الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية؟ ( الحلقة الخامسة عشرة ) بقلم:د. مصطفى الغريب
تاريخ النشر : 2008-07-12
في "الحلقة الرابعة عشرة" من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ ذكرنا بعض المعلومات ويمكن تلخيصها في مايلي: بيان لوزارة الداخلية المصرية يقول إن منفذوا تفجيرات سيناء هم أفراد في مجموعة تسمى "التوحيد والجهاد" تدربوا في قطاع غزة بمساعدة من وصفتهم بأصوليين فلسطينيين وتضم بدواً من سيناء , إستخدموا في عملياتهم متفجرات مستخرجة من الألغام التي زرعتها إسرائيل في سيناء.
نفى وزير خارجية فلسطين السابق محمود الزهار أية علاقة لحماس أو الجهاد الإسلامي بتفجيرات سيناء , وأضاف الزهار "أن ‏هناك أصحاب فكر أصولي وجماعات معدودة لهم فكر متطرف وهم أفراد فقط وهم المتورطون في هذا الحادث".
وذكرت النيابة المصرية "إن فلسطينيا يدعى إياد صالح قد خطط ونفذ عملية طابا إنتقاما من الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بالأراضي المحتلة، وقالت إن المهاجمين إستهدفوا الإنتقام من الإسرائيليين في تلك المنتجعات , وقتل إياد صالح في الهجمات".
وكل يوم نتابع فيه مايحصل في سيناء يجعلنا في حيرة من الأمر فالتأويلات كثيرة منها من يتهم إسرائيل , ومنها من يتهم تنظيم القاعدة , ومنها من يتهم بدو سيناء , ومنها من يتهم أصوليين فلسطينيين , وقد يكون لكل تلك الجماعات مصلحة في زعزعة الأمن في شبه جزيرة سيناء .
وفي هذه الحلقة الجديدة من الإرهاب في سيناء نجد أننا دائماً نصطدم بحقائق جديدة ومعلومات متناقضة , ولكن من المؤكد تنامي تيار ديني قد يتحول الى جزء من منظومة القاعدة عوضاً عن إرتباطه بتنظيمات أخرى مثل تنظيم "التوحيد والجهاد" أو أي تنظيم آخر يقوم بالعمل السري ولايريد الظهور بقدر مايريد تحقيق الأهداف الذي أنشيء من أجلها .
ولاشك أن الغليان في المنطقة نتيجة طبيعية لما يحدث في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان وسوريا وماتتعرض له إيران من تهديدات إذ لايمكن الفصل بين مايحدث في مختلف دول العالم من عمليات إرهابية الأمر الذي قد يحول شبه جزيرة سيناء الى أرض خصبة لإستمرار موجة العنف أو المواجهات , فهي مهيأة لذلك وهي مليئة بالمتفجرات والألغام التي زرعتها إسرائيل زمن الحرب وأصبحت من مخلفاتها.
ولهذا نتمنى على أجهزة الامن المصرية أن لا تأخذها العزة بالاثم وتشدد الخناق على أبناء سيناء بسبب إتهامات إسرائيل لها بالفشل في محاربة تنظيم القاعدة أو أي تنظيمات أخرى , بعد التفجيرات التي إستهدفت منتجعات سياحية .
لا شك أن هناك ثغرات أمنية في سيناء خصوصاً في منطقة خليج العقبة وعلى الحدود بين قطاع غزة وسيناء وأن إستهداف الجماعات الارهابية لمنتجعات الساحل الشرقي في سيناء يعود إلى "سهولة تهريب المواد المتفجرة " إليها وقربها من مقرات القاعدة في الدول المجاورة .
إن تعنت إسرائيل في القبول بحلول مع الفلسطينيين والعرب سيبقي المنطقة في حالة غليان لأن كثير من العرب مازالوا متفاعلين مع القضية الفلسطينية لذا لن يكفوا عن محاولاتهم لمقاومة إسرائيل والانتقام من الإسرائليين .
