إصلاح جامعة الأزهر بغزة يشكل تحديا بقلم: إبراهيم أبراش
تاريخ النشر : 2004-12-09
إصلاح جامعة الأزهر بغزة يشكل تحديا

أمام دعاة الإصلاح والقيادة السياسية الجديدة

إبراهيم أبراش

أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر

أسلوب التعامل مع المشاكل التي تواجه شعبا من الشعوب يعكس ثقافة هذا الشعب وبنيته العقلية ، والعقلية العربية تتميز بخاصية سلبية وهي خاصية التهرب من المسؤولية وعدم الاعتراف بالخطأ وغياب روح الحوار والاعتراف بالأخر وممارسة النقد المدمر لذوي الرأي الأخر والسعي لإقصائهم ، فكل من يختلف مع رئيسه في العمل يصب جام غضبه ونقده المدمر على المؤسسة التي ينتمي إليها ، وصاحب العمل يعتبر نفسه مالك المؤسسة ومن فيها وانه لا يخطئ وبالتالي لا يسمح لأحد أن يشاركه القرار . قلة من الواعين والصادقين اعترفوا بأن كل من يمارس وخصوصا إن كان في موقع المسؤولية لسنوات طوال لا بد أن يخطئ وليس العيب أن يخطئ الإنسان ولكن العيب ألا يعترف بخطئه ،كما ان المرؤوس وان كان من حقه نقد رؤسائه فهذا النقد يجب ان يكون على أسس موضوعية وبما يخدم المؤسسة التي ينتمي إليها ،سلطة سياسية كانت أو جامعة أو أية مؤسسة أخرى .

ولكن ليس كل نقد هو نقد بناء يساهم في تجاوز واقع مرفوض ، فلا شيء أسهل من النقد والتجريح وخصوصا إن كان موجها ضد الآخر بهدف التشهير أو تسجيل موقف من باب ( اللهم إني قد بلغت ) أو من باب ( خالف تعرف ) ، أن النقد الذي هو شرط التغيير وأساس الديمقراطية هو نقد الذات أولا ثم النقد البناء للآخر ثانيا .أن تنتقد الآخر فقط معناه إضفاء صفة القدسية على الذات ،فالآخر هو سبب كل الأخطاء أما الذات المنتقدة فلا تخطئ ! ، أما نقد الذات فهو قمة الشجاعة الأدبية وتعبير عن إحساس رفيع وحضاري بالمسؤولية . وفي مجتمعنا الفلسطيني الكل ينتقد الكل ،بدءا من علاقة الأفراد العاديين وبعضهم البعض إلى علاقة الأحزاب وبعضها البعض أو علاقتها بالسلطة ،كل طرف يدعي انه يمثل المصلحة الوطنية وينهج الطريق الصحيح للوصول إليها ،والآخرون في نظره إما جهلة وقاصرين أو منتفعين ومرتزقين أو عملاء لأطراف خارجية يريدون التفريط بالحقوق الوطنية المشروعة، قلة هي التي تمارس النقد والنقد الذاتي معترفة بالآخر ساعية للالتقاء معه على قاعدة مشتركة.

ليس مرامنا في هذه المقالة مناقشة بنية العقل السياسي العربي ، بل كانت الإشارة السابقة للعقل السياسي مدخلا لحالة تطبيقية في إطار محدود وهو الأوضاع التي تعيشها جامعة الأزهر والتي تعتبر جامعة الدولة الفلسطينية .فقد هالنا كما هال الجميع ما وصلت إليه الأوضاع من ترد وسوء حتى بات الأساتذة يُقتلون بمتفجرات داخل حرم الجامعة – الذي لم يعد له أي حرمة لا قانونية ولا أكاديمية -.فقد مارست التدريس الجامعي مدة خمس وعشرين سنة في الجامعات المغربية وكنت على تواصل مع جامعات عربية ،ولم أشاهد أو أعيش حالة تشبه الحالة التي عليها جامعة الأزهر.صحيح تعرف الجامعات العربية مشاكل وصراعات مهنية وسياسية ،إلا أن هذه المشاكل تكون ضمن قوانين وحدود تفرضها أعراف وأخلاق أكاديمية ،فأعضاء هيئة التدريس يمارسون حقهم بالإضراب مثلا والاتحاديات الطلابية تمارس حقها في الإضراب والتعبير عن المواقف والمطالب ،إلا ن كل ذلك يكون في إطار قوانين ولوائح تؤطر ممارسة الحقوق الممنوحة للطلبة ونقابات العاملين ،فلا يجوز لمجلس الطلبة أو لنقابة العاملين أن تغلق الجامعة أو منع الطلبة والأساتذة من دخول الجامعة وقاعاتها بقوة السلاح أحيانا كما يجري في جامعاتنا ،كما لا يجوز لهم التدخل في الأمور الأكاديمية الخالصة-كالتسجيل والقبول والنجاح والرسوب والمناهج الدراسية وتوظيف الأساتذة والعاملين- التي هي من اختصاص الوزارة ومجلس الأمناء ومجلس الجامعة، أيضا لا يجوز حمل السلاح داخل حرم الجامعة من طرف أي كان .

