مسؤوليّة الدّول الكبرى تجاه الدّول الصغرى بقلم:محمّد علي القايدي
تاريخ النشر : 2008-07-12
مسؤوليّة الدول الكبرى تجاه الدول الصغرىnnانعقدت قمّة مجموعة الدّول الثّماني الصناعيّة الكبرى في توياكو باليابان وجمعت إلى جانب زعماء الثماني الكبار سبع زعماء يمثّلون العالم الثالث أو ما يسمّى بالدّول الفقيرة , في ظروف اقتصاديّة اتّسمت بالفوضى يمرّ بها العالم وصفها الخبراء بالصعبة وشبّهها المحلّلون بالأزمة الاقتصاديّة التي ضربت أمريكا في أواخر العشرينيات من القرن الماضي وكان لها أثر سلبي ّعلى العالم بأسره , رغم أهمّية هذه القمّة الدوريّة للثماني الكبار إلاّ إنها لا تختلف عن سابقاتها من القمم من ناحية النتائج المرجوّة أو المواضيع المطروحة على جدول أعمالها ومن بينها القضايا التي برزت مؤخّرا على السّاحة الدوليّة وتحوّلت إلى مشاكل مستعصية تؤرّق الجميع كبارا وصّغارا على حدّ سواء . والتي سيتمّ التطرّق إليها بالدرس والتمحيص بغية إيجاد الحلول الملائمة لها والتخفيف من آثارها السلبيّة المدمّرة لاقتصاديات الدّول النامية نتيجة جشع وتعنّت الكبار ومضيّهم في التحكّم في اقتصاد العالم .و إجبار معظم الدول الصغيرة والفقيرة على الانخراط دون رضاهم في سياسة اقتصاد السوق الجائرة و فرضهم لبرامج وخطط اقتصاديّة فاشلة على هذه البلدان فامقت من أزماتها وزادت من تخلّفها . أيّ أنّ الكبار الذين لم يتركوا للصغار شيئا غير جادين في تعهّداتهم بانتشال ربع سكّان العالم من الفقر المدقع الذي يهدّدهم . بل زاد طمعهم و نهمهم ونهبهم المتواصل لثروات وخيرات البلدان الفقيرة دون ضوابط وتعمّدهم التلويح باستعمال القوّة لحماية مصالحهم وتأمين تدفق ووصول المواد الخام إلى مصانعهم وشركاتهم التي يعود إليها ضبط أسعار هذه المواد . ,إلى جانب تدخّلها السافر في الخطط والبرامج التنمويّة عن طريق الهيئات الدوليّة المقرضة كالبنك الدولي الذي يخضع لأوامر الولايات المتّحدة الأمريكيّة باعتبارها أكبر المساهمين في رأس ماله . ويعود لها القرار النهائي في إسناد القروض لأيّ بلد ترضى عنه . فالخطط .الاقتصاديّة الجاهزة والحلول المعلّبة التي يتكرّم بها الغرب على البلدان التي تدور في فلكه وفلك أمريكا زادت من تردي وضع هذه البلدان وتخلّفها وينطبق هذا على معظم بلداننا العربيّة المنخرطة في اقتصاد السّوق .مع العلم أنّ كلّ شعوب المعمورة على يقين من أنّ الكبار هم وراء كلّ المشاكل التي يعاني منها الصغار . فكل شعوب الأرض قاطبة بما فيها مناهضي العولمة وأحرار العالم يحمّلون الغرب وعلى رأسه أمريكا كلّ المآسي والمتاعب التي يعاني منها العالم وما الحملات الاحتجاجيّة الصاخبة ضدّ العولمة التي تتزامن مع انعقاد كلّ قمّة إلاّ خير دليل على رفض السياسات الاقتصاديّة التي يريد الكبار فرضها على صغار العالم والتي تكرّس مبدأ سيطرة الأقوياء على الضعفاء . وما سببته هذه السياسات من كوارث وأزمات . من بينها ظاهرة الاحتباس الحراري الذي نجم عنه ارتفاع في درجة حرارة الأرض ,وتغيّر العوامل المناخيّة ممّا أثّر سلبا على الإنتاج الزراعي العالمي . زد على ذلك أنّ الهوّة بين أغنياء العالم وفقرائه زادت اتّساعا لعدم إيفاء الكبار بتعهّداتهم تجاه الدّول النامية و البلدان الأكثر فقرا في العالم . فالغرب الاستعماري بقيادة أمريكا وبدعم من اللوبي الصهيوني , فتح جبهتان" الأولى " في أفغانستان لإجهاض أنموذج جنيني ثان بعد إيران , يقوم على نظام حكم إسلامي سنّي يطبّق الشريعة الإسلامية في منطقة شديدة الحساسيّة حيث الشعور الديني هو الطّاغي بين العامة والخاصة , وبعيد أحداث 11سبتمبر 2001 وتحت ذريعة محاربة الإرهاب والتطرّف الديني المتنامي والمعادي للمصالح الغربيّة , شنّ حربا بقيادة " حلف الناتو " قصد الإطاحة بحكم طالبان واستبداله بحكم موالي للغرب . أمّا الجبهة" الثّانية " فكان مسرحها العراق الذي يمتلك أكبر احتياطي من