قناة الجزيرة وضجة "شاهد على العصر" بقلم:داود البصري
تاريخ النشر : 2008-07-02
لا بد من الاعتراف الكامل والشامل بانه لا توجد اي مؤسسة اعلامية عربية لها من الانتشار الكبير والواسع بين الشعوب العربية في مختلف اقطارها مثل ما لقناة الجزيرة الفضائية من شعبية طاغية, وهذا اهلها لان تكون سلاحاً اعلامياً جباراً في عصر الثورة الاعلامية والمعلوماتية الذي نعيش. فلقد تابعت بامعان الكثير من الصحف العربية ووسائل الاعلام الاخرى والمواقع الالكترونية المختلفة الاهواء والانواء والاراء والتوجهات, وجميعها كانت تتحدث عن برنامج »شاهد على العصر« الذي كان يقدمه منذ سنوات الإعلامي احمد منصور الذي قدم على شاشة الجزيرة العشرات من الشخصيات العربية في مختلف المجالات وخصوصا السياسية ومنها شخصيات مثيرة للجدل مثل حرم الرئيس المصري الراحل انور السادات السيدة جيهان السادات, والنائب السابق للرئيس المصري, وأحد ضباط ثورة يوليو المصرية المرحوم حسين الشافعي, وكان البرنامج يعرض ويقدم دون ان يثير ضجة ولا انفعالاً ولا اتهامات.. حتى جاءت شهادة الوزير العراقي السابق حامد علوان الجبوري لتفتح النيران مرة واحدة وبرشقات مختلفة على مقدم البرنامج احمد منصور الذي فضل الصمت والترقب والانتظار على ما يبدو, حتى تهدأ العاصفة والتي في حصيلتها خدمة اعلانية واعلامية كبيرة لقناة الجزيرة المشتبكة في معارك إعلامية عدة في الساحة العربية, كان اخرها المعركة القانونية والسياسية مع المغرب في موضوع احداث مدينة (سيدي ايفني) التي ادت إلى منع تقديم نشرة الاخبار المغاربية من مكتب الجزيرة في الرباط ومحاكمة مراسل القناة هناك, اضافة لحملة اعلامية كبرى ضد الجزيرة لم تزل بعض ذيولها قائمة!
و غني عن الذكر معارك الجزيرة الكبرى في العراق ومصر وتونس والسودان والكويت وغيرها, حتى أضحت هذه القناة مالئة الدنيا وشاغلة الناس .
ولكن معركة برنامج »شاهد على العصر« من طراز مختلف, فهي ليست ضد نظام عربي قائم حاليا, وليست موجهة ضد طرف محدد بقدر ما هي معركة الامانة الاعلامية ونقل الصورة التاريخية للاحداث كما هي, والاجتهاد الواضح في نبش الملفات الحساسة والتاريخية المنسية والمغيبة في عالمنا العربي وما اكثر تلك القضايا والمآسي المدفونة تحت تراب التضليل والتجاهل والاهمال والنسيان...
والحملة الاعلامية الظالمة والشرسة المثارة حاليا ضد احمد منصور تقف خلفها اساسا بقايا الجماعات الفاشية التي ما زالت تمجد باصنامها وطغاتها من الذين كانوا سببا في تدمير الامة وشقاء الشعوب العربية, كجماعة صدام حسين مثلا الذين يكررون المصائب الفكرية والسلوكية ويمارسون اساليب التضليل وخلط الاوراق, متناسين بأن حزب البعث العراقي ذاته كان الضحية الاولى والكبرى لمجازر نظام صدام وباعناق الرفاق البعثيين بالذات بدأت المجزرة العراقية الكبرى!.
واعترف بأن ملايين الدولارات صرفت عبثا على قنوات ومجلات وصحف لا يشاهدها ولا يقرأها أحد ولا حتى كتابها بينما استطاع برنامج واحد من برامج الجزيرة ان يحدث انقلاباً هائلاً في الرأي العام العربي عجزت كل صحف العرب العاربة والمستعربة عن تحقيقه , فالاقوال والاراء التي ابداها الجبوري في نظام صدام البائد والتي وافقه عليها بل شحنه بها واستفزه من اجل قولها احمد منصور, غيرت الكثير من القناعات في الشارع العربي الذي كان متعصباً لكل ما هو »صدامي« او متعلق بصدام حسين, الذين كانوا يرونه - خصوصا في بلاد المغرب الاقصى - بمثابة صحابي ومناضل وشهيد, غير ملتفتين لجوانب الشر والغدر والتآمر في سياساته... فجاء احمد منصور ليقلب الطاولة على رؤوس الجميع وليضحك على الاعلام الطائفي العراقي الرسمي الفاشل التافه الحالي الفاقد الصدقية , حيث جعل الشعب الجزائري مثلا - وهو المتعصب لصدام حتى الثمالة يمط شفتيه ويصاب بالصدمة وهو يتابع حكاية مسؤولية نظام صدام عن مقتل وزير الخارجية الجزائري الاسبق ووسيط السلام بين العراق وايران محمد الصديق بن يحيى في اوائل الثمانينيات في تفجير طائرته المدنية بصاروخ عراقي وهي الجريمة التي اعلنت نتائجها في ذلك الحين ولكن تمت التغطية عليها لاسباب معروفة!! وكذلك مسؤولية مخابرات نظام صدام عن تسميم الرئيس الجزائري هواري بومدين بسم الفئران (الثاليوم) وهذا ايضا ما حصل مع الفلسطيني الدكتور وديع حداد... ثم مصرع صبري البنا »ابو نضال« في آواخر ايام نظام صدام, بعدما قيل انه انتحر.
وملفات سوداء اخرى كانت مخفية ولم يتطرق إليها البرنامج مثل تأييد نظام العراق السابق لكل المحاولات الانقلابية في المغرب (الصخيرات ثم الطائرة الملكية) عامي 1971 و1972 وتأييد إنقلاب هاشم العطا في السودان العام 1971.. وغيرها من المصائب القومية والكوارث الكبرى التي احاقت بعالمنا العربي الحافل بالحقد والتأمر.
وستستمر الحملة الشرسة على احمد منصور التي اثبتت الضجة الكبيرة المثارة حوله حاليا على قوة السلاح التدميري الشامل للجزيرة! فيما لو وجهت برامجها نحو هدف من الاهداف , ومن المؤكد ان ما فعله احمد منصور في »شاهد على العصر« سيظل درسا بليغا من دروس الاعلام العربي كما انه بمثابة انقلاب منهجي شامل في التوجيه الاعلامي... وكل الضجة المثارة حوله ستتلاشى لان الحقيقة التاريخية اقوى من كل الضجيج المفتعل والشاذ والمعادي لحركة التاريخ .

* كاتب عراقي
[email protected]