعملون من أجل مصلحة إسرائيل ولذلك ونجح ساركوزي في اقناع احدى القطاب الأوروبية التى كانت متخوفة من الاتحاد المتوسطي وهي المستشارة الألمانية أنجيلا ميراكل والتى بدأت بدورها تدعو لانضمام كافة دول الاتحاد الأوروبي إلى الاتحاد المتوسطي 0رغم أن العديد من هذه الدول ليست متوسطية مثل ألمانيا على سبيل المثال 0
العقيد القذافي بعث برسالة جلية حول هذا الموضوع قال فيها :" نحن بلدان أعضاء في الجامعة العربية وفي منظمة الوحدة الأوروبية ولن نجازف في أي حال من الأحوال بتمزيق الوحدة العربية والأفريقية وعلى شركائنا " الأوروبيين ، أن يفهموا هذا جيدا 0 اذا أرادت أوروبا أن تتعاون فلتفعل ذلك مع الجامعة العربية أو الاتحاد الأوروبي ولكن لن نقبل أن تتعامل أوروبا مع جزء واحد من هذه الدول 0" وقد وصف القذافي المشاريع الاقتصادية التى وعدت بها الدول الأوروبية دول جنوب المتوسط بانها " طعم " معتبرا ذلك بانه اهانة لهذه الدول وقال : " نحن لسنا جياعا ولا كلابا لترموا لنا العظام " 0
وتابع القول : " نحن نلاحظ أن الاتحاد الأوروبي يحرص على تماسكه ولا يقبل تجزئته وفكرة صديقنا العزيز ( الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ) رفضت باصرار من قبل أوروبا ، والجامعة العربية لا ترضى أيضا بتقريق صفها وتحطيم تماسكها 0 " ووصف الاتحاد المتوسطي بانه استثنائي عابر مآله الفشل كما حدث مع مسار برشلونة أو سياسة الجوار التى اعتمدها الاتحاد الأوروبي مع جيرانه جنوب المتوسط 0