الشهيد غسان كنفاني مفخرة الشعب الفلسطيني الأبدية بقلم : زياد ابوشاويش
تاريخ النشر : 2008-07-09
الشهيد غسان كنفاني مفخرة الشعب الفلسطيني الأبدية بقلم : زياد ابوشاويش


الشهيد غسان كنفاني مفخرة الشعب الفلسطيني الأبدية
بقلم : زياد ابوشاويش
في الثامن من تموز عام 1972 اغتالت يد الغدر الصهيونية الأديب والمناضل الفلسطيني الكبير غسان كنفاني بتفجير سيارته أمام منزله، ومعه استشهدت ابنة شقيقته لميس، وقد اعترف العدو الصهيوني بارتكابه الجريمة بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على وقوعها .
وبحساب الزمن فقد عاش الشهيد ستاً وثلاثين عاماً وتوارى جسداً ستاً وثلاثين أخرى نستطيع القول أنها كالأولى كانت حافلة بالحياة والحيوية لذكرى رجل ملأ الدنيا سمعاً وبصراً .
إذا قلنا عن غسان مناضلاً أجابتنا صفحات الجرائد والصحف بأنه كاتب وصحفي ، وان أطلقنا عليه صفة رسام ومبدع ظهرت لنا إرهاصاته الفكرية لتخبرنا بأنه رجل صاحب رؤية جسدها في رواياته وقصصه الرائدة في الأدب الفلسطيني ، وان وصفناه بالقائد وهو من هو في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ناطقاً رسمياً باسمها ورئيساً لتحرير مجلتها المركزية الهدف رد علينا آخرون بأن الرجل مؤلف مسرحي متميز ناهيك عن بعض شعره وكتاباته الإنسانية . إذن نحن أمام رجل ليس ككل الرجال وأديباً ومبدعاً ليس كباقي الكتاب والمبدعين، انه خلاصة تجربة وطنية هائلة فيها المرارة والإحباط كما فيها الجمال والأمل، وهي قاسية وحزينة، مقاتلة ومقاومة، متطلعة لتجاوز النكبة، فيها ما هو شخصي وفيها ما يرتبط بالشعب وهمومه في مرحلة من أشد مراحل التاريخ سواداً وظلماً، لكنه في الحالتين كان عميقاً كجذور زيتوننا وبرتقالنا الحزين، كما كان إنسانيا ومليئاً بالأمل كما هي رسوماته وملصقاته خصوصاً تجاه بلده وحق شعبه في الحياة الكريمة والعودة لوطنه.
لا يمكن للمرء أن يحيط بهذا المبدع النبيل والشهيد الكبير سواء في جوانب عشقه لوطنه وتجليات ذلك العشق عملاً سياسياً مباشراً ولا في جوانب حبه للناس والحياة رواية وشعراً ومسرحاً وقصصاً ، وحتى بالمعنى الشخصي والحياة الخاصة وما وصلنا منها سنعجز عن سبر أغوار هذه النفس الزكية والتي تقدم نموذجاً بسيطاً للإنسان في أي مكان من العالم . انه الإبداع في كل ما يحيط بحياة الرجل وحتى في مماته ، ولمن لا يعرف حقيقة استهدافه من قبل العدو الصهيوني نضيف أن اغتيال الكاتب والمناضل غسان كنفاني لم يقصد به إسكات كلمة الحق وإطفاء نور الكشف عن صوابية طريق المقاومة فقط ، بل كان القتل يستهدف رجلاً مناضلاً أبدع في خلق علاقات أممية واسعة ومفيدة لنشاط الجبهة الشعبية في ساحات العمل الخارجي وفي خدمة شعار وراء العدو في كل مكان .
إن كل ما ورد حول عمليات الإعدام والملاحقة التي قامت بها عصابات القتل الصهيونية رداً على عملية ميونخ الشهيرة حيث تم احتجاز رهائن إسرائيليين هم كل الفريق الإسرائيلي الرياضي المشارك في دورة الألعاب الأوليمبية في حينه ووضع عملية اغتيال الرفيق غسان كنفاني في هذا السياق هو محض تصور خاطيء عن عملية اغتيال مبدع كبير كغسان كنفاني ولغيره من الأدباء والمبدعين الفلسطينيين الكبار. إن عنوان الفريق الإسرائيلي هو بقصد ذر الرماد في العيون وبدون ميونخ وعمليتها فان اسرائيل كانت ستقتل الشهيد غسان وغيره من الأقلام الفلسطينية المسلطة على رقاب الصهاينة والمنغرزة في عيونهم ناراً تحرقها بالحقيقة وكشف عورتها كأكبر كذبة في التاريخ وكأكبر مجرم محكوم بالموت طال الزمن أم قصر. كانت اسرائيل تعرف يقيناً أن هؤلاء عقل الشعب الفلسطيني وضميره الحي وهم نقائضها وفي مقدمتهم صاحب الذكرى العطرة الشهيد غسان كنفاني .
