عراقيون بلا وطن ! بقلم:جمال محمد تقي
تاريخ النشر : 2008-07-01
عراقيون بلا وطن !
جمال محمد تقي

على العكس من اعلانات الحكومة العراقية فان تقارير المفوضية العليا لشؤون الاجئين تشير الى تزايد اعداد الاجئين العراقيين الى الخارج وبمعدلات متواترة فالرقم 4,7 مليون لاجيء عراقي قابل للزيادة الملحوظة خلال العام القادم وان عودة 150 الف لاجيء من سوريا والاردن ولبنان كانت عودة مخيبة للامال ، فلم يجد من عاد منهم ما يصبره على البقاء ، لا عمل لاسكن ولا امان ولا ثقة بالمستقبل ، لذلك يحاول اغلبيتهم تدبير شؤون عائلته ، ثم يعاود الكرة ، عسى ان يفلح بالوصول الدائم الى احدى دول اللجوء الاوروبية من جديد !
لقد بعثت المفوضية الدولية باكثر من نداء استغاثة وتحديدا للدول المانحة + الحكومة العراقية لبذل مابوسعها من اجل مساعدتها على تأدية الحد الادنى من مهمتها الانسانية ـ ماديا ولوجستيا ـ فكانت الاستجابة مسكنات مالية ـ 30 مليون يورو من دول الاتحاد الاوروبي مع وعود بالتنسيق مع الحكومة العراقية والولايات المتحدة والدول المستضيفة ، اما الحكومة العراقية فقد اكدت مجددا انها ستبذل المزيد من الجهود لتسهيل عودة الاجئين العراقيين الى وطنهم ، وانها سوف تكلف وزارة شؤون المهجرين وحقوق الانسان بعمل ما يمكن عمله !
المشكلة اكبر من امكانيات المفوضية فهي موجة لجوء مليونية وتعتبر اكبر حركة لجوء على مستوى العالم منذ الحرب العالمية الثانية ، وهي بمقياس الكوارث والنكبات ، ولا يمكن معالجتها بالمساعدات الاغاثية العاجلة فقط وانما بجملة اجراءات للحد من تواصل مسبباتها او لتقليل اضرار تلك المسببات والمهيجات على اقل تقدير ، لقد عبرت مكاتب المفوضية في دمشق وعمان والقاهرة وبيروت وانقرة عن قلقها المتزايد من تفاقم التدفق وتعقده وعدم توفر قدرة استيعابية لاحتواء الحالة فهي منفلتة !
نعم انها منفلتة فلتان الوضع داخل العراق ، وليس المقصود بالفلتان هنا امنيا فقط ، فواقع الحال يشهد على ان مناطق شمال العراق مثلا ـ اربيل والسليمانية ودهوك ـ والتي لا تعاني امنيا مثل غيرها من مناطق العراق هي ايضا تصدر يوميا من يغادر لاجل الحصول على اللجوء الاوروبي ، والسبب هو فلتان الفساد وطغيانه وغياب فرص العمل الحقيقية وايضا الامتيازات الرائجة لمتعددي الجنسيات من اصول كردية ، حتى صار قادة الحزبين ـ الاتحاد الوطني ، والديمقراطي الكوردستاني ـ قوة مثل تغري بالهجرة والتجنس الاوروبي والعودة لممارسة الهبر المشروع لم لا فهو محصن بقوة الجنسية المكتسبة ، شباب اكراد من دهوك واربيل والسليمانية يطرقون ابواب ستوكهولم ولندن وبرلين وفيينا للحصول على اللجوء ، فتجد منهم من يدعي انه من كورد بغداد او انه من ابناء كركوك وهكذا !
