بداية لا بد من ذكر حقيقة يتجاهلها الكثير وتصم اذانهم عند سماعها نتيجة الانتماءات الحزبية العمياء التي تقلب وتزور الحقائق وهي ان أول من مارس المقاومة لا بل ان البدء بأول عملية عسكرية كان الايذان بإعلان انطلاقتها هي حركة فتح في الوقت الذي لم يحرك الاخوان المسلمين والذين انطلقوا قبل فتح بكثير ساكناً، لا بل ان احد قادتها المؤسسين وهو امير الشهداء ابو جهاد والذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين وكان من قياداتها الطلابية قرر الخروج نتيجة لعدم حصوله على إجابة واضحة في حينه من قبل قيادات الاخوان بشأن ممارسة الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني تحت حجج وذرائع واهية.
إضافة الى ذلك فإن الانتفاضة الشعبية الاولى المباركة التي تفجرت يوم 8/12/1987 والتي شاركها فيها جميع ابناء شعبنا وقواه المناضلة إجبرت قيادة الاخوان المسلمين على حسم خيارهم، لأنهم ادركوا ان البقاء موقف المتفرج سوف يفقدهم شعبيتهم التي كسبوها من خلال تنفيذ المشاريع الخيرية التي دعمتها العديد من الانظمة العربية في ذلك الوقت محاولة منها لإيجاد قوة تنافس م.ت.ف في تمثيلها للشعب الفلسطيني ولهذا كان انطلاقة حماس بعد اسبوع من تفجر الانطلاقة الشعبية.
لقد مارست حماس المقاومة التي كانت العنوان الرئيسي لطروحاتها السياسية ومبرر لوجودها بشكل موسمي لتحقيق اهداف حزبية محضة وليس كإستراتيجية وكانت تقوم بالعديد من العمليات عسكرية ضد العدو الصهيوني في الوقت التي كانت تجري مفاوضات بين السلطة والعدو الصهيوني في حينه وكان الهدف إفشال المفاوضات واحراج الجانب الفلسطيني.
واليوم وبعد ان سيطرت حماس على غزة بعد إنقلابها الدموي الذي نفذته في 14حزيران 2007 متذرعة بالفلتان الامني الذي كان يعاني منه قطاع غزة والذي هرب جميع رموزه بدون ان تمس اي شعرة من احدهم، والذي سقطت جميع مبرراته بعد ان قامت ميليشيا حماس بممارسات اشنع وأكثر تنكيلاً مما كان يحصل في السابق ضد العديد من ابناء فتح والذين لم تكن لهم اي علاقة بالهاربين من غزة لا من قريب ولا من بعيد، لا بل ان ممارسات حماس طالت مناضلي كتائب شهداء الاقصى الذين كانوا يواجهون العدو الصهيوني، وبعد ان اصبحت هي الحاكم الناهي بأمره الذي لا ينافسها احد بعد أن احكمت قبضتها على غزة واصبحت هي من تضع المعايير للتنظيمات الاخرى، اصبحت تمارس اسوأ مما كانت تنتقده في السابق.
لقد ادركت حماس انه لا يمكنها الاستمرار بالتغطية على حقيقة ما يجري في غزة وإنها تفقد شعبيتها يوماً بعد يوم نتيجة الممارسات الوحشية التي تقوم بها ضد ابناء شعبنا إضافة الى المأزق الصعب التي تعاني منه نتيجة الحصار المفروض على القطاع والذي الحق الاذى والضرر بالمواطن العادي الذي لا ينتمي لأيِ من التنظيمات والذي يعتمد على ساعده في كسب قوته اليومي وقوت اطفاله وبعد فشل كل المراهنات على تحقيق ولو فجوة في جدار هذا الحصار أثرت الاستسلام لخيار التهدئة والتعامل معه وقبلت بالتهدئه الجزئية في غزة دون الضفة بعد ادراكها ان العدو الصهيوني سوف يلتزم بالتهدئة والتي هي مطلب اساسي لحكومة اولمرت الفاقد الشعبية للاستفادة منها وتلميع صورته عالمياً وتحسين صورته على الصعيد الداخلي خاصة بعد تصاعد قضايا الرشاوى والفساد ضده، وقادة الكيان الصهيوني يدركوا جيداً إن تهدئة مجزوئه تقتصر على غزة فقط دون الضفة لن يكتب لها النجاح وسوف تستخدم كوسيلة تفجير لإتفاق التهدئة.
لقد حاولت حماس إظهار ان التهدئة هي اجماع وطني شامل ومصلحة وطنية، هنا نتسأل هل تحقق الاجماع الوطني حول التهدئة وهل شاركت جميع قوى المقاومة في إتخاذ القرار ؟؟ ولماذا تم إستبعاد كتائب شهداء الاقصى وعدم إشراكهم في الاجتماعات التي كانت تجري في القاهرة؟؟ هل حماس وحدها هي التي تحدد المصلحة الوطنية ام ماذا؟؟.