الثروة النفطيّة في العالم ويحكمه نظام وطني سبق له أنّ أمّم بتروله وهو عمل أغضب الغرب حينذاك . وبدعوى امتلاك هذا البلد لأسلحة الدّمار الشامل وهي ذريعة كاذبة , قرّرت أمريكا , ومن والاها التخلّص من حكم صدّام رحمة الله عليه , أي غزو واحتلال هذا البلد وتدميره تدميرا ممنهجا ووضع يدها على خيراته النفطيّة , وأصبحت تتحكّم في هذا القطاع الحيوي إنتاجا وتصديرا وتوزيعا , دون حسيب أو رقيب فالبترول يضخّ مباشرة عبر أنابيب بدون عدّادات لمعرفة الكمّيات التي تهرّب , فأمريكا لم تأتي إلى العراق لسواد عيون العراقيين أي لتركيز نظام حكم ديمقراطي أودى بحياة أكثر من مليون ونصف المليون عراقي مزّقت أجسامهم وأحرقت برصاص وقنابل جنود العمّ " سام " , بل لنهب بتروله وفي الآن نفسه لتعويض كلّ دولار خسرته أمريكا أثناء عدوانها المتواصل على العراق الجريح أي تعويض كل خسائرها الماديّة التي تكبّدتها جراء هذا الغزو البربري لبلد كان ينعم بالسّلام والأمن والاستقرار.وكأنّ العراق هو الذي غزا الولايات المتّحدة الأمريكيّة أو بريطانيا . وللإسراع في وتيرة استرداد ماخسرته منذ اتّخاذ قرار الغزو والاحتلال أوعزت هذه الإدارة السيّئة السمعة بقيادة مجرم الحرب " جورج دبليو بوش " لشركاتها الاحتكارية التي استحوذت على كلّ آبار النفط تنقيبا واستخراجا وتصديرا وتوزيعا بالترفيع التّصاعدي في سعر برميل النفط الذي شهد زيادة بنسبة 300 ¨% منذ بداية الغزو إلى يومنا هذا . مع العلم أنّ شركات النفط الأمريكيّة والبريطانيّة قد ضاعفت من قدرات العراق الإنتاجيّة دون الإفصاح عن الكمّيات الحقيقيّة المستخرجة يوميّا , فكلّ المهتمّين بالشأن العراقي يتحدّون جميعا وزير النفط العراقي في حكومة المالكي المنصبة من طرف الاحتلال ويطالبونه بإلحاح بأن يمدّ أبناء العراق بالأرقام الحقيقيّة لعدد براميل النفط التي تستخرج يوميّا من حقول النفط العراقيّة والإفصاح عن عدد ناقلات النفط والشّركات التي تمتلكها , وتدفع بها أمريكا للسوق الدّوليّة لتعويض خسائرها التي تكبّدتها ولازالت جرّاء غزوها لهذا البلد . فأكثر من نصف عائدات البترول يذهب للأمريكان والربع لحكومة المالكي وأعوانه والمهرّبين من الحوزات العلميّة وما تبقي للشعب الذي يعاني الأمرّين . حينئذ من المستفيد من ارتفاع سعر برميل النفط عالميّا ؟ إن لم تكن الولايات المتّحدة الأمريكيّة . مما نتج عنه زيادة في معلوم نقل المسافرين والبضائع , واختلال الموازين التجاريّة لعديد البلدان ذات الاقتصاد الهشّ والضعيف . إلى جانب تعمّد أمريكا الترفيع الجنوني في أسعار المواد الغذائيّة الأساسيّة كالقمح والشّعير , مما ضاعف من أزمات ومعانات الدّول الفقيرة والنّامية على حدّ سواء إلى جانب المجاعة التي أطلّت برأسها على العالم وأصبحت تهدّد ملايين البشر بالفناء . فالعالم حاليّا يشهد انحسارا في التبادلات التجاريّة أي ركودا اقتصاديّا ينذر بأزمات وكوارث واضطرابات ستشهدها عديد الدّول التي لازالت بعيدة كلّ البعد عن تحقيق أمنها الغذائي وبدّدت أموالا طائلة في الاستثمار السياحي الدّاخلي أي راهنت على السياحة وأهملت ميادين أخرى منتجة كالفلاحة والصيد البحري والصناعات التحويليّة .وكذلك يسبب ارتفاع نسبة التضخم المالي والانخفاض المتواصل لسعر الدّولار الأمريكي . فحصيلة قمّة الثماني الكبار هزيلة لا ترتقي لتطلّعات وآمال الشعوب الفقيرة لأنّ كبار العالم يسوؤهم تحسّن وضع الصغار ولحاقهم بركب الحضارة والتقدّم . أمّا الشيء الوحيد الذي اتفق عليه هذه المرّة جماعيّا هو خفض انبعاثات الغازات المسبّبة لظاهرة الاحتباس الحراري إلى النصف على الأقلّ بحلول سنة 2050 , بعد تحديد المعايير الملزمة لتنفيذ هذا الاتفاق التاريخي , لأنّ الضرر سيلحق الجميع لا قدّر الله إن لم تتخذ التدابير اللازمة لحماية كوكب الأرض الذي يعاني من ظلم الكبار .nnnالأستاذ : محمّد علي القايدي . باجة . تونس