السفارة الإيرانية ببغداد تجاوزت حدودها وباتت تتصرف كأنها وزارة عراقية وليس سفارة أجنبية
الدكتور حسين الحسيني
كاتب أكاديمي عراقي جامعة بغداد
لا أدري إن كان سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية ببغداد سيعتبر هذه المقالة بمثابة "مسيئة" للجمهورية الإسلامية، ويشملها بمجموعة المواد الإعلامية الصحفية العراقية التي تنوي السفارة المحترمة بمقاضاة الصحف والكتّاب عنها أمام المحاكم، حسبما أوردته تصريحات سعادة منشهير تسليمي المستشار الإعلامي للسفارة، الذي أكد "أن السفارة تنوي مقاضاة جريدة (الدستور) العراقية عبر المحاكم العراقية لتجاوزها على الجمهورية الإسلامية ونشرها صورا وعبارات تهدف لتخريب العلاقة بين العراق وإيران."!!!
ويوجه المستشار الإعلامي نصيحته "الوعظية" الروزخونية إلى الصحف العراقية بالقول بأن "مهمة الصحافة تقوية العلاقات بين الدول، وليس تخريبها"، منوها بأن العلاقات بين العراق وإيران "تشهد تطورا على مختلف الأصعدة."
وكان مرصد الحريات الصحفية قد دعا ، في بيان أصدره ببغداد، السفارة الإيرانية في العراق إلى "إتباع القواعد الدبلوماسية المتعارف عليها دولياً، وتوجيه خطاباتها إلى المؤسسات العراقية المختلفة من خلال وزارة الخارجية العراقية"، مبديا استغرابه من قيام السفارة بتوجيه رسالة وجهتها إلى صحيفة (الدستور)، معترضة فيها على بعض ما نشرته الجريدة من مواد. وقال البيان إن المرصد "يبدي استغرابه الشديد من الرسالة التي وجهتها السفارة الإيرانية، مباشرة إلى رئيس تحرير صحيفة (الدستور)، تتهم من خلالها هيئة تحرير صحيفته بنشر مواد وصور وخدمات إعلانية تتضمن أكاذيب وإهانات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية." ووصف المرصد رسالة السفارة للصحيفة بأنها "تجاوز على القوانين العراقية والبروتوكولات الدولية، وتعد سابقة خطيرة في مجال التدخل في ممارسة وسائل الإعلام العراقية لحرية التعبير والنشر المكفولة دستورياً"، مشيرا إلى أن السفارة "تجاهلت توفر قنوات قانونية ودبلوماسية يتبعها المتضرر من النشر، (سواءً كانوا) أفرادا أم مؤسسات أم حكومات أجنبية."
الأمر الملاحظ أنّه ومنذ غزو العراق على يد القوات الأنكلوأمريكية وتحالف الأحزاب الموالية لإيران مع عملية الغزو، وتبوءها الصدارة في المواقع الرسمية في ظل الاحتلال، أن السفارة الإيرانية باتت تتصرف وكأنها جهة حكومية عراقية (سيادية)، وتناست كل الأصول والأعراف الدبلوماسية، والقوانين والاتفاقيات الدولية، وبالغت في تصوّر حجمها الحقيقي، فظنت أنه ما دام لحكومة طهران (سطوة وسلطة وهيمنة!) على عدد من البرلمانيين والمسؤولين (من حملة الجنسيتين!!) ممن لم تنقطع صلاتهم بالسفارة، فإنها – أي السفارة- لها الحق في أن تتدّخل بالشأن العراقي الداخلي، وتوبخ من تريد وتنتقد من تشاء وتهدد من تنتقي، وقد نشرت مواقع إنترنيت عديدة صورة عن رسالة وجهتها السفارة إلى إحدى الدوائر التابعة للحكومة العراقية (رسالة موجهة إلى إحدى مديريات الشرطة!) تجاوزا لكل الأعراف والأصول الدبلوماسية التي تمنع الجهات الدبلوماسية الأجنبية من مخاطبة أي جهة عراقية (حكومية أم أفرادا أم هيئات) إلا من خلال قناة واحدة هي وزارة الخارجية العراقية.
وكان السيد تسليمي قد اتهم "جريدة (الدستور) بأنها نشرت صورا لحدائق جميلة، وكتبت تحتها: احذروا المخابرات الإيرانية على حدائقكم!!"، منتقدا هذه العبارات ووصفها بأنها " أكاذيب تهدف إلى تشويه العلاقات العراقية - الإيرانية." واتهم المسؤول الإيراني صحيفة (الدستور) بأنها "مدفوعة من قبل جهات خارجية" لم يسمها، مكتفيا بالقول "إن الجهات التي تدعم الصحيفة معروفة."
بالأمس اتهم الرئيس نجاد كل من يعارضون حكومة السيد نوري المالكي بأنهم (فاسدون) وأعطى الحكومة صك البراءة والنظافة، رغم أن منظمة الشفافية الدولية اعتبرت العراق المحرر البلد رقم (1) في الفساد.. فمن يقصد نجاد بالفاسدين؟ أليس هذا تدخلا في الشأن العراقي؟
إن التجاوزات الإيرانية على السيادة العراقية، والتدخلات في الشأن الداخلي بلغت حدا لا يطاق، وإيران ما زالت تتصرف وكأنها ولي أمر العراقيين دون مراعاة لمشاعر العراقيين وكرامتهم.. ولا ندري ما هي المفاجأة القادمة للسفارة الإيرانية ببغداد.. هل سيتم شمولنا بالمقاضاة لأننا أسأنا لإيران وتدخلنا في شؤونها الداخلية ولأننا نرفض أن نكون إمعات للنظام الفاشي والعنصري والطائفي.. وسنقوم من اليوم بتهيئة (اليطغ وجنطة الملابس) تهيئة للتوقيف أو الحبس من قبل المحكمة التي سيرفع إليها السيد تسليمي شكواه! طالما هو وضع نفسه في موقف الشاكي والمتظلم..
السفارة الإيرانية ببغداد تجاوزت حدودها بقلم:د.حسين الحسيني
تاريخ النشر : 2008-07-12