للنصر معنى مغايرا عند العرب بقلم:أحمد ابراهيم الحاج
تاريخ النشر : 2008-07-03
للنّصرِ معنىً مُغايراً عند العرب
.........................................
اللغة العربية هي لغة القرآن خاتم الرسالات السماوية ، لهذا فهي من أجمل وأفصح اللغات على وجه هذه الأرض ، وأوسعها مساحة للحرية والتعبير ، ليس لأنها لغتنا نحن العرب ، فقد أسأنا الى هذه اللغة الجميلة الواضحة بمعانيها ، فكم من المعاني حرفناها في اللغة وفي القرآن ، وكم لوينا بها عنق الحقيقة ، وكم أوهمنا شعوبنا باللعب واللف والدوران على مساحات ملاعبها الرحبة ، وكلمة (الأعراب) وردت في القرآن في مواضع اقترنت بالنفاق ، لا بل شدة النفاق ، فحذار من نفاق الأعراب ، وما أكثر الأعراب في يومنا هذا ، فقد انقسمت كلمة العرب والتي تعبر عن وحدة المعنى للكلمة التي تصف أتباعها، انقسمت وتكاثرت من خلية واحدة (عرب) الى عدة خلايا فأصبحت العربُ أعراباً وجاء في القرآن الكريم على لسان الخالق علاّم الغيوب في الماضي والحاضر والمستقبل ذكر الأعراب وليس العرب للدلالة على اعتبار ما سيكون عليه الحال بعد سيد الخلق الذي تنبأ هو أيضاً لمستقبل هذه الأمة حينما أشار بما معناه أن الأمم سوف تتهافت على هذه الأمة كتهافت الأكلةِ على قصعتها، ولم يكن الإنقسام لكلمة العرب إنقساماً فطرياً طبيعياً متماشياً مع منطق الحياة وقوانين الطبيعة البيولوجية والعلم ليبقي الخلايا المنشطرة في إطار الشرنقة العربية جغرافياً وتاريخياً وديمغرافياً، بل كان إنقساماً سرطانياً خبيثاً ، حتى أن العرب داخل الوطن العربي في الكيانات العربية السايكسبيكوية الإثنتين والعشرين أصبحوا أعراباً كما هو الحال في لبنان وفلسطين والعراق والسودان والصومال.......الخ. فكل كيان عربي أصبح يتألف من مجموعة من الأعراب المتناحرة المنقسمة على نفسها داخل كيانها الصغير.
كانت تلك المقدمة لوضع النقاط على الحروف ، وللتمهيد للب الموضوع ألا وهو معنى النصر عند العرب ، ولتوضيح معنى النصر فهو كلمة عربية تعني نتائج خيِّرة لمعركة أو حربٍ أو مبارزة أو مباراةٍ يبذل بها مجهود للوصول الى هدف يُقصد به درء الشر أو تحقيق نتائج طيبة تعود على باذل الجهد بالخير ، واقترنت تلك الكلمة (النصر) بالحروب والمعارك والمبارزات والمباريات على جبهات القتال وعلى جبهات الحياة بمختلف مناحيها. الأعراب خاضوا معارك عدة وعلى مختلف جبهات الحياة ، منها المعارك العسكرية ، والمعارك السياسية والإقتصادية والرياضية والعلمية من أجل الإستقلال والحرية والوحدة والتنمية والتطوير ، وحقيقة الأمر أن العرب لم يعترفوا يوماً واحداً بالهزيمة ، ولم يحللوا أسبابها بالعلم والمنطق ويعيدوا النظر في مسيرتهم الخاطئة بتوجيهات قيادة غير واعية تعتلي قمر القيادة ، ولم يغيروا من أبطال تلك المعارك الخاسرة وصوروا لشعوبهم أن الهزيمة على أرض الواقع هي جزءٌ من النصر ، وهي خطوة متعثرة على الطريق الصحيح للنصر، وأن العدو كان يقصد القيادة والنظام وأن سر انتصارنا هي الحفاظ على قيادتنا وعدم سقوطها كما كان يخطط لها الأعداء ليجعلوا منا أمة يتيمة فقدت راعيها ، لذلك وعلى حالنا بعد المعركة نعتبر منتصرين وقد حققنا النصر وكدنا الأعداء بتمسكنا بقيادتنا الرشيدة. فلو استعرضنا معارك الأمة العربية منذ حروب الإستقلال بعد الحرب