ولكن لماذا تحدث هذه الأمور المشينة داخل جامعاتنا وخصوصا جامعة الأزهر؟سيكون من السذاجة تحميل الاحتلال المسؤولية ،لأن الجامعات كانت موجودة منذ 1967 ولم تحدث بها مثل هكذا أمور بل كنا نفتخر بجامعاتنا داخل الوطن التي استطاعت تشييد صرحا علميا محترما عالميا بالرغم من ظروف الاحتلال كجامعة بير زيت-قبل أن يغزوها فيروس التسييس- ،كما أن هناك جامعات لا تعرف مثل هكذا مشاكل اليوم كالجامعة الإسلامية جارة جامعة الأزهر-لها مشاكل ولكن من نوع آخر-،أيضا لا يمكن تحميل المسؤولية للطلبة وحدهم أو للأساتذة ،فالطالب لا يجرؤ على الاعتداء على إدارة الجامعة او على أستاذ لو لم يكن مسنودا من جهة خارجية – جهاز امني أو تنظيم سياسي أو من عائلة مسنودة بجهاز امني- أو على الأقل لو لم يكن يعرف أنه لن يحاسب على فعلته .

ونقولها بصراحة إن سبب تردي الأوضاع في جامعة الأزهر يعود أولا : لضعف وفساد الإدارة، وثانيا:تدخل الأجهزة الأمنية والتنظيمات السياسية وخصوصا تنظيم حركة فتح في الحياة الجامعية ،وثالثا:غياب الصرامة الأكاديمية عند أعضاء هيئة التدريس.فالصراعات ما بين الأجهزة الأمنية وما بين التنظيمات بدرجة اقل امتدت داخل حرم الجامعة بحيث بات معروفا أن مجلس الطلبة مقسوما . من جهة أخرى ونفس الأمر بالنسبة لمجلس الجامعة –المجلس الانقلابي الجديد-، وأيضا العاملين بالجامعة ،فكثير من أعضاء هيئة التدريس قبلوا على أنفسهم أن يكونوا أدوات بيد الإدارة وبيد الأجهزة الأمنية مما قلل من هيبتهم أمام الطلبة وأمام الجمهور بشكل عام، والبقية فضلوا طريق السلامة فتملكتهم حالة من ألامبالاة والإحباط، ونسى الجميع أن الجامعة مؤسسة وطنية وإصلاحها واجب وطني ،ونسي أو تجاهل البعض مبدأ الفصل بين السياسي والأكاديمي داخل حرم الجامعة ،وللأسف فقد غلبت الحسابات الحزبية الضيقة عند البعض ،فكرة فعل على كون الجامعة الإسلامية محسوبة على حماس ،أراد البعض أن يُجير جامعة الأزهر لصالح فتح ،متناسين أن فتح هي حزب السلطة ويفترض بالسلطة ومؤسساتها أن تكون لكل الشعب .

فهكذا وللأسبوع الثالث تغلق جامعة الأزهر أبوابها بعد جريمة اغتيال –ما زالت ملابسات القضية غامضة- عضو هيئة التدريس ياسر المدهون ،صحيح أن الجريمة نكراء ولو كانت ظروف الجامعة عادية ولا تعرف المشاكل المشار إليها سابقا لكان وقع الجريمة مختلفا ،إلا أن الجريمة جاءت ضمن سياق يشير إلى خلل خطير وحالة متردية وصلت إليها جامعة الأزهر، ...ولكن هل استمرار إغلاق الجامعة هو الحل الأنسب ؟يمكن قبول حل الإغلاق ويمكن للطلبة وأولياء أمورهم وكذلك لأعضاء هيئة التدريس والعاملين تحمل أعباء الإغلاق وتعويض ما فات في حالة واحدة أن يكون ما بعد الإغلاق وضعا جديدا للجامعة يتميز بتغيرات جذرية على كافة المستويات،ولكن أن تفتح الجامعة أبوابها بنفس التركيبة السابقة فهذا ما لا يقبله عقل عاقل.جامعة الأزهر تحتاج لتغييرات جذرية وليس لحلول ترقيعية كما جرت العادة .

نقولها بصراحة المراقب للحدث وبنظرة الأكاديمي وبمسؤولية عضو هيئة التدريس بالجامعة وبحسرة المواطن ،إن التغير الجذري في جامعة الأزهر يجب أن يكون على سلم اهتمامات ليس فقط مجلس الأمناء أو الوزارة المختصة بل على مستوى الحكومة والسلطة بشكل عام ،وان يكون إصلاح الجامعة مدخلا لاختبار مصداقية خطاب الإصلاح الذي ترفعه السلطة والمجلس التشريعي وكل الفعاليات السياسية . كثيرون يعترفون بان جامعة الأزهر تتوفر على خيرة الأكاديميين الفلسطينيين مقارنة بالجامعات الفلسطينية الأخرى بالقطاع وأنها تشهد عملية بناء وتطوير على مستوى المنشآت والمناهج والتخصصات ، وهذا يعني أن كل المشاكل يمكن تجاوزها لو توفرت الإرادة و حكمنا القانون فالقانون هو السيد الذي لا سيد فوقه ، ونتمنى من ذوى النوايا الطيبة سواء من رجالات السلطة أو أعضاء المجلس التشريعي التدخل العاجل لوضع حد لهذا الوضع الذي يسئ إلى جامعة وطنية يتجاوز عدد طلابها اثني عشر طالبا وطالبة .