إن القلب ليتقطع ألماً وحزناً على ما آلت إليه أحوال المؤسسات المصرية من تسيب، وخيانة للأمانة، إلى سرقة أموال عامة، إلى رشوة، ومحسوبيات... وهلم جرا.
فكم أشتاق إلى وطني، الذي ولدت وترعرعت على أرضه، واستظللت بسمائه، وشربت من مائه، عندما غادرته إلى بلد آخر، لكي أزيد من دخلي، وكم أتمنى أن أرجع إليه بفارغ الصبر في أقرب وقت ممكن، فوطني جزء مني، وأنا جزء منه، ولم يدر بخلدي أني سأفارقه، ومن لم يكن عنده حنين إلى وطنه، فهو إنسان أناني، وغير طبيعي.
ولكن في هذه المرة، عندما سافرت إلى أرض الوطن، وللأسف الشديد، أصابني الهلع والحزن الشديدان من شدة ما حدث معي، عندما ذهبت إلى وحدة المرور، التابعة لإحدى مدن محافظة الجيزة، لكي أجدد رخصة سيارتي، وكل أوراقي مضبوطة ولا ينقصها شيء، وحسبت أنني لن آخذ وقتاً في تسجيلها، لأنني أعيش خارج وطني منذ حوالي خمسة عشر عاماً، ولم أتعامل كثيراً مع المؤسسات الحكومية بوطني، إلا في أضيق الحدود، وحسبت أيضاً أنه كما أجدد رخصة سيارتي في بلدي الثاني «الإمارات» في وقت قصير جداً، لا يزيد على النصف ساعة تقريباً في أغلب الأحوال، أني في وطني سأجددها في نفس الوقت أو يزيد قليلاً، ولكني فوجئت بالعجب العجاب، فعندما تقدمت إلى الموظف المختص بوحدة المرور، لكي أسلمه أوراق السيارة، فلم يلتفت إليَّ، فتخيلت أني ذبابة، أو شيء لا قيمة له، وعندها تحدثت إلى أحد المتعاملين مع وحدة المرور، والذي يقف خلفي لتخليص معاملته، أخبرني بأن أرفق نقوداً «رشوة» مع الأوراق، لكي يلتفت إليَّ الموظف، لأنه إذا لم ير بعينيه النقود مرفقة مع الأوراق، فلن ينظر إليَّ، ولن ينهي معاملتي، بأي شكل من الأشكال، فانصعت للنصيحة، وقدمت رشوة مع الأوراق، رغماً عن أنفي، وعندما رأى الموظف المختص النقود مرفقة مع الأوراق، قام مفزوعاً من على كرسيه، كما يقوم الملدوغ من ثعبان، وأخذ يتكلم معي بكل مرونة ولطف، كأن بيني وبينه سابق معرفة، وبعد إنهاء معاملتي أرسلني لموظف آخر بجواره، فتكرر نفس المشهد، ولم يلتفت إليَّ الموظف أيضاً إلا عندما أعطيته الرشوة مع الأوراق، وأرسلني إلى موظف آخر، وتكرر أيضاً نفس المشهد.
وقد طلب مني أحد الموظفين إحضار ورقة براءة ذمة من نيابة المرور تثبت أنني دفعت جميع المخالفات التي على السيارة. فذهبت إلى النيابة، وكان منظر المتعاملين يرثى له، حيث إن المتعامل يقف في الشارع تحت أشعة الشمس الحارقة يوماً كاملاً، لكي يعرف الغرامة التي على سيارته، وذلك بأن يرمي وكيل النيابة، أو من ينوب عنه، الأوراق في وجه المتعامل، وعندما جاء دوري وسمعت اسمي، ورميت الأوراق في وجهي كغيري من المتعاملين، نظرت فيها لأعرف قيمة المخالفات، فوجدتها كبيرة جداً، وغير معقولة، فحاولت أن أتحدث مع وكيل النيابة، وكان شاباً صغيراً لا يتجاوز الخامسة والعشرين عاماً، لأعرف منه على أي أساس حددت هذه القيمة، فلم يعرني سمعاً، ولم يعطني فرصة لأن أتحدث معه، بل نهرني بقوة، كأنني أخطأت في حقه، وأنا أعلم تماماً أن الذي يحدد القيمة هو وكيل النيابة، وله نسبة عليها، ولذلك يضع المبلغ الذي يدور بخلده، ولا يراعي غير مصلحته الشخصية.
وقد استمرت هذه الرحلة الشاقة لتجديد ملكية السيارة حوالي عشرة أيام متواصلة، وهذا قليل من كثير، مما يحدث في بلد الأزهر الشريف، فلك الله يا مصر.. لك الله يا بلد الأزهر.. لك الله يا بلد الدين والعلم.. لك الله يا قاهرة المعز لدين الله الفاطمي.
فإن هذا وغيره، وللأسف الشديد، يحدث في جميع المؤسسات الحكومية بدون استثناء، وبعدها نلوم الحكومة، لماذا؟ لا أعرف الإجابة، فعلينا أن نلوم أنفسنا أولاً وآخيراً، ونصلح من أنفسنا، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
فعلى كل فرد منا أن يتقي الله في وظيفته، وأن يتقي الله في المتعاملين مع مؤسسته، فإن مكانه هو خدمة الوطن والمواطنين، ولم تكن وظيفته التكبر والتعالي على الناس.
محمد أحمد عزوز
مصري مقيم بدبي
مصر.. وفساد المؤسسات بقلم:محمد أحمد عزوز
تاريخ النشر : 2008-06-27