عوامل وشروط نجاح المصالحة والحوار الفلسطيني
مبادرة الرئيس الفلسطيني للحوار الشامل تتباطأ
بقلم : زياد ابوشاويش
منذ طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس مبادرته للحوار الوطني الشامل لإنهاء حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية لم نشهد أي تطور ايجابي على صعيد تنفيذ ما دعت إليه هذه المبادرة سوى الترحيب من كل الأطراف الفلسطينية والعربية وهو أمر جيد لكنه لا يقدم ولا يؤخر في تحقيق الهدف من وراء المبادرة. وكما نلاحظ فقد بدأت هذه المبادرة بالتباطؤ وفقدت قوة دفعها وأصبحت في حاجة إلى جملة من التحركات وربما القرارات لإنعاشها والسير بها للأمام .
لا يمكن التنبؤ بالسبب الذي يجعل طرفي الخصومة الفلسطينية يحجمان عن البدء في الحوار أو اتخاذ أي خطوة عملية باتجاه تنفيذ المبادرة لكن الأمر المؤكد أنهما يتحملان مسؤولية هذا الجمود ، وأن هناك مصلحة لهما في ذلك ، كما أن المواطن الفلسطيني بات يشك في أن هناك مراهنات من نوع ما لا زالت تراود أفكار الطرفين بالرغم من وضوح الصورة العامة للواقع الدولي والموقفين الأمريكي والإسرائيلي من الحل مع الرئيس عباس في الضفة أو من التهدئة مع حركة حماس في غزة، وهي أي المراهنات إن صدق حدس هذا المواطن خاسرة ولن تقدم للطرفين أي مكسب أو امتياز.
ومن هذه المقدمة الضرورية نلتمس الطريق إلى عوامل وشروط نجاح الحوار والمصالحة وبعد أن اتضح للجميع أن لا خيار أمام الفلسطينيين سوى وحدتهم وأن هذه القناعة لدى الطرفين ونقصد فتح وحماس ربما يكون الشرط الأهم لنجاح الحوار وللوصول لنتائج ايجابية. إن تفاصيل كثيرة يمكن الحديث فيها تحت هذا العنوان لكن الشيء الذي لابد أن يفهمه قادة فتح وحماس هو أن الضفة الغربية لن تكون النموذج لعودة الحقوق وبالتالي لن تقدم للرئيس ولحركة فتح أي أفضلية لا بالمعنى الوطني العام ولا بالمعنى الفتحاوي الخاص، وكذلك فان غزة سواء في ظل الحصار الخانق أو في ظل التهدئة لن تقدم لحماس وبرنامجها أي أفضلية لا بالمعنى الوطني العام ولا بالمعنى الحمساوي الخاص باعتبارها قاعدة لتعزيز النفوذ أو الحصول على الشرعية، والى هنا نكتفي من الشرط الأول.
إن غياب الفعل الجماهيري عن ساحة العمل الوطني باتجاه إدانة الانقسام بشكل حاسم والقيام بأوسع الحملات للتنديد بذلك والانحياز الأعمى لهذا الطرف أو ذاك مع حالة الشحن والتحريض وما نتج عنها من افتقاد لطرف ثالث قوي ومؤثر يستطيع تحريك الشارع للضغط على الطرفين قد أدى لإضاعة الكثير من فرص الحل والتي تهيأت عبر مبادرات عربية أو فلسطينية .
لذلك فان أحد عوامل نجاح الحوار كما المصالحة هو العمل لتحريك الشارع الفلسطيني والرأي العام من أجل إرغام الطرفين على القبول بتنازلات للوصول للحل .
وفي مجال العمل بآليات محددة للبدء بالحوار وبالتالي الاتفاق على مواعيد محددة وأماكن للقاءات وغير ذلك من الاستعدادات فان أهم عامل لدفع الأمور للأمام يتمثل في قناعة الطرفين بأهمية الشروع الفوري في ذلك قبل ضياع الوقت ودخول عوامل غير محسوبة على الخط والرغبة والالتزام التي يجب أن تتوفر لدى كل الأطراف الفلسطينية في الوصول للوحدة والمصالحة .
وكما هو مفهوم سواء من خلال قراءة مدققة لمبادرة الرئيس والتي قدمت باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو من خلال التجربة السابقة فان حواراً ثنائياً لن يكون مجدياً بل يجب أن يكون شاملاً بالمعنى الوطني العام ومساهمة كل القوى والفصائل الوطنية فيه كما الشمول الذي يعني القضايا المتوجب علاجها من خلال هذا الحوار .