ما أشبه اليوم بالبارحة!! ألم تكن التهدئة أيام الشهيد القائد الرمز وهو الذي لم يتنازل او يفرط بالثوابت الوطنية حتى اخر لحظة في حياته مصلحة وطنية؟؟ وهل كانت عملية بئر السبع وغيرها والتي نفذت بالرغم من الاغلاقات والإجراءات المشددة ايام المفاوضات مع العدو الصهيوني هي للحفاظ على المصلحة الوطنية؟؟ وهل اصبحت حماس التي لا تزال في سن المراهقة الممثل الشرعي للمقاومة والتي توزع شهادات الوطنية والمقاومة؟؟
يا للعجب، عندما وصلت حماس الى الحكم اصبحت تتحدث عن القانون والنظام، واصبح المناضلين بحاجة الى إذن رسمي من حكومة حماس للقيام بعمليات ضد العدو الصهيوني او فعليات سياسية!!، وتعدى الامر الى القيام بعمليات إعتقال للمناضلين واصبح عناصر حماس يمارسوا أسوأ مما كان يمارس ضدهم بالأمس!!، والسؤال الذي يطرح ألم يكن هنالك بالماضي سلطة وقانون ونظام؟؟ ولماذا لم تلتزموا بذلك وماذا كان موقفكم من الاعتقالات التي كانت تمارس بحقكم؟؟ والامر الاخر الاكثر سوءاً، السلطة بكل ما تحوي من بشر، إنتهازيين ومنتفعين واصحاب مصالح ومناضلين كانت تقوم بإعتقالات وممارسات لم يقبل بها او يقرها المناضلين؟؟لكن ماذا عن الإعتقالات والممارسات التي قام بها من يدعي المقاومة والتي فاقت ما كانت تقوم به السلطة؟؟.
الحكم ليس مخلدأ ولو كان الامر كذلك لما وصلت حماس الى الحكومة وكما يقول المثل الشعبي: (لو دامت لغيرك ما وصلت الك)، والايام تدور ولتتذكر حماس انها فتحت على نفسها ابواب جهنم، ولتعلم ان كتائب شهداء الاقصى ليسوا لقمة سائغة بيدها او بيد غيرها، وان كانوا صبروا على الظلم الذي مورس بحقهم من حماس كما مورس من قبل السلطة فهذا ليس جبناً او ضعفاً، إنما هذه هي صفات وأخلاق المناضلين أن لا يقابلوا الظلم بالظلم خاصة من ذوي القربى.
إن تصوير التهدئة التي حصلت في غزة من قبل قادة حماس على انه انتصار للمقاومة!! وكأن ما جرى يعبر عن حالة من توازن الرعب هو كلام مجافي للحقيقة ويجب عدم خداع النفس بهذه الادعاءات، وحقيقة الامر ان العدو الصهيوني يقوم بتهويل وتضخيم إطلاق الصواريخ التي لم تلحق الاذى بالعدو الصهيوني وقطعان المغتصبين لتبرير القيام بإرتكاب المجازر ضد مناضلينا وابناء شعبنا، إضافة الى إن قادة العدو الصهيوني يسعوا من خلال هذه التهدئة لإستعادة شعبيتهم التي فقدوها.
وكلمة اخيرة لا بد من قولها:
اولاً: الاجماع الوطني لا يتحقق الا بمشاركة الجميع دون إستثناء احد، والمصلحة الوطنية لا تقررها حماس او أي تنظيم لوحده كما يشاء وحينما يشاء، بل تقررها جميع القوى الثورية المناضلة.
ثانياً: المصلحة الوطنية تقتضي ان تكون التهدئة شاملة في الضفة والقطاع والوطن لا يتجزأ، وأي خرق للهدنة من قبل العدو الصهيوني يجب ان يقابل بالمثل والرد حق طبيعي للمقاومة في اي مكان وزمان ترتأيه ملائماً ومناسباً.
ثالثاً: نأمل من حماس التي اظهرت التزاما وإنضباطاً غير عادياً بالتهدئة اعترف به العديد من قيادات الكيان الصهيوني ان تكون جادة بشأن إنهاء حالة الانقسام التي حصلت في الساحة الفلسطينية والتي كرست حكومتي امر واقع وتبادر الى إتخاذ خطوات حقيقية بشأن ذلك والبدء بحوار وطني شامل يضم جميع التنظيمات الفلسطينية لإعادة اللحمة، وتشكيل لجان مستقلة للتحقيق بما جرى في القطاع وإنزال أشد العقوبات بحق كل من مارس القتل والتعذيب من أي جهة كانت.
نمر الاحمد
05/07/2008
هل اصبحت التهدئة الان يا حماس مصلحة وطنية!!؟ بقلم:نمر الاحمد
تاريخ النشر : 2008-07-06