نتناول غسان في ذكرى رحيله لنبين الحالة النموذجية لمكافح استطاع التغلب على معضلات ومعوقات تهد الجبال ليقدم لشعبه وأمته ما تفتخر به أدباً وفكراً ووجهاً للإنسان العربي والفلسطيني ينافس ويتفوق على عدوه حضارةً وخدمة للإنسانية كلها ، حيث كان الرجل مريضاً وضعيف البنية الجسدية ومن يعرف مرض السكر والنقرس يعلم كم هي مؤلمة وصعبة حياة صاحب هاتين العلتين ومع ذلك يتجاوز شهيدنا الكبير هذا الأمر ويقدم إبداعات ستبقى منارة للمنكوبين والباحثين عن الخلاص والحرية ليس في فلسطين وحسب بل وفي كل العالم .
كتب غسان عن وطنه وعن أبناء وطنه، ناصر الفقراء والمحرومين وكان واحداً منهم لسنوات طويلة، عمل في أقل المهن وأردأها بلا حساسية متجاوزاً لإرث العائلة ذات المنشأ البرجوازي في حيفا وعكا، وحلم بالكثير كما يحلم كل الكادحين وحقق ربما ما لم يكن يحلم به ، فقد حقق الخلود لاسمه واسم عائلته إلى يوم القيامة بروح قوية وشجاعة، ملهماً جيلاً كاملاً من الشباب الحالم بالعودة وبوطن يستظل بفيئه ويأمن على حياته ومستقبله .
لم يرسم غسان حصانه الشهير فقط ، بل رسم وقدم أيضاً مواصفات الفارس الذي يجب أن يمتطي ذلك الحصان الجامح واشترط لعودة الحق والوطن فرساناً بهذه المواصفات، فرسان يضربون الخزان بقوة ليس لإحداث الضجيج فقط بل ولتحويله إلى خزان بارود يفجروه في وجه العدو أينما ثقفوه. لم يتحدث عن الثورة والديمقراطية ورفض الظلم فقط بل تكلم أيضاً عن الحب والحياة والأسرة وعن العلاقات الإنسانية وعن تقديم العون ومتعة ذلك فكان إنسانيا في أجمل تجلياتها .
هو أول من كتب عن شعراء المقاومة الفلسطينية وإنتاجهم للتعريف بهم في البدايات الأولى، وهو أول من انتقد حياة أبناء الخليج وتخلفهم في قصته "موت سرير رقم 12 "، وأول من انتقد حكم عبد الكريم قاسم في العراق بمعنى غياب الديمقراطية هناك ، كما كان أول رئيس تحرير لصحيفة " المحرر" يخصص صفحة للتعليقات السياسية المتزنة، كما كان مبادراً للكتابة عن الأدب الصهيوني لنعرف كيف يفكر عدونا. وفي هذه كلها كان لشهيدنا شرف الريادة والسبق .
وأخيراً نقر بأن ما كتبناه وغيرنا حول الشهيد غيض من فيض حياته الحافلة وإبداعه المتفوق، ونتاج ذهن متقد وقلب يخفق بحب فلسطين، وحين جلسنا قبل عدة أشهر مع شقيقه وصديقنا العزيز عدنان كنفاني ومعنا رفيق ثالث في مقهى الكمال بقلب دمشق الفيحاء لم نكن نعلم أن ذات الطاولة التي اخترناها للجلوس حولها هي ما كان الشهيد يجلس حولها مع صديقه إبراهيم الراهب الذي حين رآنا نجلس إليها بادرنا بأن هذه هي بالذات من كان الراحل الكبير يستخدمها في مجالسته ومجالسة أصدقائه، وحين فارقت المكان والصديقين لم أشعر إلا ودمعة تفر من عيني ، وكم تمنيت أن يتغير قانون الزمن فتتاح لي فرصة لقاء رجل عظيم وشهيد كريم كغسان كنفاني ....... في ذكرى رحيله الحزين لا أملك سوى الترحم على روحه الطاهرة وتقديم المواساة لشعبنا الفلسطيني ولكادحيه ومناضليه كل في موقعه .
زياد ابوشاويش
[email protected]
8 / 7 / 2008