القلق من المستقبل وعدم الاطمئنان لما سيحصل وتوقع حصول الاسوأ كلها مشاعر مهيجة نحو الهجرة وما يغذي هذه المشاعر هو واقع الارتداد المخيف نحو العشيرة والطائفة والرس والتمترس خلفها على حساب هوية المواطنة المتمدنة ، التركماني واليزيدي والشبكي والمسيحي والتركيفي لا يشعر بالامان من نوايا عنصريي الحزبين المتسلطين على مناطق شمال لعراق ، فجرائم الاحتواء والقتل والتخريب بهدف الاذلال والترهيب والتهجير ـ كما ثبت بالدليل القاطع في حوادث تفجيرات الموصل حيث تورط قيادات من حزب البارزاني فيها ـ مستمرة حتى يستقطعون المنطقة الشمالية من العراق باكملها ملكا يستورثوه ولا يشاركهم فيه مشارك ، وعلى هذا المنوال حالة الجنوب والوسط فالردة شاملة واصحابها يتبرقعون بعباءات المراجع والايات ويدغدغون النوازع والغرائز والعصبيات من اجل ذات الهدف الذي ينشده استقطاعيي الشمال ، فالاقليم الشيعي في الجنوب والسني في الغرب وتقسيم بغداد بين نفوذ هذا وذاك كلها اهداف مفضوحة لمن يحكم العراق اليوم بوصاية ورعاية محتل غاشم لا يعنيه ان رجعت البلاد الى العصور الحجرية بل هذا هو مراده لينشغل بما اتى من اجله !
بعد كل هذا وبعد مسلسل الارهاب الدموي الذي لم ينقطع من ايام الحصار ومن ثم الغزو والاحتلال حتى مساعي تابيده بمعاهدة التعاون والصداقة الى ستنهال على ما سلم من بشر وحجر كيف يثق العراقي المنكوب بمستقبله ومستقبل اولاده ؟
من مفارقات مؤتمر العهد الدولي الاخير والذي انعقد في العاصمة السويدية كان تعليق وزير المهاجرين السويدي على نبرة التفاؤل التي يبشر بها المالكي المؤتمرين حيث قال : اذا كان الامر كذلك لا اعتقد ان طالبي اللجوء العراقيين سيرفضون العودة مع المالكي عند نهاية المؤتمر !!
علما ان وفد المالكي رحب باعادة طالبي اللجوء الجدد والمقدر عدددهم بحوالي 80 الف ووعد بمساعدتهم كعادته ،، مما حذى بمجاميع كبيرة من طالبي اللجوء في السويد بالتظاهر ضد تفاهمات اعادتهم متهكمين على المالكي وعلى حكومته التي لا تحل ولاتربط !
من المفارقات الاخرى وذات الصلة بنفس الموضوع هو اعلان عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية في العراق عن نية دولته استخدام مليون من العمالة المصرية في العراق للتمكن من الايفاء بالتزامات اعادة اعمار العراق ،، فاذا كانت نسبة البطالة الفعلية بالعراق اليوم تقدر بحوالي 65 % فهل يعقل معالجتها باستيراد اكثر من مليون عامل مصري ؟ نعم قد يعقل الامر اذا كان مقصود السيد عادل عبد المهدي ان هذه ال 65 % ستهاجر هي ايضا وبلا رجعة !

بعد كل الذي تقدم اي يوم سنختاره لتذكر الاجيء العراقي؟ هل هو يوم الاجيء في العالم 20 حزيران ؟ واذا استخدمنا ذات اليوم الا تضيع خصوصية الاجيء العراقي التي يشيب لها الرأس ؟ بلاد من اغنى البلدان وشعبها يتضرع جوعا وعوزا وتشردا في عواصم الجوار واللجوء ! بلاد تحتل ومحتلها يدعي انه جاء ليحررها فاذا به يغلق ابواب سفارته بوجه المستغيثين به مما فعلت يداه !
صار العراقي طارئا مطاردا مشردا مهددا في وطنه ، وصارالمحتلون واعوانهم ملاكا له يؤجرونه ويرهنوه ويبيعوه بالقطعة والجملة ، وراحوا ينتقمون منه حتى وان فر بنفسه الى خارج الحدود ، اتراهم لا يعلمون ان زيادة الضغط يؤدي الى الانفجار ؟