الشاطر يفهم بقلم:ناظم عمر
تاريخ النشر : 2008-07-01
الشاطر يفهم
بقلم ناظم عمر
محاضر غير متفرغ - جامعة القدس المفتوحة

الوضع في هذه المنطقة من العالم، وأفضل تسميتها بالعالم العربي والإسلامي، ولا أفضل استخدام مصطلح الشرق الأوسط لأنه وجد من أجل إذابة إسرائيل فيها، يقف على برميل من البارود. حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية تجد صعوبة، أو أنها غير موفقة في عملية إعادة بناءها من أجل إحكام السيطرة عليها وفرض الواقع الجديد الذي فرضه انتهاء الحرب الباردة في نهاية القرن الماضي وانهيار الاتحاد السوفييتي وتفردها في قيادة العالم. هذا ما أعلنته صراحة دون خجل أو وجل بعد أحداث الحدي عشر من أيلول.

الولايات المتحدة والكيان الصهيون، ولا أكاد أجد فارقاً كبيراً بينهما، لا يعجبهما وجود إيران كمنافس ومعارض للسياسة الأمريكية في المنطقة. إيران تنادي علناً بإزالة دولة إسرائيل، هذه النغمة التي غابت تماماً عن لغة الخطاب في المنطقة، وإيران تقوم بدعم الفصائل الفلسطينية المقاومة، وتقوم بدعم وتمويل حزب الله اللبناني الذي يعتبر بمثابة الكابوس بالنسبة للكيان الصهيوني، وتدعم سوريا في صمودها وإصرارها على تحصيل حقوقها وإعادة أراضيها المحتلة، وهي ترفض الوجود الأمريكي في المنطقة وتطالب بخروجها منها. ويشكل إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي ذروة هذة التهديدات للمصالح الأمريكية والصهيونية ووجودهما في المنطقة.

لا يوجد خيارات وبدائل كثيرة أمام أمركا وحليفتها إسرائيل للتعامل مع هذا الكابوس، ولا يوجد وقت أيضاً أمامهما، فعامل الوقت ليس في صالحهما على الإطلاق هذا باعتراف قادة الكيان الصهيوني الذين يقدرون أن إسرائيل لديها عام واحد لتدمير المنشآت النووية الايرانية وإلا ستواجه خطر التعرض لهجوم ذري إيراني. وأن امتلاك إيران للسلاح النووي يعتبر اسوأ السيناريوهات على الإطلاق، فهو يهدد إسرائيل في وجودها، وبالتالي يهدد بتغيير معالم المنطقة والعالم.

كمقدمة للتعامل مع هذا الملف جاءت عملية تهدئة البركان في المنطقة الذي كان على وشك الإنفجار. تم تجاوز حالة استقطاب الحاد التي عمت المنطقة كلها وكادت تدفع بها إلى حافة الانفجار الشامل والوشيك، حيث شهدت عدداً من الأحداث والمعطيات المفاجئة والمثيرة، بدت وكأنها تشكل منعطفاً جديداً ونقطة تحول في نمط التفاعلات الذي اعتادت عليه لفترة طويلة.

فقد تم إنهاء الأزمة اللينانية بقدرة قادر عن طريق اتفاق الدوحة الذي تم بموجبه الاتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للدولة، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للمعارضة فيها ثلث ضامن، وعلى تكليف البرلمان بإعداد قانون انتخابي جديد تمت الموافقة على أسسه العامة وخطوطه العريضة.

أما على الصعيد السوري فقد أعلنت تركيا أنها ترعى مفاوضات غير مباشرة بين سورية وإسرائيل، وتبين لاحقا أن جولات سابقة عقدت، وأن المفاوضات على وشك أن تتحول إلى مفاوضات مباشرة. وتم إيفاد مبعوثين فرنسين على مستوى عالي إلى دمشق، وتوجه للرئيس بشار الأسد دعوة رسمية للمشاركة في قمة «الاتحاد من أجل المتوسط» ولحضور احتفالات فرنسا بذكرى ثورتها الكبرى، ربما يكون في ذلك إشارة بالغة الدلالة على أن مرحلة القطيعة بين البلدين طويت. هذا بالإضافة إلى ما يتردد الآن بقوة في وسائل الإعلام من إصرار (ساركوزي) على عقد لقاء مباشر بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي (ايهود أولمرت) على هامش قمة واحتفالات باريس.