إن اتضاح حجم الخداع الأمريكي وخطأ المراهنة على المفاوضات فقط مع العدو الصهيوني كما انتهاء ولاية الرئيس بوش وعدم الوصول لاتفاق على قضايا الحل النهائي للوصول لدولة فلسطينية مستقلة ومترابطة وقابلة للحياة مع نهاية هذا العام وكذلك ازدياد المعاناة والحصار على قطاع غزة وفشل أي استثمار جدي بالمعنى الوطني لحالة الانقسام بين غزة والضفة مما أدى للقبول بتهدئة بمواصفات سيئة واستبعاد الضفة وقضية المعابر منها، وبالتالي عدم قدرة طرفي الصراع الفلسطيني الداخلي على استثمار الواقع الإقليمي أو الدولي لخدمة الحقوق أو المقاومة الفلسطينية قد مهد الطريق لرؤية فلسطينية جديدة تعطي العمل الداخلي أو المحلي الأولوية في تعديل ميزان القوى بالمعنى النسبي وبأن الوحدة الوطنية هي مفتاح التحول الصحيح والقوي سواء باتجاه السلام والمفاوضات أو باتجاه المقاومة واستمرار الحرب المفتوحة مع الكيان الصهيوني . إذن نحن أمام عامل مهم يرتبط بهكذا رؤية صحيحة وموضوعية للظروف المحيطة بنا ومدى تأثيرها في نجاح أو فشل مسعانا للسلام والوصول لحقوقنا الوطنية بالحد الذي توافقنا عليه .
وللوصول لنتائج ايجابية تضمن استمرار التحرك الفلسطيني بركائزه المعروفة يتطلب الأمر الإقلاع عن قصة المحاصصة واقتسام النفوذ والمواقع وغير ذلك من السلوكيات والمفاهيم الضارة بمستقبل العمل الوطني الفلسطيني والمعرقلة لاستمرار المشروع الوطني. إن هذه الثنائية يجب أن تنتهي ليصبح العمل بعقلية مختلفة تفتح الأفق واسعاً أمام مشاركة واسعة من كل قوى المقاومة والمجتمع المدني. وفي هذا السياق يمكن أيضاً الحديث عن دور مهم لقوى اليسار الفلسطيني والفصائل الأخرى الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية والإخوة في الجهاد الإسلامي فهؤلاء عليهم واجب المساهمة في إيجاد الحلول والضغط على الطرفين وتشكيل ضمانة وطنية لالتزام كل الأطراف بالوحدة الوطنية وما يتم الاتفاق حوله . إن غياب دور هذه الفصائل والقوى يلحق ضرراً فادحاً بعملية الحوار ، والأمر لا يتعلق فقط بتقديم المبادرات والحديث المتكرر عن أهمية الوحدة الوطنية بل يجب أن يترافق ذلك مع نشاط شعبي تقوده هذه القوى للضغط باتجاه إنجاز المصالحة وعودة الوحدة بين غزة والضفة بما يعنيه ذلك من عودة الوئام بين فتح وحماس .
لا شك أن توقف حملات التحريض والتخوين والشحن وإثارة النعرات والأحقاد هو عامل مهم لتمهيد الجو والطريق لبدء محادثات وحوار مثمر بين كل الأطراف الفلسطينية خصوصاً فتح وحماس وقد لاحظنا تحسن على هذا الصعيد بعد مبادرة الرئيس محمود عباس إلا من بعض وسائل إعلام ومواقع انترنت ، ومع تراجع الاهتمام بالمبادرة يخشى أن تعود هذه الحملات وهذه اللغة مجدداً بين الطرفين ، من هنا لا بد أن نستمر في ضبط المسألة حتى نهاية المفاوضات والحوار إن أردنا النجاح .
ومن عوامل إنجاح الحوار الحاسمة الاتفاق على غرفة عمليات سياسية وعسكرية مشتركة تأخذ في الاعتبار إمكانية استمرار المفاوضات من جهة وتصاعد العدوان الصهيوني من جهة أخرى وتحت هذا البند أو العامل لنجاح الحوار يقع الاهتمام الكبير بمنظمة التحرير الفلسطينية وإعادة تفعيلها وبناء ما يستلزم بناءه من هياكلها المهترئة ، كما يقع البرنامج السياسي والانتخابات الداخلية وآليات حسم الخلافات كي لا تقود لتجربة مريرة أخرى وغير ذلك من عناوين فرعية لوحدة القيادة والأداة التي عبرنا عنها بغرفة العمليات المشتركة .