وينبغي أن لا ننسى أن معظم الضحايا هم من المصريين وهذا يعطي إشارات واضحة تؤكد ضلوع إسرائيل وإن كان منفذوا تلك التفجيرات هم من أبناء بدو سيناء , لأن هناك إمكانية كبيرة للموساد لتجنيد عملاء لهم في تلك المنطقة وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار المساحة الشاسعة لشبه جزيرة سيناء والتي يصعب السيطرة عليها لوجود قيود إسرائيلية على نشر القوات المصرية بحكم بنود معاهدة كامب ديفيد، مما يسهل عمليات التهريب ومنها المتفجرات، فضلا عن حركة السياح الإسرائيليين التي قد تتيح للاستخبارات الإسرائيلية حرية أكبر وإمكانية زرع العملاء وترتيب مثل تلك العمليات الإرهابية ومتابعتها بشكل دقيق ومحكم.
وتابعنا مانشر في صحيفة الشرق الاوسط يوم السبـت 24 جمـادى الثانى 1429 هـ 28 يونيو 2008 العدد 10805 تحت عنوان "مصادمات بين الشرطة المصرية وبدو سيناء" والتي أفادت بعودة التوتر من جديد بين الشرطة المصرية وبدو سيناء بسبب ما وصفه البدو بـ«سوء معاملة الشرطة لهم»، وقيام رجالها بمصادرة بضائعهم وسياراتهم في حملة أمنية استهدفت مدينتي الشيخ زويد ورفح , ووقعت مصادمات بين الشرطة والأهالي في المدينتين القريبتين من الحدود مع قطاع غزة ، قذف خلالها البدو , رجال الشرطة بالزجاجات الفارغة والحجارة، وأشعلوا النار في إطارات السيارات المطاطية .
وتبرر المصادر الامنية مايحدث بأن الحملة « كانت تستهدف ضبط الأسواق والهاربين من تنفيذ الأحكام وحائزي الأسلحة بدون ترخيص، والسيارات والدراجات النارية المخالفة».
وعلق بعض الناشطين في حقوق الانسان بالقول أن أصحاب المتاجر بمدينة الشيخ زويد فوجئوا بحملة أمنية وتموينية قامت بمداهمة عشرات المتاجر واستولت على الموازين والبضائع بدعوى وجود مخالفات تموينية مما اضطر الكثير منهم إلى إغلاق متاجرهم والهرب خوفا من الشرطة.
وأضافوا أن الحملة توجهت بعد ذلك إلى منطقة ميدان الماسورة برفح التي تبعد نحو 10 كيلومترات عن الشيخ زويد وفور علم أصحاب المتاجر بالخبر أغلقوها على الفور , مؤكدين أن الحكومة المصرية تحارب المواطنين في أرزاقهم بالهجوم على المتاجر وتساءلوا , من أين يعيش بدو هذه المنطقة إذا كانت تجارتهم معرضة للخطر بمثل هذا الشكل؟
وذكر بعض شهود العيان «إن الشرطة قامت بإلقاء القبض العشوائي على البدو وإن بعضهم يواجه تهماً غير حقيقية منها التحريض والتخريب وإتلاف الممتلكات العامة ومقاومة السلطات والتعدي على موظفين عموميين أثناء تأدية عملهم خلال هذه الأحداث , وصادرت أعدادا كبيرة من الموازين والدراجات النارية المخالفة والسيارات التي كانت في طريقه للترخيص بدعوى أنها مخالفة».
وأضاف شهود العيان «أن عوائل ومشايخ البدو بالمنطقة متذمرين بسبب ممارسات الشرطة التي تزداد يوما بعد يوم». وكان ميدان الماسورة برفح قد شهد في نهاية يوليو2007 , احتجاجات بدوية شديدة أسفرت عن مقتل غلام بدوي متأثرا بجراحه التي أصيب بها خلال المظاهرة، فيما أصيب آخرون من رجال الشرطة والبدو، وهي الاحتجاجات التي تم بسببها اعتقال مسعد أبوفجر الناشط الحقوقي البدوي وزعيم حركة ( ودنا نعيش) التي تطالب بحقوق بدو سيناء.