العالمية الثانية الى يومنا هذا لوجدنا أن تاريخنا يخلو من أيّ نصرٍ عسكري بائن ومكتمل بكل أركانه ، ربما حققنا بعض الإنتصارات العسكرية بهمة المواطن العربي المقاوم والمنخرط في الجيوش العربية ، ومثال ذلك بداية بمعركة الكرامة ، ولم يكن نصراً مكتمل الأركان حيث كان النصر هو فشل العدو في تحقيق هدفه من المعركة ، ولكن وبكل أسف لم نستثمر هذا النصر المجزوء بنصر سياسي ، بل بالعكس تحول الى هزيمة سياسية بتحقيق العدو هذفه بعد عامين من المعركة في إبعاد الفدائيين من الأرض الأردنية ، بعد حرب أبناء العمومة في أيلول الأسود عام 1970وذلك لعدم صيانة وجودنا على الأرض الأردنية وتهديدات العدو المستمرة لهذا الوجود بإزالته تحدياً للسيادة الأردنية. والنصر المجزوء الثاني هو حرب رمضان (أكتوبر 1973) ، ولكن لم نستثمر هذا النصر العسكري الناقص والذي انتقصه القرار السياسي ، بل بالعكس تحقق حلم العدو في شرخ الصف العربي وإخراج الثقل العربي الأعظم من جبهة الصمود والمقاومة باتفاق منفرد وكما خطط العدو. وكان النصر العربي المجزوء الثالث هو حرب تموز على لبنان عام 2006 ، وها نحن نرى النتائج السياسية بفرقة الصف اللبناني وانقسامه على نفسه كنتيجة سياسية لهذا النصر العسكري المجزوء. ناهيك عن النصر العسكري العراقي على ايران في حرب الثمانية أعوام والذي تحول الى هزيمة منكرة الآن ، والنصر في أم المعارك وما آلت اله الآن.......الخ.
وآخر هزيمة حققناها والتي نهلل لها ونحرفها عن معناها المؤنث الى معنى مذكر وهو النصر بدلاً من الهزيمة هي "إتفاق التهدئة بين حماس واسرائيل" وهو الموضوع الذي سنتطرق فيه الى مزيد من التفصيل لأنه على تماس مباشر معنا نحن الفلسطينيين. إنه بحق إتفاق ولد من رحم الهزيمة المنكرة ، إنه اتفاق التراجع الى نقطة ما تحت الصفر ، إنه الإعتراف المؤلم بخطأ وسائل المقاومة المتبعة التي رفعها طرف الإتفاق مع اسرائيل ، ولكن بالإمكان تدارك الهزيمة بالمصالحة الوطنية المخلصة الصادقة التي تغلِّب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية الضيقة. وخلاف ذلك فهو يصنف في عداد النفاق ! إنه النفاق السياسي تحت مظلة وهالة مصطنعة من الشعارات الخداعة والبراقة . لماذا كان هذا الإتفاق تعبيراً واضحاً وجلياً عن الهزيمة إن لم يتم تداركه؟؟
 جاء الإتفاق على أرضية فلسطينية متصدّعة ومنقسمة ، أدت الى قبر استراتيجية المقاومة التي إدعاها أحد طرفي الإتفاق عندما كانت الأطراف الأخرى على وشك الوصول الى إتفاق تهدئة قبل خمس سنوات ينطوي على اتفاق سياسي دون الحصار وإراقة دماء أكثر من 1800 شهيد بحجة شعار المقاومة الأجوف وعبثية وسائل المقاومة ، وكان هذا الإتفاق مقابل الطعام والماء الذي يحفظ الحياة لأهلنا في قطاع غزة ومقابل سلامة القادة وحرية حركتهم ، (وعلى الطريقة العربية نقول ما دام قادتنا بخير فنحن بخير حتى لو متنا جوعاً). وهذا الإتفاق يحرم عامة الناس في القطاع من حرية الحركة ومن الأمن الصحي والغذائي والتعليمي ، فمن رآى منظر الناس يتدافعون على معبر رفح الحدودي من أطفال ونساءٍ وشيوخٍ ومنظر الشرطة الفلسطينية تهددهم بالعصي عندما فتح المعبر جزئياً يوم 1/7/2008 أدرك مدى الذل الذي انطوى عليه هذا الإتفاق. ومدى الظلم والجور الذي وقع على الطرف الفلسطيني المتضرر من الإتفاق.