إن توقف الاندفاع لمبادرة الرئيس الفلسطيني باتجاه التطبيق العملي يعود بالإضافة لما تقدم إلى عدم المبادرة سواء من طرفي الخلاف الرئيسيين أو من باقي الأطراف العربية بمعنى تردد بعض الدول العربية المهيأة أكثر من غيرها لاحتضان الحوار في الدعوة للقاء كل الأطراف على أراضيها واقتصر الأمر على دعوة بعض العرب إلى رعاية من خلال الجامعة العربية وفوق الأراضي المصرية ولكن لم يتم ذلك للآن بسبب افتقاد الدعوة لأي آلية أو قدرة على جذب الأطراف ، وربما يعود ذلك لعدم تحديد طرفي الصراع لموقف موحد تجاه بداية الحل العملي ولتوضيح المسألة فان حركة فتح تعتبر أن عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 14 / 6 / 2007 هو أمر طبيعي ولا يمثل شرطاً مسبقاً للحوار بل خطوة ضرورية وطبيعية للمصالحة وعودة الشرعية للسلطة التي كانت قبل الحسم ، وهذه تقبلها حماس لكن بعد الحوار وليس قبله وتنطلق حماس في ذلك من أن ما كان قائماً في السابق شابه الكثير من الخلل والاعوجاج ولابد من تقويمه أولاً ، وكما نرى فان هذين الموقفين هما كقصة الدجاجة والبيضة ، لذلك يتوجب الوصول لفهم مشترك وإجابة مشتركة لسؤال من أين نبدأ ؟
إن شرطاً لا يمكن نجاح الحوار بدونه ويمثل الأساس في استمرار المصالحة والوحدة الوطنية ويتمثل في التعامل بحسن النية بين الطرفين والذي يعني منح كل منهما ثقته للطرف الآخر على صعوبة ذلك ويحدونا لقول هذا الشرط تربص العدو بنا جميعاً دون تفريق بين حمساوي وفتحاوي أو جبهاوي وجهادي فآلة القتل والتدمير تضربنا جميعاً ولا أفق لحل يعطينا الحد الأدنى من الحقوق وقناعة الطرفين الكاملة بأن الانقسام والصراع هو خسارة صافية ليس لهما فقط بل لكل القضية الفلسطينية.
وأخيراً فان رعاية عربية صادقة وحريصة وقادرة على إقناع الطرفين بجدوى الحوار وضرورته للوصول للحل يمثل عاملاً هاماً للغاية من أجل نجاح الحوار إن لم نقل البدء به .
لن نختلف على أهمية الدور السعودي أو المصري أو السوري في هذا السياق ولذلك نرى أن مبادرة سورية مدعومة من مصر والسعودية هي أفضل ما يمكن عمله في هذه الفترة لتفعيل مبادرة الرئيس محمود عباس وربما تكون زيارته المرتقبة لسوريا فرصة لذلك ، ولو وجد الإخوة العرب أن رعاية الجامعة العربية للحوار ووقوعه في مصر العربية أفضل فلا بأس ، وفي كل الأحوال سيكون لسوريا دور باعتبارها ترأس القمة العربية ولها تأثيرها الخاص في الساحة الفلسطينية ، ودون الدخول إلى تفاصيل التوازنات العربية ودور هذه الدولة أو تلك فان احتضاناً عربياً للحوار الوطني والمصالحة الفلسطينية هو شرط مهم لنجاحها. وفي كل الأحول لابد للفلسطينيين أنفسهم أن يبادروا ويتحركوا ليقدموا النموذج الطيب بخلاف ما قدموه العام الماضي إبان الاقتتال المؤلم في قطاع غزة ، وهم وحدهم القادرين على تمهيد الطريق أمام أي مبادرة عربية ، فهل نرى ذلك قريباً ؟ .
زياد ابوشاويش
[email protected]
عوامل وشروط نجاح المصالحة والحوار الفلسطيني بقلم:زياد ابوشاويش
تاريخ النشر : 2008-07-02