جاء الإعلان عن التوصل إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحركة "حماس" في هذا السياق. فقد تم برعاية مصرية التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، يتم تنفيذها عبر مراحل يتم بمومجبها وقف عمليات الاغتيال وإطلاق الصواريخ وفتح المعابر وفك الحصار، ودخلت المرحلة الأولى حيز التنفيذ بالفعل. ربما يهيئ الوضع الجديد أجواء أفضل لإبرام صفقة تتم بموجبها مبادلة الجندي الإسرائيلي الأسير (جلعاد شاليت) بعدد معقول من الأسرى الفلسطينيين. ولم يكن إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن استعداده لعقد مصالحة مع "حماس" على أساس المبادرة اليمنية التي تبنتها جامعة الدول العربية خارج هذا السياق أيضاً.

رغم كل هذه المقبلات إلا أن الظروف كما يبدو لم تنضج بعد لإتمام مهمة ضرب المفاعل النووي الإيراني، وربما تزداد صعوبة القيام بهذه المهمة كلما مر الوقت، وقد لا يتم القيام بها على الإطلاق. فالوضع على الصعيد الأمريكي الداخلي يزداد تعقيداً وصعوبة، وذلك لأن الحكومة الأمريكية لم تستطع تحقيق الأهداف التي وضعتها سبباً لحربها في المنطقة، من القضاء على الإرهاب، ونشر مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة وغيرها. والثمن الباهظ الذي تدفعه أمريكا، وبالتالي يدفعه المواطن الأمريكي من أمواله ومن دماء وحياة أبناءه. هذا بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تنشغل الآن بالانتخابات الرئاسية التي ستجعل من فرص نجاح توجيه ضربة للمفاعل النووي الإيراني قليلة في حالة نجاح مرشح الحزب الديمقراطي (باراك أوباما) في هذه الانتخابات. وحتى لو نجح المرشح الجمهري ( ماكين) الذي يبدو أكثر تجاوباً مع توجيه الضربة إلا أن تمكنه من إنجاز هذا العمل يحتاج إلى وقت طويل. وبالتالي تكون إيران قد قطعت شوطاً طويلاً لا يمكن إرجاعها عنه.

على الصعيد الإسرائيلي لا يبدو الوضع أفضل من الوضع الأمريكي، فالرئيس الإسرائيلي يبدو ضعيف جداً ملاحق بالإشاعات والاتهامات، وملاحق بالإجراءات القضائية، وله تاريخ حافل بالهزائم والنكسات. كما أن الجو السياسي العام يميل إلى تقديم موعد الانتخابات، ومن هنا يمكن القول إنه غير مناسب وغير مهيأ للقيام بعمل بمستوى توجيه ضربة لإيران، على الأقل في المستقبل القريب.

أما الوضع على الصعيد الأيراني فيشير إلى عدد كبير من الأوراق المتوفرة لدى إيران لردع الولايات المتحدة وإسرائيل من القيام بمثل هذا العمل، فحزب الله في لبنان يقف بالمرصاد لأي تحرك ضد إيران، وهو قادر على تهديد إسرائيل في العمق. والصواريخ الإيرانية أيضاً قادرة على دك إسرائيل ومفاعلها النووي، وإلحاق الأذى الكبير بكيانها. هذا بالإضافة إلى قدرة إيران على التأثير بشكل كبير على الوجود الأمريكي في العراق، وعلى تهديها للمصالح الأمريكية الكبيرة في الخليج العربي وفي المنطقة بشكل عام.

لهذه الأسباب مجتمعة لا أجد أن الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل قادرتين على ضرب إيران، على الأقل على المدى القصير. وربما يكون امتلاك إيران للسلاح النووي تحصيل حاصل ومسالة وقت لا أكثر. لهذا على الولايات المتحدة وإيسرائيل والأنظمة العربية أن تستعد لمرحلة جديدة تقول فيها شعوب المنطقة كلمتها. والشاطر يفهم.

ِ