 الإتفاق يكرِّس حالة الإنقسام السياسي والجغرافي الفلسطينية ، فاسرائيل تعودت على تجزئة الحلول في اتفاقيات السلام التي عقدتها مع العرب من كامب ديفيد الى اوسلو الى وادي عربه لعدة أهداف ، أهمها ترسيخ عوامل الفرقة العربية ، وإطالة أمد المفاوضات لتغيير الواقع على الأرض الفلسطينية ، وتشعب المفاوضات السرية ، لتجعل العرب في سباق نحو التسوية ، والتسريع في انهائها ولو على حساب التنازلات العربية لصالح اسرائيل ، فكما لاحظنا عند اعلان اتفاق اوسلو سارعت الأردن ومن حقها أن تحافظ على نظامها السياسي الى عقد اتفاق مع اسرائيل دون استكمال أركانه وخاصة فيما يتعلق بالمياه. وها هي اسرائيل تفتح خطاً سرياً مع سوريا في نفس الوقت الذي تخوض مراثوناً على الخط الفلسطيني بأبطأ ما عندها من سرعة سير نحو الإنجازات على المسار الفلسطيني. وفي سياسة التجزيء للمسار الفلسطيني فقد عمدت الى فتح خط غير مباشر مع حماس وذلك في سياق سياسة الإحتواء المزدوج لفتح وحماس تكريساً للإنقسام. وتدرك اسرائيل جيداً اقتراب موعد الإنتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية ، وربما تهدي حماس إتفاق تبادل للأسرى يرفع من شعبيتها في الإنتخابات المقبلة ويعيدها من جديد للسلطة لأن في ذلك مصلحة اسرائيلية في الإبقاء على الحالة الإنقسامية السياسية والجغرافية ومصلحة حمساوية حزبية ضيقة.
 الإتفاق يضعف الأوراق الفلسطينية الضاغطة في المفاوضات التي بقيت النافذة الوحيدة المفتوحة لحل الصراع بعد إغلاق نافذة المقاومة بوأدها برصاص الإتفاق ، ويضعف من عناصر الضغط الدولي على اسرائيل لإنقسام الطرف الآخر على نفسه وحالة الكيانين المفصولين سياسياً وجغرافياً.وعدم جاهزيته لحكم الأراضي المقترحة للدولة الفلسطينية وعدم تحقيقه الأمن لدول الجوار وللمنطقة برمتها.
 الإتفاق لا يشمل الضفة الغربية بيت القصيد عند اسرائيل (يهودا والسامرة) أرض الميعاد ، والفريسة الدسمة لها لتمددها على حساب الأراضي العربية ، وبذلك يكون الإتفاق إحراجاً للسلطة والحكومة الشرعيتن اللتن تتخذان المفاوضات هدفاً استراتيجياً كوسيلة لحل الصراع ، ويخفض من أسهم السلطة والحكومة الشرعيتين اللتيين يعترف بهما العالم لصالح أسهم الحكومة المقالة غير الشرعية في غزة ، ويضعهما في كفتي ميزان تميل فيها كفة اللاشرعية على الشرعية مما يخلص اسرائيل من حرجها أمام جرأة طلاب السلام من الفلسطينيين وبالتالي تتملص من التزاماتها وتخفض من سقف تنازلاتها على حساب تنازلات الطرف الآخر من بقايا حقوقه.
لا نقول ذلك مناهضة لحماس لحساب فتح ، ولا إنصافاً لفتح على حساب حماس ، فتلك الكلمتين (فتح وحماس) أصبحتا عنواناً للإنقسام والمناكفة والمحاصصة في الشارع الفلسطيني في الداخل وفي الشتات وداخل الخط الأخضر ولافتتين على مفترق طرق وكلتا الطريقين تقودان الى مصير مجهول يحتمل الفشل بقدر ما يحتمل النجاح وضعتا الشعب في حيرة من أمره أيهما يسلك ، و ربما يسلك طريقاً ثالثاً ويختار الإحتلال في ظل الفراغ الوحدوي للكيان الواحد والفلتان الأمني ولفقدانه الثقة في كلتيهما ، وأصبحتا كلمتين ثقيلتين على لسان كل فلسطيني وطني حر يحب الوطن ويفضل مص