ويشكو البدو من تهميش اقتصادي وتحرش من الشرطة وقلة الوظائف المتاحة في قطاعي السياحة والنفط في سيناء التي تخرج جزءا كبيرا من إنتاج مصر من النفط من حقول بحرية وتنتشر بها منتجعات يقبل على زيارتها سائحون يبحثون عن الشمس والرمل ورياضة الغطس.
وفي ابريل 2007 قتلت الشرطة اثنين من البدو قرب نقطة تفتيش في شمال سيناء. وقالت وزارة الداخلية إن الاثنين تبادلا إطلاق النار مع الشرطة ولكن زعماء العشائر أفادوا بأنهما كانا غير مسلحين وأنهما قتلا أثناء محاولتهما سلوك طريق جانبي لتفادي نقطة التفتيش خشية تحرشات الشرطة , ولهذا نزل البدو إلى الشوارع واحرقوا إطارات السيارات واعتصموا على الحدود مع إسرائيل مطالبين الحكومة بمعالجة شكواهم.
ولابد لنا في هذه المناسبة بأن نشيد بالموقف النبيلة لبدو سيناء أثناء الاحتلال الاسرائيلي لها كما ذكرت كتب التاريخ قصص عن صمودهم وكيف أبلوا بلاءاً حسناً في مقاومة الاحتلال الصهيوني , وكانوا يصارعون الموت , ويدفعون الرعب إلي قلوب الأعداء وبذلوا النفس والنفيس فداء لوطنهم وإخوانهم.
ومن هؤلاء الأبطال الشيخ سالم الهرش شيخ مشايخ قبائل سيناء الذي رشح للمخابرات المصرية ستة من شباب بدو سيناء وتم تدريبهم وتحققت علي أيديهم نجاحات كبيرة في مهام كلفوا بها داخل إسرائيل في فترة ما بعد 1956 وقد قام هؤلاء الشباب بجمع المعلومات وتحديد المواقع الإسرائيلية ورصد التحركات العسكرية داخل الكيان الصهيوني وبسبب هذه المعلومات أرسلت مخابرات سيناء بإشارة لوزارة الحربية في 2 يونيو 1967 بتوقع هجوم إسرائيلي يوم 4 أو 5 يونيو وإشارة أخري يوم 5 يونيو 1967 بتوقع هجوم إسرائيلي خلال ساعات.
وهو الذي رفض تدويل سيناء وفضح اليهود والأمريكان أمام وسائل الإعلام العربية في مؤتمر الحسنة الذي عقد عام 1969 والذي كانت تطلب فيه إسرائيل وأمريكا فصل سيناء عن مصر واعتبارها منطقة مستقلة.
ولهذا الشيخ قصة مع الفريق أول محمد أحمد صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة في صيف 1970، وقتها كان الفريق صادق في زيارة لمنطقة القناة وبورسعيد يتفقد القوات واستمع لتقرير عن عملية ناجحة لمنظمة سيناء العربية تصادف عودة أفرادها يوم زيارته للمنطقة واستفسر الفريق صادق عن سلامة الرجال وعلم أنهم جميعهم موجودون في جزيرة سعود بالشرفية في رحاب الشيخ عيد أبو جرير، وطلب رئيس الأركان ترتيب زيارة في نفس الليلة للشيخ ليشكره علي موقفه الوطني، كما يريد أن يلمس بنفسه مشاعر أبناء المنطقة .
وما أن غابت الشمس حتي تحرك الفريق صادق من بورسعيد يرافقه أحد قيادات المنظمة إلي جزيرة سعود واستمر لقاء رئيس الأركان بالشيخ عيد حوالي الساعة ووقتها تقدم الشيخ أبو جرير بعدة مقترحات لدعم عناصر منظمة سيناء وافق عليها الفريق صادق الذي غادر المكان وهو يوصي بتأمين الشيخ وتأمين جزيرة سعود باعتبارها إحدي قواعد انطلاق عناصر منظمة سيناء العربية.
