هل يصلح الدهر ما أفسده العطار ؟ بقلم:أ. إبراهيم الطهراوي
تاريخ النشر : 2008-07-08
هل يصلح الدهر ما أفسده العطار ؟ بقلم:أ. إبراهيم الطهراوي


إذا جاز لنا أن نقلب المثل العربي القائل " هل يصلح العطار ما أفسده الدهر " لتصبح عملية إصلاح ما أفسده العطار للزمن نفسه , فهو أي الزمن كما يقول العاشقين كفيل بأن يداوي كل الجروح , ويبلسم كل العلل .
على ما يبدو أن المثل في واقعنا الفلسطيني المُعاش مقلوب , فالفساد والخراب هنا بفعل العطار نفسه وعدم قدرته على إعطاء وصفة مناسبة لما يواجه مجتمعنا من قضايا ومشاكل , استعصت بفعل تجبره وتعنته على كل الحلول .
وبلا شك أن أي فرد يمتهن مهنة معينة غير مؤهل لممارستها سيكون نصيبه الفشل , وهذا ينطبق على عطار بلدنا الذي يفتقر لأبجديات المعرفة بأصول المهنة , حيث أنه من المؤكد في مثل هذه الحالة سيرتكب أخطاء فادحة , جسيمة قد تصل في فداحتها وجسامتها حد القتل , معتمداً على وصفاته وخلطاته وفتاويه التي لا تستند لأدنى فهم أو دراية أو معرفة باصول المهنة .
وما يصدق على العطار يمكن أن ينسحب على السياسي , فالخلطات السياسية المستمدة من أوراق وأعشاب شيطانية غريبة عن قيم بلادنا , وعادات شعبنا وتقاليده السياسية ومحرماته الوطنية , هي خلطات لا تساعد على تضميد الجرح وتسكين الألم , بل تزيد من حدة المرض وتزيد من حالة الوهن والضعف في الجسد , وفي وصفات مستوردة كوصفات التطهير , تصل الأمور إلى حد استباحة خطوط حمراء تحت حجج المعالجة وبتر العضو المصاب وما إلى ذلك ..
هذه المعالجات الخاطئة والمقصودة قد أرخت بظلالها الدموية على أبناء البيت الواحد , والأسرة الواحدة , وأفقدت القضية الوطنية بريقها ورونقها , وجعلتها كماً مهملاً بعد أن كانت في ركن الصدارة في كل المحافل عربياً وإسلامياً ودولياً , وبعثرت أوراقها هنا وهناك , وقسمتها إلى مناطق نفوذ بين رأسين متناحرين , يتنازعان شرعية النفوذ والاستحواذ , فبدلاً من أن يتعافى الجسد ويعود قوياً كما كانوا يظنون , استفحل فيه المرض , وأصبح منهكاً ضعيفاً , يستجدى قطرات من ماء ودواء ولقيمات من طعام وكساء .
يمكن القول أنه مهما تفنن من يدعون العلم والمعرفة في خلطاتهم السحرية , وحلولهم الإبداعية , ومهما حاولوا الادعاء بأن وصفاتهم إصلاحية , لا يضاهيها مثيل في علم المعالجة , فإنهم لن يستطيع أن يعيدوا للأيام بهجتها , فما حدث في المجتمع الفلسطيني من دمار اجتماعي وانقسام أصبح من الصعب تجاوزه بخطاب سياسي أو بكلمات منمقة , أو بادعاء الحرص على مصلحة الوطن , الأمر بتصورنا يحتاج إلى جهد كبير ومضني لجسر الهوة وإعادة الحقوق والكرامات لأصحابها , نحتاج لخطة وطنية شاملة يتوافق عليها الكل الوطني على قاعدة المحاسبة والشفافية , أحد أهم ركائزها محاكمة من تجرأوا على الدم الفلسطيني , لمسح دموع الثكالى والأرامل والأيتام , حتى نستطيع بناء جيل واعد يؤمن بمبدأ سيادة القانون , قادر على حمل أعباء عملية التحرير وصولاً لتحقيق الأهداف الوطنية , وإن لم نستطع الوقوف أمام مسئولاتنا التاريخية والوطنية ستطوينا صفحات التاريخ ونصبح جزء من ماضي , فهل الدهر قادر على أن يصلح ما أفسده العطار أو بمعنى آخر هل الزمن كفيل بأن يداوي جروح من سالت دمائهم في غزة ??? أكاد أشك في ذلك .