وإذا تحدثنا عن منظمة سيناء العربية فلابد من ذكر اللواء عادل فؤاد الذي يعد بحق أحد أبطال التاريخ المصري وذاكرته تختزن أسرارا مهولة عن المقاومة داخل سيناء في زمن الاحتلال ويعتبر القائد الفعلي لمنظمة سيناء العربية.
يقول اللواء عادل فؤاد: لابد من ترسيخ الحقائق والمفاهيم التي قد تكون غائبة عن ابنائنا من شباب مصر الذين لم يعاصروا تلك الفترة ولابد من تسجيل شهادة للتاريخ في حق أبناء سيناء تنصفهم أمام التاريخ وأمام أبنائهم وأحفادهم وأمام مواطنيهم من أبناء مصر.
ويضيف اللواء : كان لي شرف تكليفي في أوائل الستينيات بإعداد وتجهيز مسرح سيناء لصالح القوات المسلحة ومن هنا كانت بداية تعارف حقيقي بيني وبين أبناء سيناء كمعدن ثمين.
والحقيقة كان الوضع للوهلة الأولي لا يبشر بالخير وكانت الصورة قاتمة بل أقول صراحة إن اليأس كاد يتسرب إلي نفسي بعد أيام من بدء دراستي لأوضاع الطاقة البشرية في سيناء بعد عام 1956 مواطنون موارد رزقهم محدودة جدا , وبلا خطة تنمية , مواطنون تأصل في نفوسهم أنهم من الدرجة الثانية أو الثالثة، أو أقل من ذلك، متهمون جزافا بعمالتهم لإسرائيل أو بممارستهم لتجارة المخدرات، الغالبية العظمي منهم مسجلة في سجلات اطلق عليها القوائم السوداء.
ويضيف اللواء : لولا فضل الله وإيماني العميق ولولا احساسي الداخلي بأن هناك مؤامرة ضد شعب سيناء أطرافها الموساد وظروف جغرافية وبيئة صعبة من جهة وقصور من بعض أجهزة الأمن في ذلك الوقت في دراسة الأسس التي بنوا عليها اتهاماتهم لمواطني سيناء بالعمالة، لذا فقد وفقني الله في الاهتداء إلي أن القوائم السوداء قد تم اعدادها بعد إزالة آثار عدوان 1956 اعتمادا علي سيناريوهات ووثائق اتضح أن ما يسمي بالمكتب الخامس في جهاز المخابرات الإسرائيلي كان وراءها جميعا وأحب هنا أن أذكر حقيقة تذاع لأول مرة وهي أن ما يسمي بالمكتب الخامس في جهاز المخابرات الإسرائيلية كانت مهمته الأساسية منذ انشائه هي تلطيخ سمعة أبناء سيناء وإلحاق العار بكل مواطنيها والتركيز علي خلق فجوة نفسية بين أبناء سيناء وقواتهم المسلحة من ناحية وبينهم وبين مواطنيهم من سكان غرب القناة من ناحية أخري.
وقد هداني الله إلي أن كل الشوائب التي علقت بأبناء سيناء وظروفهم النفسية السيئة كان وراءها الموساد ، ثم بدأت في تنقية القوائم السوداء وإزالة الفجوة النفسية وبذلك تم اعداد الأرضية الصالحة للاستفادة من أبناء سيناء واكتشاف معدنهم الاصيل.
ويؤكد اللواء : لقد كان للأعمال الايجابية والنجاحات التي تحققت علي أيدي بعض شباب سيناء في مهام كلفوا بها داخل اسرائيل في هذه الفترة أثر كبير في تغيير المفاهيم الباطلة عنهم وتشجيع اجهزة الأمن علي محو الشوائب التي علقت بأسمائهم.
ومما تقدم اعلاه يظهر جلياً أننا بحاجة الى المزيد من القراءة والتحليل لندرك الإجابة على سؤال: الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية؟

د. مصطفى الغريب